بقلم: عبد القادر حمداوي لقد عرف المجتمع الجزائري تحولات كثيرة على جميع الأصعدة، كما عرف عدد الأطفال المتمدرسين ارتفاعا مستمرا في عدد التلاميذ الطور الثالث ب 13 مرة والتعليم الثانوي ب 40 مرة. ويمكن أن نذكر حسب الإحصائيات التي بلغت عن السرب المدرسي سنة 1997 من التعليم الابتدائي إلى غاية التعليم العالي 95 بالمائة وبمعدل تسرب إجمالي قدره 95 بالمائة، ثم أن 5 طلاب فقط يحصلون على شهادة التعليم العالي. إن بقاء نسبة الرسوب المدرسي والأمية مرتفعة يؤثر على عملية التنمية وعلى قدرة الأفراد في الاستفادة من العلم في تحسين أوضاعهم. أما إذا نظرنا إلى المدرسة فإننا نجد قسما مكتظا بالتلاميذ يلقن من طرف معلم ناقص التكوين مرهق بثقل البرنامج وكثرة أعداد التلاميذ وفي الشارع يقضي التلميذ مجمل حاجاته غير المدرسية، وحينئذ يجد نفسه قد تجاوز 14 سنة دون أي تأهيل فيذهب ليلتحق بالشباب المبعدين من المدرسة. و لا تنسى أن ما جاء من مشاكل متعلقة بالكم الديمغرافي وغيرها. تولدت في مدارسنا سلوكات غريبة بالتحولات التي ظهرت في المدة الأخيرة والتي ارتبطت بالعنف في المؤسسات التربوية. لقد بلغت نسبة من تعرض إلى عنف من آبائهم بدون عمل، أي عاطلين عن العمل 50 بالمائة، في حين تنخفظ هذه النسبة عند التلاميذ المنحدرين من أسر أين تكون مهنة الوالد عالية حيث وصلت 13.33 بالمائة عند الإطارات المتوسطة. أين أمتنا اليوم من الأمس تخلت عن العلم وركنت إلى الجهل، أصبحت سوقة بين الأمم ومن حقها أن تكون السيدة كما كانت في الماضي عندما كان يبرق العلم بجميع فروعه واختصاصاته في أركانها. فهذا ابن سينا وابن النفيس يؤسسان لعلم الطب والخورزمي يبرع في الرياضيات وابن حيان يتألق في الكمياء وابن خلدون يخطط لعلم الاجتماع وغيرهم كثيرون ممن عاش العرب على فوائدهم ونهلوا من علومهم ، واختراعاتهم فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم وازدهار. واليوم نرى كيف اتفقت دول أوروبا وتوحدت واستطاعت أن تقوم بذلك بالفعل لا بالقول، فصار اقتصاد موحد وجمركة موحدة في حين فشل العرب في تحقيق اتفاقهم الوحيد الذي حلموا به بالأمس وظل حلما باليوم. إذا تأملنا جيدا في الجامعة العربية التي لم يظهر منها إلا اسمها دون تحقيق أبسط القرارات. فالعالم اليوم يتفق على خراب الدول العربية وتدميرهم في كيانهم وعروبتهم ودينهم ومعتقداتهم ومبادئهم. لماذا لم يتفطن العرب يوما في الوقت الحاضر إلى أين يتجهون؟ هذه أمنية كل واحد منا في كل عصر وفي كل زمان ومكان. ولكن هل سلك جميعا سبيلا واحدا للوصول إلى الغاية التي نبحث عنها نحن مختلفون. وما سر هذا الاختلاف؟ فالكل يتصرف وفق العادات التي ورثها عن آبائه ولكن هل نترك أنفسنا نسير على هذا النمط دون أن نحاسبها؟ نحن نريد أن نصحح الفاسد وتقويم المعوج وهذا ما حث عليه ديننا، اليوم يتطلب منا جميعا السير في مصاف الدول المتقدمة بالعطاء والفكر والتطور. أسئلة كثيرة لا زالت تطرح على ذوي الاختصاص في العلم والفكر، منذ أكثر من نصف قرن. هل نريد أن يكون متعلمونا طائعين تابعين، أم مشاركين متعاونين أم عاصين حارجين؟ التعليم ينقصه الأصل الذي ينبثق منه مختلف العلوم الواضح والهوية. وفلسفة التربية يجب أن تنبثق من فلسفة المجتمع ومن الواقع المعاش. لأنه ليس لدينا فلسفة اجتماعية واضحة الفكر التربوي غير ملائم. الحاضر والمستقبل انعكس على مفاهيمنا فيه التذبذب وبلبلة الشك في قيمنا وحضارتنا الكثير من العادات استوردناها وفرض علينا فهي لا تمت بصلة إلى واقعنا، إننا نعمل بدون تحديد واضح، وبدون وضع الهدف. علينا أن نطور ما هو موجود وأن نعتني بالتكوين لأن التعليم الجامعي هو محور اهتماماتنا، فالطلاب وأولياء الأمور يبحثون على تواصل الجهد وبحث عن الخبرة والاستفادة من النجاح وأن نبتعد عن التبعية ونموها بالتقاليد الغربية. كيف تختار الهدف؟ وكيف يتم تحديدها؟ إن الجامعة مركز علمية أساسية وضرورية من يتخرجون من الجامعة لا غنى للمجتمع عنهم لأنهم ثروة بالفعل في حد ذاتهم وأيضا يجلبون لوطنهم حيث يستثمرون عملهم وتخصصهم. أيها الطلبة أنتم الآن في الجامعة بعدما تحصلوا على الباكالوريا؟ لماذا؟ فالمجتمع يتوسم الخير على يديكم، إنما أنتم تعتبرون ثروة هي أغلى ثروة الأمة فهم بتعليمكم الذي تحصلون عليه، فأنتم أصحاب التخصصات منها النادرة ومنها الكثير المرغوب فيه. ونبحث أيضا ما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل وماهي نوعية الإنسان الذي يمكن أن يساهم التعليم الجامعي في تشكيلها، فالبلاد النامية في حاجة إلى نوعية جيدة للإنسان بالإضافة إلى التخصصات المختلفة المتاحة. ومن هنا فالطبيب والمهندس والمدرس والمحاسب وكل هذه التخصصات مطلوبة ومرغوبة ، فالجزائر قدمت الكثير وساهمت وتساهم عن إمداد هؤلاء الذين يدفعون عجلة التقدم أينما ذهبوا، فالتقنيات الجديدة تعتمد على العلم الجديد والتجديد وهذا يتم بالتخطيط السليم. ومن هنا فإنه ينبغي إعادة النظر في سياسة القبول ووجوب فتح معاهد للدراسة العليا تتلاءم مع المتغيرات الحديثة. دون توقف وبالتالي تفتح فرص جديدة ومجالات متعددة للاختيار فالالتحاق بالجامعة ليست سهلة مثل سهولة السؤال المطروح. فنحاول أن نمد الخطوط العريضة الإيجابية تاركين لك الفرصة للبحث عن المزيد والذي يجعل من الجامعة مؤسسة تعليمية مختلفة، الطالب يقوم بالبحث عن المعرفة بنفسه واكتشاف الجديد بإرشاد الأساتذة وتوجيههم فالأمور في الجامعة تختلف، لأن الطالب يتحمل فيها مسؤولية التعليم والبحث فأول خطوة تجدها أمامك معيدا بعد نجاحه بتوفق في الدرجة. وبحصوله على الماجستير يصبح مدرسا مساعدا ولا يصبح عضوا في هيئة التدريس إلا بحصوله على الدكتوراه وعن طريق الأبحاث التي يقوم بها منفردا أو مشاركا بعد فحصها وتقويمها من قبل لجنة مختصة يرقى إلى أستاذ مساعد فأستاذ. الجامعة ليست من المباني المتراصة أو المتناثرة في موقع مختلف من المدينة كما أنها ليست مكتبة أو معامل تعمل فيها. ولكن الجامعة أصلا وأساسا هي مجتمع يتميز بالرابط التي تربط بين أعضائه من الطلاب والأساتذة والروح الجامعية المميزة لهذا المجتمع تظهر في الرابطة الأخلاقية من أجل هدف واحد هو البحث عن معرفة وتجديدها. فحريته التفكير والبحث لأعضاء هذا المجتمع العالم المتعلم القابل باحترام ويحافظ على الإصغاء الجيد ومناقشة الموضوع المطروح وعدم الخروج عنه والمحافظة على المواعيد وأهمية الوقت. والأستاذ عليه أن يكون بشوشا تتميز أعصابه بالاسترخاء يثق بالطلاب وبنفسه. طيب القلب يرحب بزواره ينظم حسن المعاملة والمعاشرة وكثير المرح، لديه