أدعو إلى التفكير جيدا في كيفية (ذبح القطة) للدكتور مرسي. وحتى لا يلتبس الأمر على أحد من رجال الأمن الوطني ويظن أنني بصدد الدعوة إلى تنظيم إرهابي جديد، فإنني أذكر بأنني استعرت الفكرة الشائعة في الأوساط الشعبية المصرية التي تتحدث عن إقدام الرجل في ليلة الدخلة على ذبح قطة أمام زوجته لكي تدرك أنه شديد البأس ومرهوب الجانب وعلى استعداد لأن يريق الدماء في سبيل إنفاذ كلمته. إن شئت فقل إنها تمثيلية لاستعراض الشجاعة وتأكيد الفتوة في بداية المرحلة الزوجية لتظل الكلمة العليا للرجل، بغض النظر عن قدراته الحقيقية. وفيما نحن بصدده الآن فإننا نريد أن نفتعل تمثيلية، مماثلة، فنتصرف باعتبارنا إعلاما محترما مصِرّا على الالتزام بأصول المهنة وتقاليدها، لذلك فالقارئ عندنا أهم من الرئيس. من خبرة عمل بالمهنة تجاوزت نصف قرن، وجدت أن الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة في مصر خلال تلك المدة كانوا يبدأون بشرا وينتهون آلهة. وقد سئل الدكتور كمال أبو المجد ذات مرة عن رأيه في الرئيس الأسبق أنور السادات، بعدما عمل معه أكثر من خمس سنوات، فرد السؤال على السائل قائلا أي سادات تعني، لأن شخصيته تغيرت عدة مرات خلال تلك الفترة. وزملاؤنا الصحفيون يذكرون أن الرئيس السابق حسني مبارك كان في زيارة إحدى محافظات الدلتا في بداية عهده. ورأوه وهو يدون بعض الملاحظات مما سمعه من المحافظ، وبعد عدة سنوات زار المحافظة ذاتها والتقى المحافظ ذاته، وحين أراد الرجل أن يبدي أمامه بعض الملاحظات فإن مبارك نهره قائلا هل تريد أن تعلمني؟ لأن مبارك استمر في السلطة ثلاثين عاما، أتيحت له فرص ممارسة (الألوهية) بصور شتى. ولا ننسى في هذا الصدد قصة المصري الذي التقاه حول الكعبة في أثناء أدائه للعمرة فقال له بحسن نية اتق الله في شعب مصر. ولم تغفر له هذه (السقطة)، فكان جزاؤه أن قضى بعد عودته 15 عاما في السجن. وخلال تلك السنوات الثلاثين صدّق مبارك أنه منبع الحكمة في هذا الزمان، وأن رحلاته إلى الخارج منعطفات في تاريخ المنطقة والعالم المحيط. أما قراراته فهي من نماذج عمق التفكير ونفاذ البصيرة، في حين أن كل واحدة من خطبه خطة عمل لكل مؤسسات الدولة. وما تصريحاته إلا منارات هادية للمثقفين والمبدعين ومصدر إلهام للمنشدين والفنانين...إلخ. منذ فاز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة دأب الكتّاب والمعلقون على توجيه النصح له ومطالبته بأن يفعل كذا وأن يمتنع عن فعل كذا وكذا. وهو شيء طيب لا ريب، أن تظل الأعين مفتوحة عليه طول الوقت، وألا يكف الناصحون والناقدون له عن محاولة تبصيره وتقويم مسيرته. لكن ثمة جانبا مسكوتا عليه في المشهد يتمثل فيما يتعين على الإعلام أن يفعله حتى يقطع الطريق على احتمالات إفساد الرئيس الجديد وتأليهه. صحيح أن البيروقراطية والبطانة لها دورها الذي لا ينكر في عملية التأليه. لكن الإعلام له دوره الأهم والأخطر. ولأنني أشك في أن البيروقراطية والبطانة يمكن أن تغير سلوكها بسبب الموروث التاريخي. فالأمل معقود على دور الإعلام في تثبيت أنسنة الرئيس ومعارضة تأليهه. لقد قال لي زميلنا الأستاذ حمدي قنديل الإعلامي القدير إن أحد خلافاته مع وزير الإعلام السابق صفوت الشريف سببها أنه كان يستخدم لفظة (الرئيس) مجردة، ولم يكن يشير إليه باعتباره (السيد الرئيس)، وهو ما أثار استياء الشريف عدة مرات، وأظن أنه آن الأوان لكي نتعامل بحزم مع جميع صور التأليه. فنعرض أخبار الرئيس وخطبه وتصريحاته بقيمتها عند الناس، وليس استنادا إلى أهمية مصدرها. فما يهم الناس له الأولوية، وما يهم الرئيس وحده فهو شأنه الخاص الذي قد يهم الرئاسة والأسرة. بالتالي علينا أن نطوي صفحة مقولة كلام الرئيس رئيس الكلام. فالأخبار ينبغي أن تكتب حسب أهمية مضمونها ولا علاقة لها بأهمية المصدر وترتيبه في البروتوكول. ومن الاستخفاف بالناس أن تظل أخبار الرئيس على رأس كل النشرات دون اعتبار لقيمتها. ولا محل لإهدار صفحات الصحف وتضييع أوقات مشاهدي التلفزيون، لاستعراض نصوص خطبه أو أحاديثه المطولة، وكأنها قرآن منزل. إن الرئيس الإنسان لا ينبغي أن تعلق صوره فوق الرؤوس في جميع المؤسسات الحكومية. ولا ينبغي أن يتحرك حيثما ذهب في موكب إمبراطوري يعطل مصالح الخلق. ولا محل لأن يصطحب في سفراته جيشا من المرافقين الذين ينتمون له والصحفيين الذين يصفقون له. لقد سبقنا الدكتور مرسي حين طلب منع نشر تهانيه بالفوز على صفحات الصحف، التي تتكلف مئات الألوف من الجنيهات، وليته وجه بإيداعها ضمن موازنة أسر شهداء الثورة وعلاج مصابيها. ومازالت أمامنا فرصة لكي نحتفظ بالإنسان فيه، من خلال مبادرات من قبيل ما ذكرت، حيث لا أخفي أنني قلق عليه من غوايات الإعلام وقدرته على الإفساد. ناهيك عن أنه من الصعب أن يتحول الإعلام من دور القط الأليف إلى دور ذابح القطة. * كاتب صحفي مصري