ف. حداد تعتبر الحفلات الفنية التي يحييها الفنانون لمناسبات خاصة مثل الأعراس أو أعياد الميلاد، على سبيل المثال لا الحصر، مصدر ثرائهم الحقيقي، خصوصا أن الحفلات العامة التي تقام في الفنادق والمهرجانات لمناسبات الأعياد الرسمية وغيرها لا تدر عليهم الربح الوفير نظرا لقلتها من ناحية ولأسعارها غير المرتفعة من ناحية أخرى. فكما هو متعارف عليه، تندرج الأسعار التي ينالها الفنان عن حفلة يقيمها لمناسبة عيد الأضحى أو الفطر أو رأس السنة أو غيرها في لائحة لا تزيد قيمتها عادة على ال70000 دولار. أما الحفلات الخاصة، ورغم ثبات تسعيرتها إلى حد ما، فإن مردودها بالنسبة للفنان قد يزيد ولا ينقص، وذلك حسب كرم مستضيفه وعلاقة الصداقة الوطيدة التي تربطه به. وهنا عندما نتكلم عن هذا النوع من الحفلات نقصد تلك التي يقيمها رجال الأعمال أو الحكام أو الأثرياء لمناسبة زفاف أو عيد ميلاد أو خطوبة أو ولادة. وتقام أغلى الحفلات الخاصة في دول الخليج العربي كالإمارات أو قطر أو البحرين أو المملكة العربية السعودية، بينما تكون في الدول العربية الأخرى كسورية والأردن ومصر أقل سعرا أو ربحا للفنان. وتتصدر نانسي عجرم لائحة الفنانات الأكثر طلبا لإقامة هذا النوع من الحفلات، وخصوصا العائلية منها التي تضم عادة أفراد عائلة صاحب الدعوة وبعض أقاربه وأصدقائه الحميمين. فلا يتجاوز عدد الحضور ال25 شخصا، بينما يفتخر البعض الآخر بدعوة هذا الفنان أو ذاك من الفئة الأولى إلى حفلة زفاف أو خطوبة أو ما شابه، فيؤمن حضورا كثيفا للمناسبة التي يقيمها فينشر في قلوب مدعويه الفرح ويخرجون من الحفلة وهم يتحدثون عن سعادتهم بالأجواء التي أحياها الفنان الفلاني. وتبقى هذه الحفلة حديث الصالونات والمجتمع لفترة. ويؤكد مدير أعمال أحد الفنانين اللبنانيين أن «السعر الذي يناله الفنان عادة في الحفلة العامة يضرب في اثنين وأحيانا أكثر عندما يقيم حفلة خاصة. فالفنان الذي يبلغ أجره 60000 دولار في الحفلة العامة، قد يصل إلى 120000 دولار وأحيانا أكثر. هذا بالإضافة إلى المكافأة التي ينالها أفراد الفرقة الموسيقية التي ترافقه، إذ يعطيهم صاحب الدعوة أغلفة مقفلة فيها مبالغ من المال تتراوح ما بين الألف والألفي دولار، بينما يتكرم على الفنان محيي الحفلة بهدية خاصة، وعادة ما تكون من الذهب أو الماس للفنانة أو ساعة يد أو قلم مرصع وما شابه للفنان». ويأتي عاصي الحلاني في مقدمة الفنانين المطلوبين لإقامة هذا النوع من الحفلات، وبخاصة حفلات الزفاف، ويليه راغب علامة، وفارس كرم، وأيمن زبيب.. وغيرهم. ويرى مدير أعمال (رفض الكشف عن اسمه) لأن الموضوع يصب في سر المهنة أن «بعض المطربين يصنف في خانات معينة من الحفلات الخاصة، فهناك المعروف بإحياء حفلات الطرب مثل فضل شاكر وماجد المهندس اللذين يصل أجرهما إلى 80000 دولار وأحيانا أكثر. أما الحفلات الخاصة بالشركات التي تقام لإطلاق منتوج جديد لها مثلا أو تحتفل بيوبيل معين، فغالبا ما تستعين بفنانات أمثال إليسا ونانسي وتعرف هذه الحفلات بال(cooperate) وال(Hy class cooperate) وفي هذه الأخيرة ينال الفنان أجرا أكبر من الأولى قد يصل إلى 100000 دولار». أما في الحفلات الخاصة الكبرى التي تقام في القصور والفنادق لمناسبة زفاف أو ولادة أو خطوبة فتتطلب من الفنانين المشاركين فيها أداء أغان خاصة بالمحتفى به. ويروي أحد المسؤولين السابقين في شركة إنتاج فنية معروفة، رفض الكشف عن اسمه هو