هو أحد الأعلام من أئمة الإسلام، ومن أبرز علماء الفقه والحديث، وأكثرهم زهدا في الدنيا، لعلمه لقبوه بالحجة، تحمّل الضرب والسجن والإقامة الجبرية بسبب موقفه من التعصب والآراء المنحرفة كقضية (خلق القرآن) والدفاع عن منهج السلف الصالح، وانتصاره لأهل السنة والجماعة· ولد أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي البغدادي، وكنيته أبو عبد الله، في عام 164 ه، خرجت به أمه من مرو وهي حامل فولدته ببغداد، ونشأ بها يتيما فقد مات أبوه وهو طفل، وتعهدته أمه بالرعاية ووجهته لطلب العلم في صغره، وتلقى دروسه الأولى في العربية والفقه والأصول والكلام والحديث والتفسير، وطاف البلاد في طلب العلم، ودخل الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام، وتتلمذ على شيوخ وأعلام عصره ومنهم الشافعي وبشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، وآخرون· مكانة كبيرة بلغ ابن حنبل مكانة كبيرة ومنزلة عالية في الفقه وأصوله، واشتهر بغزارة العلم وقوة الاجتهاد واستقامة في الدين، وكان ممن يشد إليه الرحال لسماع كتبه وآرائه، وقد اعترف له معاصروه ومن جاء بعده بالعلم والفضل والتقدم، وقال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا· وذكر أبو يعقوب يوسف بن عبد الله الخوارزمي: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أفقه ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم من أحمد بن حنبل· ويروي محمد بن عبدوس بن كامل عن شجاع بن مخلد أن أباه الوليد الطيالسي ورد عليه كتاب أحمد بن حنبل، فسمعه يقول: ما بالمِصرين- يعني البصرة والكوفة- أحد أحب إليَّ من أحمد ابن حنبل، ولا أرفع قدرا في نفسي منه· نزاهة النفس وقال العجلي: ثقة ثبْت في الحديث نزيه النفس فقيهٌ في الحديث متبع الآثار صاحب سنة وخير· وقال أحمد بن سلمة النيسابوري: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف يعني ابن سالم وأصحابنا، وكنا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا، وطريق كذا، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماع منا؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره؟ ما مرادُه؟ ما فقهه؟ فيصمتون كلهم إلا أحمد بن حنبل، فإنه يتكلم بكلام له قوي· وقال عنه ابنه عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمئة ركعة، فلما مرُض ضعف، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء وينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو· وتتلمذ على يديه الكثيرُون منهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأسود ابن عامر شاذان، وابن مهدي، وأبو الوليد، وعبد الرزاق، ووكيع، ويحيى بن آدم، ويزيد بن هاورن، وقتيبة، وداود بن عمرو، وخلف بن هشام وغيرهم الكثير· وخلف الإمام أحمد الكثير من المصنفات النافعة في الفقه، والتفسير، والحديث وعلومه منها تفسير القرآن، وطاعة الرسول، والأشربة الصغير، والأيمان، والرد على الجهمية، والزهد، والعلل في الحديث، وكتاب الفرائض، وفضائل الصحابة، والمسند، والمناسك، ومناقب الإمام علي ابن أبي طالب، والناسخ والمنسوخ من القرآن· وتعرَّض الإمام أحمد لمحنةٍ قاسية بسبب موقفه من مسألة خلق القرآن، فقد اعتقد الخليفة المأمون برأي المعتزلة في خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم، وحمل الناس على قبوله قسرا وقهرا بلا دليل أو بينة، ولما دعي الإمام أحمد إلى القول بخلق القرآن، قال: أنا رجل علمت علما ولم أعلم فيه بهذا، فأحضر له الفقهاءَ والقضاة فناظروه، فلم يجب، فضُرب وحُبس وهو مصر على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة 220 ه، ولما تولى المعتصم امتحن الإمام وتعرض للضرب بين يديه، وبقى محبوسا طيلة 28 شهرا، فلما ولي الواثقُ منعه من الخروج من داره، وأمر الإمامَ أن يختفي، فاختفى، وأخرجه المتوكل حين وصل إلى السلطة وخلع عليه وأكرمه، ورفع المحنة في خلق القرآن· وتوفى رحمه الله في سنة 241 هجرية· * قال عنه ابنه عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمئة ركعة، فلما مرُض ضعف، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء وينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو·