الجزائر 1 بلغاريا 0 ··· هكذا كانت البداية ... لعل الكثيرون إن لم نقل جلّ الجزائريين يجهلون تاريخ كرة القدم الجزائرية، قد يتذكرون الفوز التاريخي على ألمانيا في مونديال إسبانيا 1982، والتتويج التاريخي بكأس أمم إفريقيا 1990 والتأهل إلى كأس العالم الأخيرة على حساب مصر، لكن هل تساءل أحدكم عن أول لقاء خاضه منتخبنا الوطني بعد الاستقلال؟ على يقين أن جيل اليوم يجهل ذلك· (أخبار اليوم) وكما عودتكم في كل مناسبة، ها نحن نعيد فتح دفاتر تاريخ كرة القدم الجزائرية، وسنحدثكم عن أول لقاء للخضر في تاريخ الجزائر المستقلة، اللقاء الذي جرى في مثل أول أمس لكن من عام 1963· 6 جانفي 1963 في السادس جانفي 1963، أي بعد ستة أشهر وثلاثة أيام بالتمام والكمال عن استقلال الجزائر، خاض منتخبنا الوطني لكرة القدم أول لقاء دولي في تاريخ الجزائر المستقلة، أمام المنتخب البلغاري بملعب العناصر 20 أوت بالعاصمة، والتي كانت أرضيته ترابية· لماذا منتخب بلغاريا؟ تم اختيار المنتخب البلغاري لمواجهة منتخبنا الوطني لوقوف حكومة وشعب بلغاريا إلى جانب القضية الجزائرية إبان الثورة التحريرية· فبلغاريا من بلدان العالم الاشتراكي الذي كان تحت لواء الاتحاد السوفييتي المنهار، حيث طالبت الحكومة البلغارية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك عام 1960 بضرورة استقلال الجزائر، وهو الطلب الذي أثار استياء كبيرا من طرف الحكومة الفرنسية الذي كان يترأسها الماريشال ديغول· ورد جميل البلغاريين شعبا وحكومة بوقوفهم مع القضية الجزائرية اختير منتخب بلادهم ليخوض أول لقاء دولي يلعبه منتخبنا الوطني بعد الاستقلال· ثلاثة أيام من المباراة ··· بلغاريا تهزم فرنسا بباريس قبل ثلاثة أيام من المباراة التقى المنتخب البلغاري وُديا بالعاصمة الفرنسية باريس أمام المنتخب الفرنسي وانتهت المباراة بفوز بلغاريا بهدفين لواحد· بالرغم من مشاركة نجوم الكرة الفرنسية الذين كانوا يصنعون على وجه الخصوص أمجاد نادي سانت ايتيان الذي كان يلعب له الجزائري رشيد مخلوفي، إلا أن منتخب الديكة انحنى لقوة البلغاريين وأنهوا اللقاء منهزمين بهدفين لواحد· قبل ذلك ··· بلغاريا تفرض التعادل على إيطاليا بروما قبل قدوم المنتخب البلغاري إلى باريس، خاض لقاء وديا بروما أمام المنتخب الإيطالي، وتعادل فيه بهدف لمثله، الأمر الذي أثار مخاوف اللاعبين الجزائريين والطاقم الفني، خشية أن يتعرض منتخبنا إلى هزيمة نكراء، قد تعكّر صفو الجمهور الرياضي الذي كان يتلذذ بنشوة الفرح بالاستقلال· هكذا تشكل المنتخب الوطني فور تأسيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في شهر أوت من عام 1962 بانتخاب الراحل الدكتور محند معوش رئيسا للفاف تم تأسيس أول بطولة في الجزائر، التي لعبت بشكل بطولة جهوية، مشكّلة من أربعة أفواج وفق التقسيم الجغرافي، وفور الانطلاق تم تأسيس المنتخب الوطني لكرة القدم· إسماعيل خباطو أول مدرب للمنتخب الوطني فور تأسيس المنتخب الوطني لكرة القدم، من طرف أعضاء الاتحادية الجزائرية لكرة القدم التي كان يرأسها المرحوم الدكتور محند معوش، تم تعيين إسماعيل خباطو أطال الله في عمره، كمدرب رئيسي، فيما تم تعيين المرحوم ابرير مساعدا له، وراح هذين المدربين يجوبان ملاعب الوطني لاختيار أحسن الأسماء التي يمكنها الدفاع