شهدت العاصمة في الأيام الماضية تساقط كمية معتبرة من الأمطار وفي فترة قياسية وبصفة متواصلة، وبدل أن يفرح المواطنون بهذا الخير عاشوا أوقات عصيبة بسبب غرق بيوتهم وأغراضهم في الأوحال والسيول بعد تهدم بعض البيوت الهشة· وشملت الأضرار عدة عائلات في مختلف المناطق بالعاصمة حسب مصالح الحماية المدنية التي قامت بالتدخل السريع لإنقاذ أشخاص حصروا بسبب هذه الأمطار الطوفانية، لذلك فقد تنقلنا صبيحة يوم الخميس إلى بعض المناطق التي شهدت بيوتها بعض الأضرار والاطلاع أكثر على أية مساعدات قد تلقاها هؤلاء المنكوبون من طرف السلطات المحلية، إلا الذي أثار استغرابنا في معظم هذه الأماكن هو أن معظم العائلات التي صادفناها تجاوزت الموقف بسرعة رغم أن الأضرار كانت كبيرة وبادية للعيان، إلا أن اعتيادهم لهذه الأوضاع المزرية كل فصل شتاء، أكسبهم قابلية للتأقلم مع ظروف طارئة كالتي عايشوها في الأيام الماضية، وهذا ما أكده لنا معظم المواطنين الذين قابلناهم في كل من الجزائر الوسطى والقصبة، باب الوادي وبعض الأحياء في وادي قريش، حيث عمد معظمهم ودون تأخير إلى إعادة تصليح بيوتهم دون انتظار أية معونة من السلطات المحلية· أدخلتنا عائلة (س· ب) إلى بيتها الكائن بإحدى العمارات في حي الكاديكس بالجزائر الوسطى، وبدون أن نستمع لأي توضيحات ولتفاصيل عن مآسي الأيام الماضية، فقد واجهتنا صور كارثية قبل حتى صعودنا لطوابق العمارة، إذ أن صحن العمارة تحول إلى برك عميقة بالمياه القذرة التي تسربت من خلال سقف البناية المنزوع الأجزاء وكان من الصعوبة الصعود على السلالم التي كانت منهارة بشكل كبير، أما بيت العائلة التي كن بصدد زيارتها فكان في الطابق الأخير يحتوي على غرفتين وغرفة في السطح بناها أحد أبناء هذه العائلة وتزوج فيها، إلا أن الضيق ليس السبب الأكبر في المعاناة بل هو تسرب مياه الأمطار من السطح إلى داخل غرف البيت فرغم كل الاحتياطات التي تتخذها هذه العائلة مع بداية كل شتاء وتحسبا لهذه الظروف إلا أن المشكل يتكرر كل مرة بل يكون أسوأ بكثير عندما تفرغ السماء حمولتها بدون توقف· غادرنا هذه العائلة بعدما تركنا الأم وهي تستعد للذهاب إلى مقر بلدية الجزائر الوسطى لتقديم شكوى عن حالة البيت الكارثية بسبب الأمطار وتهاون المسؤولين في ترحيلهم، ثم كانت وجهتنا حي القصبة العتيق الذي يعيش معظم سكانه وبلا استثناء حالة يرثى لها على طول العام إلا أن فصل الشتاء يكون ذو وقع سيئ بين أزقة هذا الحي، فوجدنا أن السلالم تعيش حالة كارثية ومتهدمة بصفة شبه كلية خاصة في الزقاق المجاور لمسجد سفير في القصبة العليا والمؤدي إلى غاية حي جامع اليهود بالقصبة الوسطى، فلشدة تهدم السلالم والحفر التي تملأ الأزقة والتي تحولت بفعل الأمطار إلى برك وأوحال أعاقت سير المواطنين حتى أننا كدنا أن ننزلق في العديد من المرات، وقد وجهنا أحد مالكي محل للأحذية إلى أحد البيوت التي عايش أهله مأساة كبيرة خلال تساقط الأمطار الغزيرة بالإضافة إلى الهلع التي سببته الهزة الأرضية التي ضربت منطقة الدويرة إلا أثرها كان حادا على سكان العاصمة خاصة سكان البيوت الهشة والقصديرية، والمشكل أننا لم نستطع الولوج إلى داخل الدويرة المعنية فبرك الأوحال كانت تحاصر مدخلها وكان الساكنون فيها يتكبدون عناء كبيرا في الخروج لذا فقد أوكلوا بعض المهام والحوائج إلى الشباب وصغار السن حتى يقوموا بها فلقد امتنع كبار السن والنساء من المغامرة بالقفز على هذه البركة العميقة وبذلك تعطلت أعمالهم لمدة يومين أو أكثر بسبب الأمطار والحالة الكارثية التي يعيشوها زقاقهم· غير بعيد عن القصبة، عايش سكان باب الوادي هم الآخرين أيام رعب حقيقية بسبب خوفهم من تكرار المأساة الفيضان الذي وقع منذ عشر سنوات في المنطقة وخلف معه الكثير من الموتى والمفقودين والكثير أيضا من العقد النفسية التي كثيرا ما تستيقظ في نفوس من عايش تلك الفترة السوداء خاصة عندما تهطل الأمطار بغزارة، لذلك فإن معظمهم يمتنع عن الخروج إلى العمل أو الدراسة مخافة الهلاك وهذا ما عبر عنه لنا (ن· فريد) والذي يبلغ من العمر 35 سنة وقد كان في مقتبل عمره خلال فيضانات باب الوادي وقد فقد العديد من معارفه وأصدقائه أمام عينيه ولم يستطع إنقاذهم لذلك فإن هذه الكارثة لا زالت ماثلة في حياته خاصة أنه لا زال يعيش في باب الوادي التي لا زالت هي الأخرى بنفس البيوت الهشة المصنفة في الخانقة البرتقالية والحمراء، وبنفس الأحياء التي لم تشمل أية إعادة تهيئة أو تحصينات ضد هذه النوع من الكوارث التي لا زالت مهددة به نظرا لتركيبتها، وهذا ما عايناه خلال جولتنا فرغم أن الجو كان صحوا وجميلا إلا أن كل الأزقة تغمرها المياه ولاحظنا الهلع في أعين المواطنين الخائفين من هذه البرك والمستنقعات التي لا يخلو منها أي طريق أو زقاق· والملاحظ في كل هؤلاء السكان المتضررين في العاصمة هو أن أغلبهم يعيش إما في الأسطح أو البيوت القصديرية أو في بيوت هشة لا تتحمل بضع قطرات زائدة من المطر، ويهم يعانون منذ فترة ليست بقصيرة من هذه الأوضاع، إلا أن السلطات تقف بعيدا عن التكفل بهؤلاء السكان الذين يأملون مع كل فصل شتاء أن يرحلوا إلى مساكن لائقة ويحمدوا الله على نعمة الغيث بدل الغضب على هذه النعمة التي باتت تعد نقمة على سكان العاصمة·