عادت الأمطار مجدّدا لتتهاطل على العاصمة بشكل كثيف جدّا، فلقد تواصل تساقطها دون انقطاع لأكثر من 24 ساعة والضحّية كالعادة هم سكان البيوت الهشّة والقصديرية الذين غرقوا كالعادة في المستنقعات وانهارت أجزاء من بيوتهم بعيدا عن اهتمام السلطات المحلّية الغارقة في سباق الانتخابات· أردنا أن نعايش هذه الحملة المفاجئة من الأمطار مع سكان القصدير والبيوت الهشّة، وكما توقّعنا فإن النتيجة والوجه هو نفسه في مختلف مناطق العاصمة. فمن الجزائر الوسطى كانت البداية أين عايش سكان البيوت الهشّة جحيما حقيقيا خلال ساعات فقط من التواصل المستمرّ للأمطار، ففي شارع الإخوة بليلي ومحمد بن عيسى بنفس البلدية كان نفس المشهد، فنفس الحفر والمستنقعات مع تسرّب المياه الكثيف إلى داخل البيوت وتضرّر الكثير من العائلات. فلقد كشفت لنا عائلة (محرز) عن معاناة أكثر من خمسين سنة مع المياه القذرة واستحالة الخروج من غرف البيت بسبب تجمّع المياه أمام المدخل، والتي تتسرّب إلى داخل البيت حين يتزايد سقوط الأمطار، ونفس الأمر عرفته عمارة آيلة للسقوط وموضوعة في الخانة الحمراء في شارع محمد بن عيسى، فعائلة (لزرق) مثلا والساكنة في الطابق العلوي كانت أوّل المتضرّرين من هذه الأمطار التي تسرّبت من السقف والسطح، ومع كلّ محاولات أفراد هذه العائلة منع دخول المياه إلاّ أن الأمر لم ينفع، خاصّة مع استمرار تساقط الأمطار طيلة يوم أمس· عائلات وجها لوجه مع الطبيعة وغير بعيد عن الجزائر الوسطى وجدنا أن سكان الحي القصديري بعين زبوجة واجهوا نفس المصير خلال هذه التقلّبات الجوّية المفاجئة، فلقد أكّدت لنا (خالتي فتيحة) في اتّصالها بنا وهي إحدى الساكنات بهذا الحي أن الوضع بات كارثيا ولا يحتمل في هذا الموقع، فلقد تضرّرت هي مثلا خلال اليومين الفارطين من تواصل سقوط الأمطار الغزيرة فلم تنعم حتى بالنّوم وهي تحاول إخراج المياه من بيتها القصديري الذي لم يقاوم قوّة الأمطار فانهارت عدّة أجزاء منه، ولولا تدخّل بعض الجيران للقيت هذه السيّدة حتفها خاصّة مع عدم قدوم مصالح الحماية لمساعدتها رغم كلّ اتّصالاتها المتكرّرة بهم لإنقاذها من خطر الموت تحت الأنقاض· وتؤكّد هذه السيّدة أن الأمر نفسه عايشه أغلب سكان عين زبوجة البالغ عددهم أكثر من 200 ساكن في حفر تتهدّم أجزاؤها يوميا بفعل انزلاق التربة في غياب تام للسلطات المحلّية· ونفس الحالة عايشها سكان الحي القصديري بباسكال في بوزريعة، فبعد إخراجهم من المدرسة التي أسكنتهم فيها السلطات المحلّية وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الطبيعة، فتعاونوا مع بعضهم، فمن كان بيتهم لا زال يصلح للسكن جمع فيه ما استطاع من العائلات، وهكذا إلى غاية انتهاء هذه الأزمة، فلقد وعدوا بالسكن بعد إجراء الانتخابات، إلاّ أن موعدها يبدو بعيدا كما تقول هذه العائلات في اتّصالها ب (أخبار اليوم)، فالجبل تتساقط أجزاؤه يوميا سواء بسقوط الأمطار أو عند اشتداد الحرارة، فالخطر يصاحبهم في بقايا هذه البيوت التي باتت تعرف ببيوت الموت بعد هلاك سيّدة وطفلها خلال الفترة الماضية· أمّا حي باب الوادي فإن سكانه عاشوا حالة رعب حقيقية خلال اليومين الماضيين، خاصّة في ليلة الخميس إلى الجمعة، حيث تواصل سقوط الأمطار دون انقطاع. ولأن رعب فيضان باب الوادي لا زال عالقا بالأذهان، بل إن أثاره لا زالت ماثلة عند بعض البيوت والعائلات التي لا زالت لم تعوّض من السلطات المحلّية بسكنات لائقة بدل بيوتها التي تهدّمت، فهنا في باب الوادي خلت الشوارع من المواطنين الخائفين من تكرار نفس المأساة، ففي شارع إبراهيم غرافة عايشت 9 عائلات الموت بكلّ أشكاله، فمن جهة تسرّب المياه إلى داخل شققهم ومن جهة أخرى تهدّم أجزاء العمارة التي أصبحت وكأنها عمارة للأشباح بالنّظر إلى الضرر الكبير الذي وقع فيها، وهذا ما دفع العائلات إلى الاتّصال بالحماية المدنية مصالح الأمن الذين حضروا إلى عين المكان مرّتين في ظرف 24 ساعة، والذين أكّدوا لهم خطورة بقائهم في هذه العمارة الآيلة للسقوط، إلاّ أن العائلات لا حول لها ولا قوّة إلاّ انتظار التفات السلطات المحلّية التي وعدت بترحيلهم بعد إجراء الانتخابات، وإلى ذلك الحين يبقى السكان يطلبون من الموت أن ينتظر أكثر· وغير بعيد عن إبراهيم غرافة وفي أعالي بولوغين وجدنا أن 60 عائلة في حي جاييس تعيش جنبا إلى جنب مع الموت في كهوف متهدّمة ومهدّدة بالأسوأ في ظلّ تواصل انزلاق التربة، فالموت بات يحاصرهم من كلّ ناحية فالأرض تتحرّك تحت أرجلهم ولا التفاتة من السلطات المحلّية التي تركتهم يواجهون مصيرهم لوحدهم في قبور جماعية أعدّت لهم، وكان قرارهم الأخير بالانتحار الجماعي بعد أن حرموا من السكن الاجتماعي لأسباب تبقى مجهولة وأخرى معروفة تتعلّق بالمصالح وعملية الانتخابات التشريعية التي عرقلت حسب سكان البيوت الهشّة والقصديرية بالعاصمة استفادتهم من السكن وتركتهم في مواجهة الطبيعة القاسية·