عن المنتخب· القائمة الأولية ضمت 25 لاعبا في بداية شهر ديسمبر من عام 1982 كشف الطاقم الفني على أول قائمة للمنتخب الوطني وقد ضمت في البداية 25 لاعبا، غالبيتهم كانوا يلعبون للأندية العاصمية، نذكر من بينهم كل من المرحوم عبد الغني زيتوني وبوحيزب· غياب لاعبي ال "FLN" أثار الكثير من علامات الاستفهام أثار غياب لاعبي ال (FLN) عن مواجهة بلغاريا الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن الجزائر كانت تزخر آنذاك بالعديد من الأسماء الرنانة نذكر منهم على وجه الخصوص رشيد مخلوفي وسوكان ومعوش· ترى لماذا غاب هؤلاء؟ اسماعيل خباطو يجيب (لضيق الوقت، استحال علينا توجيه الدعوة للمغتربين، فكان البديل اللاعبين المحليين، الذين لم يخيّبوا الظن)· من 25 لاعبا إلى 18 قبل أسبوعين من اللقاء الودي أمام بلغاريا تم تقليص عدد اللاعبين إلى 18 لاعبا، نذكر من بينهم سيكي من شباب تيموشنت مزياني من اتحاد العاصمة بوبكر من اتحاد عنابة مسعودي من مولودية العاصمة وعبد الغني زيتوني من أولمبي العناصر· تحضيرات المنتخب الوطني كانت بكرتين فقط فور ضبط قائمة اللاعبين عند العدد 18، دخل هؤلاء بقيادة إسماعيل خباطو ومساعده عبد الرحمن إبرير في تربص مغلق بالمعهد الرياضي بابن عكنون لمدة ثلاثة أيام، وكم كانت فرحة اللاعبين كبيرة في أول لقاء سيخوضه هؤلاء في تاريخ الجزائر المستقلة· عن هذه التحضيرات يقول خباو (تم تحضير اللقاء في غياب أدنى الإمكانيات المادية، إلى درجة أن اللاعبين كانوا يتدربون بكرتين فقط، لكن الإرادة الكبيرة التي تسلح بها زملاء عبد الغني زيتوني كانت لا تقهر· إرادة اللاعبين كانت لا تقهر حتى وإن كان لاعبو المنتخب الوطني ينظرون إلى المنتخب البلغاري بمثابة العملاق، ألا أن إرادتهم كانت لا تقهر، ومما زاد من إرادة اللاعبين في قهر هذا العملاق، كون هذا الأخير قدم إلى الجزائر بعد أن تفوق على المنتخب الفرنسي، لذا يجب هزمه، فالفوز على بلغاريا في نظر اللاعبين والطاقم الفني له أكثر من دلالة، أهمها إثبات للفرنسيين أن للجزائر لاعبين شبان سيكون لهم شأن كبير مستقبلا، وهو الذي جسده زملاء سيقي بملعب 20 أوت الذي كانت أرضيته ترابية· زد على ذلك أن لقاء بلغاريا بالنسبة للمنتخب الوطني هو الأول من نوعه، لذا كان لزاما إن لم نقل جبرا على اللاعبين الفوز، ليدخل به التاريخ، والحمد لله كان الفوز حليف المنتخب الجزائري في يوم لن ينساه الجزائريون· عبد العزيز بوتفليقة كان في استقبال المنتخب البلغاري في صبيحة يوم الخامس جانفي رست بمطار هواري بومدين الدولي الذي كان يسمى آنذاك بمطار الدارالبيضاء، طائرة الخطوط الجوية الفرنسية وعلى متنها عناصر المنتخب البلغاري، وكان في استقبالهم وزير الشباب والرياضة السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان على رأس وزارة الشباب والرياضة، وعلى ذكر السيد الرئيس نشير أنه أصغر وزير عرفته الجزائر إلى حد الآن، حيث كان لا يتعدى سنه عن ال30 سنة، إضافة إلى عبد العزيز بوتفليقة نجد الراحل الدكتور معوش الذي كان يرأس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم بمعية بعض من أعضاء المكتب الفيدرالي، ولا ننسى سفير دولة بلغاريا بالجزائر· بعثة المنتخب البلغاري أقامت بفندق السفير وفور وصول البعثة البلغارية تم نقلهم إلى