بالرغم من بوادر الانفراج التي ظهرت في أولى جولات المحادثات ببن الأطراف المالية المتنازعة والتي تحتضنها العاصمة البوركينابية واغادوغو إلا أن الوضع في الشمال المالي يزداد تأزما يوما بعد يوم لاسيما بعد الانشقاقات التي سجلت في صفوف الحركات المعارضة وبعض القبائل إلى جانب النشاط المتزايد للجماعات المسلحة التي تسيطر على المنطقة منذ أكثر من ثمانية أشهر. وتأتي هذه التطورات في الوضع المالي في وقت تستمر فيه الجهود الدولية للحصول على تفويض أممي لنشر قوات عسكرية في مالي وسط إصرار جزائري على تبني الخيار السلمي وهو الموقف الذي دعم مؤخرا من طرف كل من بريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. انشقاقات تأزم الوضع المالي يبدو المفاوضات التي انطلقت مؤخرا بين الحكومة المالية وجماعة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير أزواد بالعاصمة البوركينابية واغادوغو والتي تهدف إلى الخروج بحل نهائي للأزمة القائمة في الشمال لن تستطيع إنهاء التوتر بالرغم من بوارد الانفراج التي بدت جلية في أولى جولاتها من خلال البيان المشترك الذي أفرزته، لاسيما بعد الانشقاقات التي أحدثتها هذه المفاوضات حيث قدم محمد الأمين الأمين العام المساعد للحركة الوطنية لتحرير أزواد والعضو في المجلس الانتقالي الأزوادي استقالته من المنصب الذي يشغله معلنا انشقاقه نهائيا عن الحركة وبرر قرار استقالته في رسالة وجهها لبلال آغ الشريف الأمين العام للحركة ورئيس المجلس الانتقالي لدولة أزواد بما وصفه بالتنازلات التي قدمتها الحركة في حق الشعب الأزوادي لصالح نظام "القمع العنصري في باماكو دون مقابل"، مشددا على تمسكه بحق الشعب الأزوادي في تقرير مصيره "كمبدأ غير قابل للتفاوض ولا التنازل عنه" وأضاف في ذات السياق قائلا "نعلن رفضنا التام لما ورد في البيان المشترك للقاء الذي تم يوم الثلاثاء الأسود، (4 - ديسمبر-2012م) بواغا دوغو". من جانب آخر أعلنت قبائل أولمدن وقبيلة اشضنهاران، التي تسكن في إقليم أزواد شمال مالي انشقاقها عن الحركة الوطنية لتحرير أزواد مؤكدة انضمامها لجماعة أنصار الدين الناشطة في المنطقة وذلك احتجاجا على ضعف أداء الحركة خلال مواجهة حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا بمدينة منكا المالية، وتعتبر قبيلة أولمدن قبيلة محلية ذات سيادة تقليدية، تضم مئات المقاتلين. الحركات المسلحة تكثف نشاطها وتتوعد من جهته أعلن المدعو مختار بلمختار والذي يعرف باسم خالد أبو العباس الذي يقال أنه أمير كتيبة تدعو نفسها كتيبة الملثمين، عن ميلاد كتيبة جديدة تحمل اسم (الموقعون بالدماء)، وتوعد المكنى بلعور في شريط مسجل عرض على مواقع الكترونية كل من يشارك أو يخطط للحرب في شمال مالي مؤكدا أنها "خطة خبيثة ماكرة وحرب بالوكالة عن الغرب" وقال في هذا الإطار أن جماعته تتوعد "كل من يخطط للعدوان على حق شعوبنا المسلحة في تحكيم الشريعة الإسلامية"، وأضاف قائلا "سنرد وبكل قوة وستكون لنا كلمتنا معكم، ووعد منا سننازلكم في عقر دياركم وستذوقون حر الجراح في دياركم وسنتعرض لمصالحكم"، ووجه المدعو مختار بلمختار دعوة إلى جميع العلماء وطلاب العلم وأبناء الدعوة الإسلامية في موريتانيا للتجند والمشاركة في ما وصفه ب "الهجرة لنصرة إخوانهم المسلمين في أزواد"، مشيراً إلى أنهم "يدركون حجم المعاناة والجهل وقلة العلم المنتشرة في هذه الأرض، وكان الأولى أن تكونوا