الإمام ابن عقيل أحد أئمة الأعلام، صاحب التصانيف ذائعة الصيت كان شيخ الحنابلة في زمانه، ولعلمه وورعه لقبوه بالعلامة البحر وشيخ الإسلام، تسبب اجتهاده ورفضه الجمود المذهبي والتقليد الأعمى في تكفيره وإهدار دمه ونفيه ومطاردته، واضطر أن يعلن تراجعه وتوبته من آرائه حفاظا على حياته· ولد أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري، سنة 431 هجرية، وبدأ طلب العلم صغيرا، وكان يتوقد ذكاء، واسع الاطلاع، حسن النظم والنثر، صبورا على الشدائد، ورعا زاهدا، منقطعاً للدرس والتأليف حتى إنه عكف على تصنيف كتاب -الفنون- وهو أكثر من أربعمئة مجلد، وقيل إنه بلغ ثمانمئة مجلد وهو الأكبر في العالم جمع فيه أكثر من أربعمئة فن، وحشد بين صفحاته كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث والمرويات في الوعظ والتفسير والفقه والأصول، والنحو واللغة والشعر والتاريخ والحكايات··· وأثنى على علمه وخلقه العلماء، وقال عنه الإمام الذهبي: -الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي المتكلم صاحب التصانيف-، ووصفه ابن الجوزي بأنه: كان ديِّناً حافظا للحدود، توفي له ابنان، فظهر له من الصبر ما يُتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجده، وما خلف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار، وقال عنه أيضا: وأفتى ابن عقيل، ودرس وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار· وجمع علم الفروع والأصول وصنف فيها الكتب الكبار· العلم كان دائم التشاغل بالعلم، حتى أني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره· وإني لأجد من حرصي على العلم· وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة ، وروي عن حماد الحراني، أنه سمع السلفي يقول: (ما رأت عيني مثل أبي الوفاء بن عقيل الفقيه، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وحسن إيراده، وبلاغة كلامه، وقوة حجته، تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن، فقال له: هذا ليس مذهبك، فقال: أكون مثل أبي علي الجبائي، وفلان وفلان لا أعلم شيئا؟ أنا لي اجتهاد متى طالبني خصم بالحجة، كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقوم له بحجتي، فقال أبو الحسن: كذاك الظن بك، وقال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه من أذكياء العالم· بلغ في محافظته على الزمن مبلغا أثمر أكبر كتاب عرف في الدنيا لعالم، وهو كتاب الفنون· وكان الإمام ابن عقيل عالما فاضلا ومفكرا إسلاميا متبحرا، ساهمت جهوده فى تجديد المذهب الحنبلي، وتخليصه من التقليد والجمود والظاهرية النصوصية، وتطعيمه بشيء من النظر العقلي· وعاصر أحداثا سياسية كبرى، فقد كان العصر عصر تراجع حضاري وانكسار، حيث سيطرت على العالم الإسلامي النزعات والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، والفتن والتعصب وغياب التسامح والاستنارة الفكرية، وجلبت له المكانة العلمية العالية التي حققها عندما تكلم على المنبر بلسان الوعظ، الكثير من المتاعب مع الأقران والمتنافسين، وأجج لهيبها التعصب المذهبي والفتن التي جرت بين الحنابلة والأشاعرة، مما اضطره إلى ترك الوعظ واقتصر على التدريس، ونقم عليه بعضُ العلماء تردده إلى ابن الوليد، وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، وفي سنة 461 ه، اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة، والترحُّم على الحلاَّج، فاشتدَّ ذلك عليهم واتهموه بالخوض في تأويل الصفات ورموه بالكفر والزندقة وطلبوا أذاه بالحبس والقتل، وأصدر الإمام والقاضي الحنبلي الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى فتوى بإهدار دم ابن عقيل، مما اضطره للهرب والاختفاء عن الأنظار أربع سنوات· وتوفي الإمام ابن عقيل رحمه الله عام 513 هجرية· * أثنى على علمه وخلقه العلماء، وقال عنه الإمام الذهبي: -الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي المتكلم صاحب التصانيف، ووصفه ابن الجوزي بأنه: كان ديِّناً حافظا للحدود، توفي له ابنان، فظهر له من الصبر ما يُتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجده، وما خلف سوى كتبه وثياب بدنه، وكانت بمقدار، وقال عنه أيضا: وأفتى ابن عقيل، ودرس وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم، في زمرة الكبار· وجمع علم الفروع والأصول وصنف فيها الكتب الكبار·