الآخر لحساسية الموضوع، أن «صاحب الدعوة يبلغ رسميا الفنانين المختارين رغبته هذه فينالون أجرهم المعروف، بالإضافة إلى تكلفة الأغنية الخاصة بالمناسبة، وفي أحيان أخرى تتم كتابة أغنية ما من قبل أحد وجهاء بلد ما، فيقدم للفنان تكلفة تلحينها وتسجيلها وتصويرها كفيديو كليب. وتطول لائحة الفنانات اللاتي يشاركن في هذا النوع من الحفلات مثل نجوى كرم، ورلى سعد، وهيفاء وهبي، وأمل حجازي، وميريام فارس، ويارا». وعادة ما يتحمل صاحب الدعوة إلى الحفلة الخاصة جميع التكاليف التي يتكبدها النجم في السفر، والتي تشمل تكلفة الفندق وبطاقة السفر والأكل والمشرب وكل ما يمكن أن يندرج في لائحة مصاريفه. ويؤكد المسؤول الفني السابق أن «المطرب المصري عمرو دياب يعتبر أحد الفنانين القلائل الذين يلبون دعوة لحفلة خاصة، ليس بسبب انشغالاته، بل للشروط الصعبة التي يفرضها على داعيه لقاء الموافقة على إحياء الحفلة. فهو مثلا يطلب تخصيص طابق كامل له في فندق معين، وكذلك استقباله من أرض مطار البلد الذي يقصده في سيارات خاصة مزودة بزجاج مدخن تحجب رؤيته من الخارج بالإضافة إلى أجر مرتفع يصل إلى 200000 دولار. ويستعين البعض أحيانا بأسماء نجوم من الغرب مثل شاكيرا وجورج لوف وبوتشيللي وغيرهم حيث يصل أجرهم أحيانا إلى نصف مليون دولار». ولأن هذه الحفلات هي بمثابة بورصة فنية تعمل على أساس العرض والطلب، فإن الفنانين يتابعون أخبارها عن كثب ليتعرفوا إلى أسماء المنافسين الحقيقيين لهم، ولذلك يبادر بعضهم إلى إطلاق أغنية فردية (Single) بين الوقت والآخر إذا ما شعروا بانخفاض نسبة الطلب عليهم، الأمر الذي يعطيهم موقعا جديدا على الساحة فيعاد طلبهم من جديد بعد أن تكون هذه الأغنية قد انتشلتهم من الغرق في بحر النسيان فيعومون تحت أضواء الشهرة مرة جديدة متمسكين بمكانتهم الفنية ومتخلصين من الشعور بالقلق تحت ضغط الصراع على «اللقمة» والثراء معا. وتذكر أسماء بعض الفنانين الذين يحيون كما لا يستهان به من الحفلات العامة مثل يارا، والمغربية منى أمارشي، ومعين شريف. ومن الأسماء التي كسف نجمها نوعا ما عن هذا النوع من الحفلات نوال الزغبي، ووائل كافوري، وملحم بركات. ونادرا ما يعتذر الفنان عن إحياء الحفلة الخاصة نظرا للصداقة التي تربطه بصاحب الدعوة وللمكانة الرفيعة التي يشغلها، وكذلك للتشبث بمكانته الشعبية ولمردودها المادي. ويتردد أن إحدى الأميرات العربيات كان باستطاعتها أن تجمع تحت سقف منزلها أكبر عدد ممكن من نجوم غناء الصف الأول وزملائهم من الممثلين وغيرهم، كونها كانت تكرم ضيفها علنا وتغمره بالخدمات التي يستفيد منها على الصعيد الإعلامي. ويخبرنا المسؤول الفني السابق عن سر لا يعرفه إلا مقربون من الفنانين، وهو أن «كلا منهم له من يدعمه في بلد عربي معين فيسهل عليه معاملات السفر ويفرضه في الحفلات العامة والمهرجانات فتكون (يده طايلة) كما يقال على الطريقة اللبنانية، مما يجعل عمل الفنان منوطا به ومتأثرا بمعاملته له». ولأن بعض عمالقة الفن يعتبر مرجعا أساسيا على الساحتين الفنية والاجتماعية، إذ بإمكانه أن يفرض اسم هذا الفنان أو ذاك في الحفلة التي يحييها، لذلك لا يتوانى عدد من الفنانين عن إرضائهم ومديحهم والتقرب منهم والجهر بإعجابهم بهم في إطلالاتهم التلفزيونية، فيكون ذلك بمثابة كلمة السر التي تفتح أمامهم الأبواب ليدخلوا عبرها إلى الثراء الحقيقي الذي يحلمون به من جراء إحياء الحفلات الخاصة والعامة.