الأسرة، كغيرها من مؤسسات المجتمع، كيان إداري يحتاج إلى ميزانية تسيير مصاريفه، ولعل أصعب المشاكل التي يواجهها هذا الأخير عدم قدرته على الموازنة بين الموارد والمصاريف، لذا يحاول الزوجان وضع خطط واستراتيجيات لضمان نجاح الميزانية، غير أن الأمر يتحول أحيانا إلى صراع بينهما، خاصة عندما يرغب كل منهما الاستحواذ على حق الإدارة ووضع أولويات الصرف، معتقداً أنه أكثر كفاءة في الأمور المالية ومتهما الطرف الآخر بسوء التسيير والتبذير. قد تتحول ميزانية الأسرة إلى صراع بين الزوجين حول من يديرها، ولعل هذا أول مؤشرات الفشل المادي للأسرة، وهنا يوضع كل من الزوجين محل اتهام مفاده من هو الطرف المبذر في المعادلة، ويثار تساؤل أي الزوجين أكثر حكمة في وضع ميزانية البيت وإدارتها.. هل هو الزوج لكونه مصدر الدخل الأول في الأسرة، أم الزوجة بحكم درايتها في احتياجات البيت، أم أن المشاركة بينهما هي الحل المثالي؟! عائلات تصرف دون تخطيط.. لعل الأمر يبدو عاديا إذا تحدثنا عن العائلات الغنية التي لا تجد صعوبة في الإنفاق دون حساب، ببساطة لأن في كثير من الأحيان يفوق دخلها مصاريفها بكثير!! إلا أن الأمر يتحول إلى مشكلة حقيقية تهدد القدرة الشرائية للعائلات إذا تعلق الأمر بذوي الدخل المحدود والذين يستوجب عليهم الحرص على وضع تصور لإدارة المال في الأسرة وكذا التوفيق قدر الإمكان بين المدخول والمصروف، غير أن العديد من الأسر البسيطة تتغاضى عن هذا الأمر وتترك المجال للصدفة للتصرف بأمورها المادية.. فنجد العديد منهم لا يدركون مقدار المال المنفق كل شهر، وليسوا على دراية حتى بالاحتياجات الأساسية للأسرة شهريا!.. هذا ما أخبرتنا به السيدة صبرينة، التي أكدت لنا أنها لم تقم يوما بوضع ميزانية تسير من خلالها مصاريفها الشهرية، وعن نتائج ذلك تقول صبرينة:”أجد نفسي كل نهاية شهر عاجزة عن المواصلة لكوني قد استهلكت كل الأموال في البداية، لذا ألجأ للاقتراض”. أما سعاد فقالت إنها غالبا ما تضطر للاقتراض نتيجة عدم التخطيط المسبق قائلة: “يعد الاقتراض النتيجة الحتمية لكل شهر، غير أنني لا أخبر زوجي بذلك لأنه غالبا ما يتهمني بالإسراف و التبذير”. المرأة مديرة مالية بالدرجة الأولى.. أكدت العديد من الدراسات أن المرأة هي الخبيرة المالية في الأسرة، وهي المعنية الأولى بأمور التسيير الاقتصادي العائلي بحكم درايتها بحاجيات البيت وضرورياتها، خاصة إذا تحدثنا عن المرأة العاملة التي تتمتع باستقلالية مالية، ما يمنح لها فرصة أكبر في وضع ميزانية ناجحة. غير أن الواقع العملي لديه ما يقوله في هذا الصدد، فالملاحظ عادة هو اتهام الرجال للمرأة بسوء التسيير والتبذير. وفي هذا الصدد يقول رشيد، رب عائلة:”أنا مضطر لتسليم المسؤولية المالية لزوجتي بحكم عملي طيلة اليوم، إلا أنها لا تعرف كيفية التوفيق بين المدخول والمصروف”. أما السيد فاتح فيخالفه الرأي معتبرا زوجته وغيرها من النساء الأكثر كفاءة لإدارة ميزانية الأسرة، قائلا:”لا أجد من هو خير من المرأة في إدارة شؤون بيتها من كل النواحي، فهي التي تجيد التحكم في الأمور المالية أحسن من الرجل، كما أن المرأة تعرف بقدرتها على التوفير والادخار”. مسؤولية تقبل القسمة العادلة بينهما تمكنت العديد من العائلات من معرفة سر نجاح الأسرة ماديا، والمتمثل في المشاركة و تقاسم الأعباء من حيث التخطيط والعمل على وضع ميزانية شهرية. وفي ذات السياق تقول السيدة كريمة:”اتفقنا أنا وزوجي منذ البداية على تقاسم الأمور، كما ألححنا على ضرورة وضع ميزانية مرنة وعدم ترك الأمور للصدفة أبدا، لذا لم نواجه أي مشاكل مادية منذ زواجنا الذي مر عليه قرابة السبع سنوات”. وفي نفس السياق يقول أحمد، المقبل على الزواج”إنه اتفق مع خطيبته من الآن على ضرورة الاشتراك في كل التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بالميزانية المالية التي يجب أن تشاركه فيها لضمان نجاحها”.