أشغال عمومية: رخروخ يتباحث فرص الاستثمار مع رئيس مجلس الأعمال الجزائري-الأمريكي    مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعه الثلاثاء لبحث الوضع في فلسطين    كأس إفريقيا للأمم-2026 سيدات/ الجزائر-جنوب السودان: مباراة شكلية للمنتخب الجزائري    مراد يزور مقر المديرية العامة للمرور التابعة لوزارة الداخلية الاسبانية    الأمم المتحدة: غوتيريش يعبر عن قلقه بشأن تصاعد عنف وهجمات الاحتلال الصهيوني بالضفة الغربية    اتفاقية تعاون وشراكة بين الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين والشركة الوطنية للتأمين SAA    الرئيس يعزي عائلات شهداء الجيش الوطني    الفضائيات مطالبة باحترام خصوصيات رمضان    الرئيس تبون: الدولة لن تدخرأي جهد    المولودية تبتعد    تصريح مثير لزكري    الذكرى 54 لتأميم المحروقات نقطة تحول فارقة في تاريخ البلاد    الدولة لن تدخر أي جهد لتعزيز مكاسب استفاد منها العمال    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا    خنشلة : مصالح أمن الولاية حملة للتبرع بالدم في الشرطة    16 طائرة جديدة لتخفيف الضغط عن الرحلات الداخلية    وفرة و"رحمة" تنبّئان برمضان استثنائي    مهمة عسيرة ل"الحمراوة"    قسنطينة على صفحة نادي ليفربول    مراجعة قانونَي الولاية والبلدية خطوة استراتيجية هامة    بوغالي يعزّي في وفاة ثلاثة عسكريين    توسيع استفادة أبناء الجالية من فرص التعليم وفق البرنامج الوطني    أوامر بإنهاء مشروع حماية المدينة من الفيضانات    "سونلغاز" عنابة تؤمن التزويد بالكهرباء والغاز    صناعة صيدلانية: شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    فارسي يعود لأجواء المنافسة ويريح بيتكوفيتش    وزير الرياضة يدعو الصحافة الوطنية إلى تشكيل جبهة لمواجهة الحملات الخارجية    حق اللجوء يتراجع عالمياً    هذه توجيهات الرئيس للحكومة..    دولة الاحتلال المغربي فتحت الباب أمام أجندات استعمارية    تحذيرات فلسطينية وأممية من تصعيد الاحتلال لعدوانه    المبعوثة الأممية تؤكّد أهمية التواصل مع جميع الأطراف    المال بدل قفة رمضان    نظارات لفائدة التلاميذ    "مفدي زكريا" يستضيف فن التصميم الإيطالي    الصحراء الغربية : وفود أجنبية متضامنة تحضر فعاليات التظاهرة الدولية "صحراء ماراطون"    المجلس الشعبي الوطني: وزير الثقافة والفنون يستعرض واقع وآفاق القطاع أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة    42 بالمائة من المياه الصالحة للشرب ستؤمن من مصانع التحلية    السيد مراد يلتقي بمدريد بنظيره الاسباني    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    الوزير الأول يشرف بحاسي مسعود على مراسم إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات    نعم انتصرت المقاومة وإسرائيل تتفكك رويدًا رويدًا    تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    الشوق لرمضان    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقشف وواقعية الديون
نشر في أخبار اليوم يوم 04 - 06 - 2012

إن العديد من -إن لم يكن كل- مشاكل الاقتصاد الكلي الأكثر إلحاحاً على مستوى العالم تتعلق بالأعباء الهائلة التي تفرضها كل أشكال الديون، ففي أوروبا يهدد مزيج سام من الديون العامة والمصرفية والخارجية في الدول الواقعة على أطراف القارة بإرباك منطقة اليورو. وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي، أسفرت الأزمة بين الديمقراطيين، وحزب الشاي، والجمهوريين المنتمين إلى المدرسة القديمة عن إنتاج قدر غير عادي من عدم اليقين حول الكيفية التي قد تتمكن بها الولايات المتحدة في الأمد البعيد من تقليص العجز الحكومي الذي بلغ 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن ناحية أخرى بلغ عجز الموازنة في اليابان 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى مع تحول أفواج متزايدة من المتقاعدين الجدد من شراء السندات اليابانية إلى بيعها.