فندق السفير بقلب الجزائر العاصمة تحت حراسة أمنية مشددة، وقبل إجراء اللقاء أجرى لاعبو المنتخب البلغاري حصة تدريبية واحدة بملعب 20 أوت قصد التعرف على هذا الملعب وعلى أرضيته، وقد أبدى المدرب البلغاري وبعض من لاعبيه تخوفهم من أرضية الميدان التي كانت ترابية خشية أن يتعرض اللاعبون إلى إصابات بليغة قد تحرمهم من اللعب لنواديهم خاصة وأن البعض منهم كان يلعب لفرق إيطالية وفرنسية وبلجيكية وألمانية· اللقاء كاد أن يتأجل قبل أيام من اللقاء شهدت مختلف أنحاء الوطن سقوط أمطارا غزيرة، مع هبوب رياح باردة، أدخلت الشكوك عن إمكانية إلغاء اللقاء، لكن ولحسن الحظ أنه قبل يوم واحد من المباراة تحسنت الأحوال الجوية، وتنفس الساهرون وكذلك الجزائريون الصعداء، كما هو حال الجو لنهار اليوم، حيث ارتفعت الحرارة إلى 20 درجة مئوية، مع سماء صافية الأمر الذي جعل اللقاء يجري في أجواء رائعة· الملعب امتلأ قبل أربع ساعات وبما أن الجمهور الرياضي الجزائري كان مُتعطشا لرؤية لاعبي المنتخب الوطني أمام أنظار أعينهم والراية الوطنية التي حرموا من رؤيتها لأكثر من قرن وثلاثين سنة، هاهي ترفرف بمختلف أرجاء ملعب 20 أوت وسط صخب هائل من الجماهير والتي فاق عددها عن العشرين ألف متفرج، وهي سعة مدرجات ملعب 20 أوت· اللقاء وبالرغم من انطلاقته على الساعة الرابعة، إلا أن مدرجات ملعب 20 أوت كانت ممتلئة عن آخرها في تمام منتصف النهار، الكثير منهم حمل الراية الوطنية معه وهو يغني بحياة الجزائر المستقلة· حضر المباراة عدد كبير جدا من الجماهير إلى درجة أنه استحال على البعض إيجاد مكان له بداخل الملعب كون العدد فاق عن الذين يتواجدون بالخارج، فلو لعبت المباراة في ملعب تتسع مدرجاته لأكثر من 100 ألف لامتلأت عن آخرها· الرئيس بن بلة حضر إلى الملعب نصف ساعة قبل انطلاقة المباراة تابع المباراة رئيس الجمهورية أحمد بن بلة، والذي كان مرفوقا بالكثير من الوزراء والسلك الدبلوماسي المعتمدين بالجزائر· وصول السيد الرئيس أحمد بن بلة أطال الله في عمره، إلى ملعب 20 أوت بالعناصر آنذاك كان قبل نصف ساعة من انطلاق المباراة ونظرا للحشد الهائل من الجماهير الذي استحال عليه إيجاد مكان للدخول وجد الرئيس صعوبات كبيرة في الدخول إلى الملعب، وهي نفس الصعوبات التي وجدها لاعبو المنتخبان أثناء وصولهما إلى الملعب· إغماءات بالجملة أثناء عزف النشيد الوطني لحظات قبل إعطاء الحكم صافرة البداية كانت الأجواء بملعب 20 أوت رائعة، جمهور غفير جدا إلى درجة أنه وضعت مدرجات خلف حارسي المنتخبين، الجميع كان يتغنى بحياة الجزائر وبحياة الرئيس احمد بن بلة، ما إن دخل عناصر المنتخب الوطني بالزي الأبيض الفاتح حتى كادت مدرجات الملعب تنفجر، لكن اللقطة التي أبكت الجماهير فرحا وأغمت البعض منهم هو أثناء عزف النشيد الوطني، فهذا النشيد الذي حرم الجزائريون من سماعه بحرية هاهو اليوم ينشد بمكبرات الصوت ولا أحد يمنعهم من سماعه، إنها الحرية وما أجمل وأروع أن ينعم المرء بالحرية وأن يتغنى بوطنه وبقوميته العربية والدين الإسلامي دون خوف من الجلادين الفرنسيين الذي قتلوا وشردوا الملايين من الشعب الجزائري الأبي· أقول ما إن بدأ الاستماع إلى النشيد الوطني حتى بدأ الكثير من الجمهور الحاضر يفقد التحكم في نفسه بسماعه النشيد الوطني يدوي أرجاء الملعب، لا