سباقين بالوقوف في نصرة هذا المشروع الإسلامي بحكم القرابة والجوار وقد سبقكم البعيد"، وقد خصص التسجيل المصور الذي حمل عنوان "شريعتنا.. وفاء وثبات حتى النصر" جزءا كبيرا للحديث عن الوضع في الجزائر، متهماً النظام الجزائري بالتآمر مع الفرنسيين والأمريكيين في "صفقات خسيسة" لشن الحرب في أزواد –على حد قوله-. واشنطن ولندن تدعمان الموقف الجزائري تعزز الموقف الجزائري الرافض للتدخل العسكري على الأراضي المالية مؤخرا بعد أن أبدت كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا دعمهما لتبني الخيار السلمي وجعل الخيار العسكري آخر الحلول، وفي هذا الإطار أعرب ستيفان اوبريان المبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني لمنطقة الساحل الخميس بالجزائر عن إعجابه بالتجربة الجزائرية في حل الأزمة المالية مشيرا إلى إدراكها العميق للوضع في المنطقة، وأضاف في تصريح له عقب محادثات أجراها مع عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية أنه "من الواضح أن المملكة المتحدة و المجتمع الدولي يوليان أهمية لخبرة الجزائر فيما يخص المسألة المتعلقة بشمال مالي" مؤكدا أنه أجرى خلال هذا اللقاء "تحليلا مشتركا" مع الوزير الجزائري حول الأوضاع في منطقة الساحل عامة والوضع المالي بصفة خاصة وأشار في هذا الإطار إلى التزام بلده بالعمل مع الشركاء الآخرين لحل هذه الأزمة وأضاف قائلا "سنعمل سويا لإيجاد حلول للمشاكل في المنطقة" مؤكدا أن الأمر يتعلق "بمبادرة مشتركة" حيث "يكون لكل واحد دور يلعبه لتقديم حل مستديم للسكان في شمال مالي". من جانبه صرح كاتب الدولة الأمريكي المساعد ويليام بورنز خلال ندوة صحفية عقدها أول أمس الخميس بمقر سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجزائر العاصمة أن واشنطن تدعم الموقف "الريادي" للجزائر لصالح ترقية الحوار بين الماليين، موضحا أن "الولاياتالمتحدة تدعم الموقف الريادي للجزائر لصالح ترقية الحوار بين الحكومة المالية و الطوارق بمالي"، وأكد بورنز في ذات السياق أن بلاده تدعم كافة الجهود الرامية إلى تحقيق تقدم في الحوار السياسي بين الحكومة المالية والجماعات التي لا تلجأ للعنف في شمال مالي، وأوضح قائلا "نحن نواصل تفضيل تنسيق الجهود للإسراع في المحادثات السياسية بمالي و نحن ندرك أن للجزائر دور تلعبه في هذا المجال". وفي سياق آخر تطرق كاتب الدولة الأمريكي المساعد إلى أبعاد الأزمة في الشمال المالي مؤكدا أنها متعددة وتتمثل في الجانب الأمني والسياسي والإنساني مضيفا أن "نجاح أي إستراتيجية يقوم على مدى أخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار"، وأضاف ويليام بورنز أن هناك مزيد من "التوافق" بين الفاعلين الرئيسيين حول كيفية معالجة كل التحديات التي يفرضها الوضع في مالي غير أنه أكد في نفس الوقت أن بلده قد يدعم أي تدخل عسكري إفريقي محتمل في شمال مالي مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة تؤيد فكرة تعاون مع مالي وكافة بلدان المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب، أما عن الزيارات المتعددة لمسؤولين سامين إلى الجزائر من أجل التحادث حول الوضع في مالي فقد قال بورنز أن هذه الزيارات "تعكس دور الجزائر في تسوية الأزمة في مالي" مضيفا أن "الولاياتالمتحدة تقدر الدور الذي تلعبه الجزائر لمواجهة الأزمة في مالي و كذا التحديات التي تطرح بكافة المنطقة".