ولكن بعيداً عن اللوم والتقريع، ماذا ينبغي للحكومات أن تفعل؟ من بين المقترحات المتطرفة ذلك العلاج التبسيطي الذي ابتكره جون ماينارد كينز، والذي يفترض أن العجز الحكومي لا يشكل أهمية عندما يكون الاقتصاد في ركود عميق، بل وكلما كان العجز أكبر كان ذلك أفضل. وعلى طرف النقيض الآخر هناك أنصار سقف الديون الذين يريدون من الحكومات أن تبدأ بضبط موازناتها غداً (إن لم يكن أمس). وكل من الحلين سطحي إلى حد خطير.
إن أنصار سقف الديون يحاولون بشكل صارخ التهوين من تكاليف التكيف الهائلة المترتبة على (التوقف المفاجئ) المفروض ذاتياً عن تمويل الديون. وهذه التكاليف هي على وجه التحديد السبب الذي يجعل الدول المفلسة مثل اليونان تواجه اضطرابات اجتماعية واقتصادية هائلة، عندما تفقد الأسواق المالية الثقة وينضب معين تدفقات رأس المال فجأة.
بطبيعة الحال، هناك منطق ظاهري جذاب في أن نقول إن الحكومات يتعين عليها أن تضبط موازناتها مثل بقيتنا، ولكن من المؤسف أن الأمر ليس بهذه البساطة. فالحكومات عادة تلتزم بعدد لا يحصى من أوجه الإنفاق الجارية المرتبطة بالخدمات الأساسية مثل الدفاع الوطني، ومشاريع البنية الأساسية، والتعليم، والرعاية الصحية، فضلا عن معاشات التقاعد. ولا تستطيع أي حكومة أن تتخلى ببساطة عن هذه المسؤوليات بين عشية وضحاها.
عندما تولى الرئيس الأميركي رونالد ريغان منصبه في العشرين من جانفي 1981، ألغى بأثر رجعي كل عروض وظائف الخدمة المدنية التي نشرتها الحكومة أثناء فترة الشهرين ونصف الشهر بين انتخابه وتنصيبه. والواقع أن الإشارة التي قصد بها إبطاء الإنفاق الحكومي كانت قوية جداً، ولكن التأثير المباشر على الموازنة كان ضئيلاً جداً. لاشك أن الحكومة بوسعها أيضاً أن تغلق فجوة الموازنة من خلال زيادة الضرائب، ولكن أي تحول فجائي من الممكن أن يضخم إلى حد كبير التشوهات التي تتسبب الضرائب في إحداثها.
وإذا كان أنصار سقف الديون من السذج، فهذه أيضاً حال أنصار جون ماينارد كينز. فهم ينظرون إلى البطالة في مرحلة ما بعد الأزمة المالية باعتبارها مبرراً مقنعاً للتوسع المالي بشكل أكثر توسعاً وعنفاً، حتى في البلدان التي تعاني بالفعل عجزاً هائلاً، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويقال إن هؤلاء الذين يختلفون معهم يفضلون (التقشف) في وقت كانت فيه أسعار الفائدة شديدة الانخفاض تعني أن الحكومات تستطيع أن تقترض بلا أي مقابل تقريباً.
ولكن من هو الساذج حقاً؟ من المنصف تماماً أن نزعم أن الحكومات لابد أن تستهدف فقط ضبط موازناتها على مدى الدورة التجارية، فتزيد من الفائض أثناء فترات الازدهار ومن العجز عندما يتباطأ النشاط الاقتصادي. ولكن من الخطأ أن نتصور أن التراكم الهائل للديون عبارة عن وجبة غذاء مجانية.
