ستفارقنا سنة 2012 دون أن تترك أثارا كبيرة في مجال مكافحة الفساد التي أنشئ خصّيصا لأجلها الديوان الوطني لمكافحة الفساد الذي دخل حيّز الخدمة نهاية سنة 2011، إلاّ أنه وإلى حدّ كتابة هذه الأسطر لم يصدر أيّ تقرير رسمي عن حجم استفحال هذه الظاهرة في المجتمع أو حقائق عن محاربتها من طرف الجهات المخوّلة بذلك. لم تتعدّ ظاهرة مكافحة الفساد في الجزائر بعض ملفات اختلاس المال العام التي أحيلت على العدالة وبعض التقارير والشعارات التي تهتف بها الهيئات الخاصّة بحماية حقوق الإنسان والاتّفاقيات الدولية الموقّعة بين الجزائر وغيرها من الدول، فرغم توصيات رئيس الجمهورية الحثيثة لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها بكلّ ما يخوّله القانون من صرامة إلاّ أنها ما تزال تنخر كلّ مؤسسات الدولة دون استثناء. فلم يصدر أيّ نشاط عن الديوان الوطني لمكافحة الفساد بالرغم من مرور سنة على دخوله حيّز الخدمة، وبالتحديد في شهر ديسمبر 2011، بل قامت فقط الحكومة بتعديل الترسانة القانونية المرتبطة بمكافحة الفساد مثل قانون الصفقات والقانون المتعلّق بالقرض وقانون قمع جرائم الصرف وحركة رؤوس الأموال إلى الخارج والقانون المتعلّق بمجلس المحاسبة وتدعيمه بمبادئ وآليات ضمانا (للشفافية والوقاية من الفساد). كما قامت الجزائر خلال الندوة الرّابعة للدول الأطراف في اتّفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد بالدعوة إلى تدعيم التعاون الدولي والمساعدة التقنية قصد الاستفادة من تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الفساد والمصادقة على اتّفاقيتي الأمم المتّحدة المتعلّقتين بمكافحة هذه الظاهرة، مدرجة محتواهما في نصوصها التشريعية منها قانون الإجراءات الجزائية. مكافحة الفساد لم تخرج عن مجرّد قضايا أمام العدالة باستثناء ذلك لم تشهد الجزائر أيّ خطوة تذكر في محاربة ظاهرة الفساد ما عدا بعض القضايا التي فصلت فيها العدالة، على غرار ملف اختلاس أموال المديرية العامّة للأمن الوطني المتابع فيها العقيد شعيب ولطاش رفقة مجموعة كبيرة من إطارات الشركة وأصحاب شركة (أ بي أم) على خلفية برنامج إعادة عصرنة القطاع. كما تمّت إعادة ملف الخليفة بنك إلى الواجهة دون حضور بطله بعد مدّ وجزر بشأن تحويل المتّهمين من مجلس قضاء البليدة إلى الجزائر، لتضرب بذلك الاتّفاقيات الدولية التي أبرمتها الجزائر فيما يخص تسليم المتّهمين الفارّين عرض الحائط. أيضا تمّت خلال هذه السنة إعادة محاكمة إمبراطور اختلاس 2100 مليار من بنك الجزائر عاشور عبد الرحمن في ثلاث قضايا مختلفة كلّها متعلّقة بنهب المال العام. كما كشفت سنة 2012 عن العديد من التحقيقات في ملفات الفساد، واحدة متعلّقة بمشروع القرن الطريق السيّار، والتي لم تحدّد لها جلسة محاكمة رغم انتهاء التحقيق في الملف. نفس الشيء عرفته قضية سوناطراك التي ما تزال قيد التحقيق بعد قرار غرفة الاتّهام الصادر في السادس من الشهر الجاري القاضي باستمرار التحقيق في الملف لإكمال إنابات قضائية لم يتمّ إجراؤها أثناء التحقيق، تتعلّق بإجراءات تحقيق دولي للتحرّي حول استفادة أغلب المتّهمين في الملف من أملاك