ككل موسم تهتدي العائلات الجزائرية خاصة المعوزة منها ومع كل مناسبة دينية إلى تدبر أمرها من أجل إدخال الفرحة على أفرادها، وإن كانت الأسر الغنية لا تجد إشكالا في ذلك والعائلة المتوسطة تتدبر أمرها، فإن العائلات الفقيرة تجد نفسها بين سندان الغلاء الفاحش للأضحية ومطرقة دموع الأطفال. وفي أسوأ الأحوال تجد الأم نفسها مطالبة في ظل غياب الأب بتوفير ما يسعد أبناءها يوم العيد ويكفكف دموعهم إن كانوا يتامى وإن تطلب الأمر منها رهن ما جمعته على مر السنين من ذهب احتفظت به لوقت الحاجة. وفي جولة قادتنا إلى بعض بنوك العاصمة، رصدنا هذه الحالات حيث وجدنا مجموعة من النساء يشكلن طابورا كبيرا أمامها. تقربنا من إحداهن وهي السيدة (مليكة) التي التقيناها أمام باب بنك التنمية المحلية، بساحة الأمير عبد القادر، والتي جلبت معها مجموعة من الحلي بغرض رهنه والحصول على المقابل، وهو المبلغ المالي الذي يمكنها من شراء الأضحية، وما دفعها إلى ذلك هو توقيف زوجها من العمل بعد إصابته بالسكري. وتقول السيد (فاطمة) التي التقيناها بذات المكان، أرملة وأم لخمسة أبناء، أن الأضحية تقليد سنوي لدى عائلتها، ومع وفاة والدهم فهذا العيد هو أول عيد أضحى يقضونه من دونه، وعليه رأت عدم حرمان أبنائها من تلك العادة، ونظرا لعوزهم خاصة بعد موت أبيهم اضطرت إلى رهن قطعها الذهبية المعدودة من أجل إدخال فرحة العيد على أفراد أسرتها. وفي بعض الحالات تقابل تلك النسوة بالصدِّ من طرف البنوك نظراً لوجود عيوب بمصوغاتهن وعدم قابليتها للرهن، فيتأسفن لذلك كثيرا ويضطرن إلى بيعه، ومن بين هؤلاء السيدة (صورية) التي جلبت هي الأخرى مجموعة من الذهب بغرض رهنه والحصول على المقابل لشراء كبش عيد الأضحى، لكن سعيها آل إلى الفشل، حيث وجدناها في حيرةٍ من أمرها، ذلك أن كل القطع الذهبية التي جلبتها معها قصد رهنها لا تحمل الطابع الجزائري بل هي قطع ذهب فرنسي، رفض المسؤول عن الرهن ببنك التنمية المحلية أخذه لأنه ومنذ مدة عامين منعت القطع الذهبية التي لا تحمل الطابع الجزائري من التداول بالبنوك، وذلك بموجب قرار إداري، وعليه قررت هذه الأخيرة بيع قطعتين من مصوغاتها مرغمة، وكل هذا من أجل إدخال الفرحة إلى قلوب أطفالها، رغم أن الذي سيُقدم لها مقابل تلك القطع لن يبلغ في الحقيقة حتى نصف سعرها الحقيقي. وقالت لنا سيدة أخرى (إننا نبيع ذهبنا برخص التراب لكن ما باليد حيلة، الحاجة تجبرنا على ذلك)، علما أنها حملت معها أسورة وسلسلة عرضتهما للبيع بغرض مساعدة والدتها في شراء الأضحية وهذا بسبب غياب والدها المسجون. وأمام تلك الحاجة الملحة والمصاريف المتلاحقة، لم تجد الكثير من النساء الجزائريات بدّا من رهن مجوهراتهن لدى البنوك وتجار الذهب، للحصول على مبالغ مالية للتمكن من شراء الأضاحي والتزود ببعض مستلزمات عيد الأضحى المبارك حرصا منهن على إدخال البهجة والفرحة على قلوب أفراد أسرهن.