في سلسلة من الدراسات الأكاديمية التي أجريتها مع كارمن راينهارت -بما في ذلك العمل المشترك أخيراً مع فنسنت راينهارت (أعباء الديون: الماضي والحاضر)- وجدنا أن مستويات الديون المرتفعة التي تبلغ 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تشكل عائقاً طويل الأمد للنمو الاقتصادي، والذي قد يدوم عادة لعقدين من الزمان أو أكثر. وقد ترتفع التكاليف المتراكمة إلى مستويات مذهلة. والواقع أن حالات ارتفاع مستويات الديون كانت منذ عام 1800 تدوم ثلاثة وعشرين عاماً في المتوسط، وترتبط بمعدل نمو أقل من المعدل المعتاد في فترات انخفاض مستويات الديون بأكثر من نقطة مئوية واحدة. وهذا يعني أنه بعد ربع قرن من الديون المرتفعة، قد ينخفض الدخل بنسبة 25 في المئة عن المستوى الذي كان ليبلغه مع معدلات النمو الطبيعية.
بطبيعة الحال، هناك ارتباط مزدوج الاتجاه بين الديون والنمو، ولكن حالات الركود العادية لا تدوم أكثر من عام واحد، ومن غير الممكن أن تفسر الضيق والشدة لفترة تمتد إلى عقدين من الزمان. وهذا العائق المفروض على النمو يأتي في الأرجح من اضطرار الحكومات في نهاية المطاف إلى زيادة الضرائب، فضلاً عن انخفاض الإنفاق على الاستثمار. وهذا يعني أن الإنفاق الحكومي يوفر دفعة قوية في الأمد القريب، ولكن هناك مفاضلة على المدى البعيد مع الانحدار في الأمد البعيد.
ومن الحكمة أن نلاحظ أن ما يقرب من نصف حالات ارتفاع مستويات الديون منذ عام 1800 كانت مرتبطة بأسعار فائدة حقيقية منخفضة أو طبيعية (معدلة تبعاً للتضخم). ويدلل على هذا تباطؤ النمو وانخفاض أسعار الفائدة في اليابان على مدى العقدين الماضيين، فضلاً عن ذلك فإن تحمل أعباء ديون ضخمة يفرض أيضاً خطر ارتفاع أسعار الفائدة العالمية في المستقبل، حتى من دون الانهيار على الطريقة اليونانية. وهذه هي الحال بشكل خاص اليوم، فبعد برامج (التيسير الكمي) الهائلة من قِبَل البنوك المركزية الرئيسية، أصبحت هياكل الديون لدى العديد من الحكومات ذات فترات استحقاق قصيرة إلى حد غير عادي. لذا فقد أصبحت عُرضة لخطر تحول أي ارتفاع حاد في أسعار الفائدة بسرعة نسبياً إلى تكاليف اقتراض أعلى. ومع اقتراب العديد من الاقتصادات المتقدمة اليوم من مستوى التسعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي تتسم به عموماً فترات الديون المرتفعة، فإن توسيع العجز الضخم بالفعل يُعَد اقتراحاً محفوفاً بالمخاطر، وليس الاستراتيجية الخالية من المخاطر التي يدافع عنها التبسيطيون من أنصار جون ماينارد كينز. وسأركز في الأشهر القادمة على المشاكل المرتبطة بارتفاع مستويات الديون الخاصة والديون الخارجية، وسأعود أيضاً إلى الأسباب التي تجعل من وقتنا هذا وقتاً حيث لا تصبح مستويات التضخم المرتفعة أمراً بهذه السذاجة. وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على الناخبين والساسة أن يتوخوا الحرص والحذر من الأساليب البسيطة إلى حد الإغواء في التعامل مع مشاكل الديون اليوم.
* أستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد، وكان يشغل سابقاً منصب كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.