تابعة للمجموعة البترولية وهذا بالعاصمة الفرنسية باريس وللاستماع من جهة أخرى إلى المتّهمين في ذلك. واتّخذ رئيس غرفة الاتّهام قرار إجراء تحقيق تكميلي في الملف لعدم ردّ السلطات الفرنسية على الطلب الذي تقدّم به الدفاع المتعلّق بفتح تحقيق دولي وتقديمها لتقرير مفصّل حول الممتلكات التابعة للمجمّع البترولي التي استفاد منها معظم المتّهمين في الملف بالضاحية الباريسية، وترى مصادر قضائية على صلة بالملف أنه من دون الردّ على هذا الطلب ستكون أوراق الملف ناقصة. بإجراء هذا التحقيق التكميلي قد تطرأ حسب ذات المصادر القضائية معلومات إضافية قد تجعل الملف يأخذ منحى آخر، خاصّة وأن التحقيقات فيه انتهت منذ أكثر من عام وتسعة أشهر. وشهد الفصل في تكييف القضية عدّة تأجيلات، كانت آخرها بسبب طعن النيابة في قرار قاضي التحقيق تجنيح وقائع القضية لكونها ترى أنه من المفترض إحالة الملف على محكمة الجنايات على اعتبار أن التهم المتابع بها كلّ من الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك محمد مزيان ونوابه (ب. بلقاسم)، (ز. عمر) و(ر. شوقي)، والمدير التنفيذي للنشاطات المركزية (ص. محمد) ونائبه (عبد الوهّاب عبد العزيز)، وكذا نجلي (مزيان محمد) ومسيّرة مكتب الدراسات (كاب) ومسيّر شركة (كونتيل فانك) المدير العام السابق للقرض الشعبي (محمد مغلاوي) تشكّل جناية، فيما يرى فيها الدفاع أنها تشكّل جنحة ويحاول إقناع السلطات القضائية بضرورة توجيه استدعاء لوزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل ورئيس ديوان مجمّع سوناطراك (ه. رضا) لعلمهما بكلّ كبيرة وصغيرة كانت تجري بالمجموعة البترولية واطّلاعهما على كلّ ملفاتها. ولعلّ أهمّ ما ميّز السنة القضائية 2011/2012 هو تحدّيات وزارة العدل لضمان استقلالية القضاء والوصول إلى اتّفاق مع أصحاب (الجبّة السوداء) فيما يخص تنظميم مهنة المحامّة والتكفّل بجميع انشغالات عمّال القطاع، خاصّة الأسلاك المشتركة. حيث تمّ في مجال استقلالية القضاء إصدار القانون الأساسي للقضاء والمجلس الأعلى للقضاء، وكذا مضاعفة عدد القضاة وأعوانهم وتكوينهم في تخصّصات عديدة تعزيزا لاستقلالية هذا الجهاز، كما تمّ تعزيز العدّة التشريعية بمبادئ حقوق الإنسان وتمّ الاعتماد على المعايير الدولية انطلاقا من قناعة راسخة أن الأمن القضائي عامل أساسي في توفير الأمن الاجتماعي والاستقرار المستدام وحماية المجتمع من كلّ أنواع الاجرام. بخصوص مشروع القانون العضوي المنظم لمهنة المحاماة فقد أثار حفيظة المحامين الذين طالبوا بتعديل بعض مواده حفاظا على استقلالية هذه المهنة وخدمة لمصلحة المتقاضين حتى يتسنّى للمحامين الدفاع عنهم بكل فعالية. وكانت وزارة العدل قد فتحت منذ البداية حوارا مع ممثّلي الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين الجزائريين لمعرفة انشغالاتهم ومطالبهم. وقد تمّ في نوفمبر الفارط الاتّفاق على تعزيز الأحكام المدرجة في مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، حيث قرّرت وزارة العدل عدم سحبه من البرلمان وإدخال تعديلات عليه تجعله (أكثر مسايرة) للإصلاحات التي مسّت قطاع العدالة.