الأمان يعمل على توفير المعلومات لتزويد الطلبة بالمعرفة يعالج بأسلوب جيد المشاكل المطروحة، يجيب على الأسئلة المطروحة. يتميز بالبرودة وبدرجة عالية ويتفهم المعلومات، لا يرغب في الاعتراض على الأفكار المعروضة ولا يتهرب من الأسئلة الموجهة إليه، لا يميل للآخرين ولا يبالي بالآخرين، يحافظ على هدوئه ولا ينفعل، يعد إلى النقاط المتفق عليها. يستخدم معه المنطق ويبتعد عل العاطفة يبتسم ويحافظ على جو المرح. فالجامعة هكذا يجب أن تكون للوصول إلى جديد وتنظيمه. من الصعب أن يتم بصورة فردية فلا بد من التعاون بين الجميع من أجل تحقيق الهدف. ولا تزال الشكوى من مشكلة الصعب تتزايد دون أن نصل إلى حلول شافية لها، فالطلبة يقعون في الأخطاء في مختلف مراحل التعليم حتى في الجامعات. ورغم تعدد الدراسات في مجال التعليم إلا أنها لا زالت توحي بنبذ الاعتقاد السائد بأن العرض من اعتبار وسيلة الطلبة لمعرفة قدراتهم الكتابية وتؤكد بدلا من ذلك عرض بعض المهارات والوسائل التعليمة المختلفة. من يوقف الأمراض الاحتفالية التي أغرقت الجامعة من مستنقع العجر والخسارة. لماذا لم تكن الجامعة كالمؤسسة المنتجة المنتوج الجيد والمتقن، فهي المصنع الذي ينتج إطارات وكفاءات مؤهلة تتولى المسؤولية الملقاة على عاتقها، بينما نجد المتخرجون فرادي وجماعات عاطلة، ونقول بأن الجامعة أصبحت خاضعة لمنطق الجيوب لا لمنطق كسب المعرفة، والبحث العلمي أليس تخرج كوادر من الجامعة الجزائرية وهذا المؤشر يبين نجاح الجامعة لكن كيف يتم فرارهم إلى الدول المتقدمة في العالم، لنبحث عن مستوى وقيمة طلبة جامعيين فالتجاوزات المعلن عنها والمكتشفة في المسابقات، والتوظيف والترقية والتحويل والرسكلة والعزلة في قطاع أغلى من الذهب. أذكر ذات يوم في الجامعة احتدم نقاش عنيف مع أستاذ في موضوع فلسفي وكنت أسمع دون أن يكون لوجودي أي كلمة، لقد حطم الأستاذ الكثير من حجج ورجحت كفته، لاح لي أنني فهمت موضوع النقاش فكرت مليا فإذا بي أجد في كلام الأستاذ الذي حاول أن يضع الكلمات على الحروف لتكون طهرا في الاستقامة وأن تكون خالية من كل ما يغضب الله. وبعيدا عن كل ما يتعارض مع مبادئ وقيم وقوانين الأستاذ رجل حنكته التجارب وأصقلته الخبرات، إنه جزائري وشموخه عربيا في اعتزازه بنفسه ووطنه. إنه يعرف جيدا كيف ومتى يضرب ضربته ليحقق له مآربه مهما يقول المتتبعون من دارسين ومتدرسين بحثوا كثيرا عن قضايا اجتماعية كالإطعام والإيواء واحتفوا أم اتفقوا، مؤرخون كانوا أم اجتماعيون فؤن الواقع يقر ويثبت أنه شعب مبادئ وقيم وثوابت يموت دونها ويجوع بسببها، فهؤلاء رجال يتمتعون بحس وطني عال يقومون بدورهم ويعترفون بما حققته الجزائر من بناءات ومشاريع عديدة وجامعات والإصلاحات التي تمت منها السلم المدني والورشات الكبرى، والاقتصاد الذي يسجل نموا قويا لرفع التحديات لتعيش الجزائر في كنف الحرية ولمزيد من التكامل والرقي وتحقيق طموحات الأجيال الصاعدة، لأننا نعيش اليوم في مجتمع المعلومات وهو عالم التقشف الذاتي المستمر مدى الحياة. على الجامعة أن تقدم أكثر من مفاتيح العلم والمعرفة في عالم متغير، لذا يتطلب ترشيح لدى الكبار والصغار البحث عن المكان المفضل للإفادة منه في كل علم وفن لتحصيل المعرفة من المكتبات لتنمية معارفنا أكثر فأكثر.