شهدت بيروت أخيراً حدثاً اجتماعياً شاركت فيه وجوه فنية من لبنان وسوريا ومصر وبعض دول الخليج العربي... التي لبت الدعوة ليس مجاملة بل لأن معظمها تقاضى مبلغاً محترماً لحضور تلك الحفلة التي لم تتجاوز مدّتها الثلاث أو أربع ساعات· فهل بات الحضور في المناسبات الاجتماعية وسيلة جديدة للفنانين للتعويض عن خسارتهم، بعد توقف الحفلات العامة والخاصة بسبب الثورات العربية؟ يعتبر الفنانون أنهم يضفون بريقاً على كل حفلة يحضرونها أو مناسبة اجتماعية، ويرون أنه من الطبيعي أن يتقاضوا أجراً لأن هذا الوهج لا يملكه أحد غيرهم، فشكل ذلك استثماراً جديداً لهم بعدما سُدّت في وجههم أبواب الرزق الأخرى، وبات حضورهم افتتاح مراكز تجارية أو عروض أزياء أو مناسبة إطلاق مستحضر تجميل أو حملة توعية لمكافحة هذا المرض أو ذاك أو مناهضة آفة اجتماعية له ثمن· مثلاً، تقاضى فنان عشرة آلاف دولار مقابل حضوره افتتاح فيلم كان يفترض أن يعود ريعه إلى أعمال خيرية، وتقاضت فنانة أخرى 35 ألف دولار لقاء حضورها في إحدى المناسبات الاجتماعية، وغيرها من أمثلة تنطبق على الفنانين في لبنان وغيره من دول العالم العربي· دعوات مدفوعة يؤكد مدير أعمال أحد الفنانين أن النجم، سواء كان ممثلاً أو مغنياً لبنانياً أو غير لبناني، لا يلبي دعوة من دون أن يحصل على مبلغ مالي، ولا يكتفي بحضور المهرجانات السينمائية التي تغطي نفقات إقامته وسفره، بل يطالب بمبلغ مادي يقدم له على شكل هدية من لجنة المهرجانات· يوضح أن ثمة فنانين يشاركون في تلك التظاهرات الفنية تحت مسمى (ضيف شرف)، وهذه العبارة تعني أنهم تقاضوا مبلغاً يفوق المبلغ الذي تقاضاه الضيف العادي· يضيف: (غالباً ما كان فنانو الصف الأول يرفضون الظهور في برامج حوارية مع فنانين آخرين ويشترطون أن يكونوا بمفردهم، أما اليوم فتنازلوا عن هذا الشرط مقابل الحصول على أجر مادي مقبول، وأفضل مثال على ذلك برنامج (صولا) الذي تقدمه الفنانة أصالة نصري، فثمة حلقات جمعت نجوماً من الصف الأول إلى جانب فنانين آخرين من الصف الثاني أو ما يسمى بالنجوم الصاعدين· ولو كانت الحال أفضل من ذلك لرفض فنانون كثر الظهور بهذا الشكل ولكانوا فرضوا شروطهم على فريق الإعداد، سواء من حيث الأجر أو النجوم المشاركين· الأمر نفسه حصل في برنامج (نورت) مع وفاء الكيلاني (على شاشة ال (أم بي سي)، إذ تحولت بعض الحلقات إلى خليط غير متجانس من الفنانين كل ما يجمع بينهم أنهم تقاضوا مبلغاً محترماً من المال، فقد ظهر الفنان حسين فهمي في البرنامج مع مجموعة من الفنانين مع أنه كان يشترط الظهور بمفرده في البرامج الحوارية· يشير مدير الأعمال إلى أن هذا النوع من النشاط، أي المشاركة في الفعاليات الاجتماعية مقابل الحصول على مبالغ مالية، أصبح من صلب عمل الفنان وله أجندته الخاصة، ويتراوح المبلغ الذي يتقاضاه الفنان من 10 آلاف إلى 50 ألف دولار بحسب شهرته والمناسبة التي سيحضرها· في المقابل يلفت مدير الأعمال إلى أن ثمة فنانين يرفضون رفضاً قاطعاً المشاركة في مثل هذه الفعاليات، لأنهم يعتبرون أن هذا النوع من النشاطات قد يقلل من قيمتهم الفنية وتاريخهم الفني، لكن هؤلاء هم قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهم قادرون على المشاركة في الحملات الإعلانية الكبرى وجني المال الوفير من دون التقليل من شأنهم الفني· أثر "الربيع العربي" منذ سنوات فقد الفنانون الأمل في أن تكون ألبوماتهم مصدر رزقهم الأول، فوجدوا في الحفلات الخاصة التي ازدهرت في السنوات العشر الأخيرة تعويضاً عن الخسائر التي تلحق بهم، بالإضافة إلى مشاركتهم في البرامج الحوارية الفنية التي تقدم على الفضائيات العربية، وكانوا يتقاضون لقاء مشاركتهم فيها أرقاماً فلكية تجاوزت المئة ألف دولار لنجوم الصف الأول· في هذا الإطار، يذكر أن عادل إمام تقاضى 300 ألف دولار مقابل ظهوره مع الإعلامية هالة سرحان في ثلاث حلقات متتالية تحدث خلالها عن مسيرة حياته، أي أنه تقاضى 100 ألف دولار مقابل الحلقة الواحدة· كذلك ازدهرت ظاهرة البرامج المدفوعة سلفاً خلال شهر رمضان، إذ ترتفع المشاهدة بنسبة 60 بالمائة حسب إحصائيات المؤسسات المختصة في الإعلام والإعلان· انعكست الثورات العربية وهبوب رياح الربيع العربي سلباً على الحركة الفنية من المحيط إلى الخليج، وكان لا بد للفنانين من البحث عن مورد آخر يعوضهم عن انحسار تدفق ينابيع الدولارات بعد غياب المهرجانات والحفلات الكبرى، وعن طريقة لاستثمار الشهرة·