كشفت الاحتجاجات التي نظمها سكان البيوت القصديرية بطقارة في العاصمة، الأسبوع الفارط، واقعا أليما مدميا تعيشه بعض العائلات داخل حفر وكهوف بقلب العاصمة، والتي منها عائلات من ضحايا الإرهاب في فترة المحنة والآن هي ضحية التهميش والظلم·· قادتنا إحدى الأمهات من ضحايا الإرهاب إلى داخل هذه البيوت القصديرية التي لم يسمع بها أحد لأنها محاطة بالفيلات الفخمة وبالتالي فإن لا أحد يصدق وجود مثل هذه المعاناة داخل هذه المنطقة إلا إذا تنقل وشاهد بعينيه الحفر والكهوف التي تقطن بها أكثر من 200 عائلة على محورين اثنين في منطقة الطقارة·· وخلال توغلنا في هذه المنطقة التي لا تصلح أبدا لعيش البشر، خاصة أن الوصول إليها جد صعب بانعدام سلالم صالحة توصل مباشرة إلى هذه البيوت المتراصة مع بعضها كأنها قبور، لا يفرقها عنها إلا الأجساد المتحركة داخلها·· أدخلتنا خالتي فتيحة إلى هذه الكهوف ويديها تمسك بنا خوفا علينا من السقوط في هذه المنحدرات التي ازدادت خطورة بسبب الانزلاق الكثيف للتربة خلال التقلبات الجوية الماضية، إلا أن خالتي فتيحة البالغة من العمر أكثر من ستين سنة لم تجد صعوبة في السير وتسلق المنحدرات بسبب خبرتها التي اكتسبتها بالعيش ما بين الحفر·· هذه السيدة التي فقدت ابنها الوحيد في سنوات المحنة بعد أن خدم في صفوف الجيش الوطني لمدة طويلة إلا أن أبناء الوطن كانوا له بالمرصاد، فحرموا هذه الأم من ابنها ولم تتلق من الدولة إلا وساما شرفيا كعرفان بالخدمة لا زالت تحتفظ به على سبيل الذكرى لا غير، فهي جد غاضبة على حقوقها المهضومة بكونها مواطنة مولودة في حي الأبيار في خمسينيات القرن الماضي ولازالت إلى الآن تسكن في نفس البيت التي ولدت فيه بعين زبوجة دون أية التفاتة من السلطات المحلية، ومن جهة أخرى بصفتها أم شهيد الواجب فهي إذن تحس بأنها مظلومة بشكل كبير من طرف أبناء الوطن الذين اغتالوا فلذة كبدها ولم يمنحها المسؤولون حتى حقها الشرعي في السكن رغم أنها تعيش في أسوأ الظروف وبيتها ينهار ببطء كل يوم، حتى أن أرضية بعض الغرف تشققت بالكامل ولم تسلم حتى من الثعابين والجرذان التي وجدت ملجأها في هذا البيت بسبب وجوده داخل غابة·· وليست خالتي فتحية وحدها من ضحايا الإرهاب فغير بعيد عن بيتها يوجد بيت آخر يضم عائلة أخرى تحوي الأم التي اغتيل زوجها أمام أنظار ابنيها خلال المحنة وهذا ما سبب إصابة أحد ابنيها باختلال عقلي لازمه إلى غاية اليوم، وهي الأخرى تعيش في ظروف سيئة للغاية بانعدام أبسط وسائل الحياة من مطبخ أو حتى الغاز الغائب كليا عن هذه العائلات التي تبقى مهددة من الموت تحت الأنقاض بسبب استمرار انزلاق التربة من جبل أبو ليلي ومن جهة أخرى انعدام أبسط وسائل الحياة، في غياب تام للمسؤولين عن هذه المأساة المتواصلة بقلب العاصمة بالقرب من مقرات أهم مؤسسات الدولة···