كما كانت تدوي رشاشات المجاهدين البواسل الجبال والوديان والشعاب والأزقة والأحياء وفي كل شبر من أرض الجزائر الحبيبة· ومن بين الذين تجاوبوا بسماعهم للنشيد الوطني الرئيس أحمد بن بلة، حيث يروي عبد الغني زيتوني أنه لاحظ أثناء نزول الرئيس إلى أرضية الميدان لمصافحة اللاعبين جفون الرئيس محمرة وهي مملوءة بالدموع· سيناريو اللقاء البداية للمنتخب الوطني وأول فرصة للتهديف كانت بلغارية صافرة البداية كانت للمنتخب البلغاري، حيث أتيحت له أول فرصة للتهديف في الدقيقة الرابعة بواسطة نجمه ديميتوف الذي كان يلعب لنادي سانت ايتيان الفرنسي زميل اللاعب الجزائري رشيد مخلوفي، لكن براعة الحارس بوبكر تصدى لها ببراعة، بعدها بدقيقتين أتيحت فرصة ثانية للمنتخب البلغاري الذي لعب المباراة بلباس أبيض، الأمر الذي زاد اللقاء جمالا، كون هذين اللونين للراية الجزائرية، وهي الراية التي كانت ترفرف على حافتي الملعب· وبعد أن أحس المنتخب الوطني بالخطر الذي يداهمه خرج من منطقته وشنّ هجوما خطيرا كاد اللاعب عبد الغني زيتوني أن يصل إلى شباك الحارس البلغاري ليتشكوف لولا تدخل أحد مدافعيه في آخر لحظة الذي أنقذ مرماه من هدف ظن الكثير من الجمهور الجزائري أنه الهدف الأول في اللقاء· خطة رجل لرجل مكنت زيتوني من توقيع أول هدف طبق الفريق الوطني خطة رجل لرجل، من أجل امتصاص قوة اللاعبين البلغاريين، فبعد أن أهدر المنتخب البلغاري فرصة التسجيل، شنّ الفريق الوطني هجوما خاطفا قاده المهاجم مزياني وبعد تخطيه خط الوسط ضاعف من سرعته التي أذهلت البلغاريين، وقبل وصوله إلى منطقة العمليات راوغ لاعبين بلغاريين وبدون تردد مرر الكرة عرضيا إلى زميله عبد الغني زيتوني الذي لعب اللقاء كرأس حربة ودون انتظار قذف هذا الأخير الكرة في الجهة اليمنى من الحارس ليتشوف بطريقة بديعة أسكنها الشباك أمام حيرة هذا الأخير الذي لم يصدق أن شباكه قد اهتزت بقدم لاعب جزائري يلعب في البطولة المحلية لبلاده اسمه عبد الغني زيتوني، يا للروعة يا للجمال، المنتخب الوطني الذي كان قبل أشهر من هذه المقابلة لاعبوه يحرم عليهم ممارسة كرة القدم يتمكن في زمن قصير من هزّ أحد عمالقة حراس المرمى في أوروبا اسمه ليشوف، وهو الحارس الذي فشل الفرنسيون في هزّ شباكه قبل ثلاثة أيام من هذا اللقاء التاريخي· الصحافة الفرنسية شككت في الفوز في اليوم الموالي من اللقاء كتبت الكثير من العناوين الصحفية الفرنسية على أن فوز منتخبنا الوطني على بلغاريا كان بتواطؤ من اللاعبين البلغاريين، ومما كتب في هذا الشأن ونعيد كتابته حرفيا هو ماجاء على الصفحة الأولى من مجلة فرانس فتبول الشهيرة (هزيمة العار) وراح كاتب المقال يكتب في الصفحة الثالثة (نجح اللاعبون البلغاريون في نسج تمثيلية مفضوحة أمام المنتخب الجزائري الضعيف وأهدوا الفوز للجزائر بطريقة مكشوفة)· وفي موقع آخر كتب نفس الصحفي يقول (هذه ليست كرة القدم إنها مسرحية مكشوفة يجب على الفيفا معاقبة المنتخب البلغاري الذي لم يحترم قوانين اللعبة)· أما صحيفة فرانس لوسوار فكتبت في صفحتها الرياضية (أين هي أخلاق الرياضة، وأين هي مبادئ الروح الرياضية، يجب معاقبة المنتخب البلغاري، وفي مقال آخر وفي نفس الصحيفة في الصفحة الموالية رقم 22، طالب كاتب المقال من الاتحاد الدولي بمعاقبة المنتخب البلغاري)·