النص القرآني يظل محور مؤلفات ودراسات عديدة تدور حول بلاغته وتفسيره وفقهه وإعجازه العلمي واللغوي. العديد منها فحصه فحصاً دقيقاً وراعه ما رأى من دقة في التعبير وإحكام في الفن وعلوّ في الصنعة وبلاغة في كلماته وحساب لكل لفظ بل لكل حرف في كتاب الله العزيز. واهتم الكثيرون من العلماء بإجراء موازنات بين الآيات القرآنية من حيث التشابه والاختلاف، والتقديم والتأخير، والذكر والحذف، وارتباط فواتح السور بخواتيمها، وارتباط السور بعضها ببعض، واستخدام التوكيدات، واختيار ألفاظ بعينها دون مرادفاتها، والإعجاز العددي فيها والناسخ والمنسوخ والحكمة منها، وأسباب التنزيل وترتيب السور القرآنية والمفردات في غريب اللفظ القرآني. القراءات العشر وفي هذا المجال صدرت خلال الأيام القليلة الماضية دراسة حول كتاب:(بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)، للإمام مجد الدين الفيروزبادي، المولود بفارس عام 729 ه، وقام فضيلة الشيخ محمد بن محمدي سلام، الموجه الشرعي والمستشار بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، بتحقيق هذا الكتاب بلغة ميسرة سلسة تحت عنوان (بصائر حول سور القرآن الكريم). يذكر أن الإمام مجد الدين الفيروزبادي حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وكان يقول: (لا أنام حتى أحفظ كل يوم مائتي سطر من كتاب الله)، وقد قرأ بالقراءات العشر، وأصبح محدّثاً وطاف بلاد الشام وأخذ من علمائها واستقر به المقام ببيت المقدس، وتوفي عام 817 ه. وتدور محاور الكتاب حول أسماء السور، وهل هي توقيفية أم اجتهادية، ومكان نزولها، وعدد آياتها وكلماتها وحروفها وترتيب نزولها وترتيبها في المصحف الشريف، والقصد من النزول وبيان الناسخ والمنسوخ فيها، والمتشابهات، وما ورد في فضلها وشرفها من أحاديث وآثار وإعجاز الحذف والاختصار، فمثلاً نجد قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، (البقرة، الآية 179)، فهذه أربع كلمات تضمنت من معانيها (ألف ألف مسألة، أي مليون مسألة)، بيَّنها علماء الفقه والشريعة في مصنفاتهم حتى بلغت ألوفاً من المجلدات، ولم يبلغوا كنهها وغايتها ويروى أن إعرابياً سمع قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر)، فلم يتمالك أن وقع على الأرض وسجد، فسُئِل عن سبب سجوده، فقال: (سجدت في هذا المقام لفصاحة الكلام). أكثر من مائة اسم ويشير الكتاب كيف أن للقرآن العظيم أكثر من مائة اسم، وما ذلك إلا دلالة على شرفه وعلو مرتبته وفضله منها.. الذكر - الوحي - الفرقان - البرهان - الشفاء - الهدي - المجيد - النور - الحق - الرحمة.. وغيرها، كما أن عدد سوره باتفاق العلماء مائة وأربع عشرة سورة، وعدد آياته تصل 6236 (على اختلاف بين علماء العد الستة). وتثير مسألة تشابه بعض الآيات إشكاليات لدى البعض، خاصة المستشرقين، إذ يحسبونه تكراراً من باب الركاكة، لكنهم لا يعلمون أن ما من حرف ولا حركة إلا ولها معنى وفائدة، ففي قوله تعالى: (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، (البقرة، الآية 57). تتشابه مع قوله تعالى: (ولكن أنفسهم يظلمون)، (آل عمران، الآية 117)، فوضعت كلمة (كانوا) في الآية الأولى لتتفق مع سياق الآية التي تتحدث عن أخبار أقوام سابقين، أما الآية الثانية فحُذفت منها نفس الكلمة لأنها تتحدث عن حال قوم ما زالوا موجودين. * مثلاً نجد قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، (البقرة، الآية 179)، فهذه أربع كلمات تضمنت من معانيها (ألف ألف مسألة؛ أي مليون مسألة)، بيَّنها علماء الفقه والشريعة في مصنفاتهم حتى بلغت ألوفاً من المجلدات، ولم يبلغوا كنهها وغايتها ويروى أن إعرابياً سمع قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر)، فلم يتمالك أن وقع على الأرض وسجد، فسُئِل عن سبب سجوده، فقال: (سجدت في هذا المقام لفصاحة الكلام).