ذّروا من "أفغنة" منطقة الساحل... خبراء: "أزمة مالي يمكنها التقريب بين الجزائر والمغرب" رجّح خبراء وأخصّائيون في الشأن الإفريقي حدوث تقارب جزائري-مغربي بعد الانزلاق الأمني الذي تعرفه مالي منذ أشهر، محذّرين ممّا وصفوه ب (أفغنة وصوملة منطقة الساحل والصحراء) وانتقال الحرب إلى دول مجاورة. ومن جانب آخر، استنكر المختصّون سياسة التعتيم الإعلامي التي تنتهجها فرنسا، مؤكّدين أن غياب المعطيات عن الوضع الحالي يعرقل عملية تحليل مآلاته المستقبلية وفق منهجية علمية واضحة. توقعّ خبراء ومختصّون مغاربة في الشأن الإفريقي خلال حلقة نقاش نظمتها مؤسسة (خالد الحسن) للدراسات والأبحاث بالرّباط بداية الأسبوع الجاري أن تحدث الأزمة المالية نوعا من التقارب بين الجزائر والمغرب في ظلّ التهديدات الأمنية المشتركة، محذّرين من خطر (أفغنة) منطقة الساحل والصحراء في حال حقّق التدخّل العسكري الفرنسي أيّ انتصار في المنطقة. وبالرغم من الخطر الأمني الذي أشار إليه الخبراء رأى بعض المختصّين أن العمليات العسكرية الفرنسية في المنطقة من شأنها أن تحدث انعكاسات إيجابية على المغرب فيما يتعلّق بالنّزاع في الصحراء الغربية. وأبدى الخبراء قلقهم من التعتيم الإعلامي الذي تمارسه فرنسا في المنطقة، والذي سيحول دون إجراء قراءة للنتائج المستقبلية للوضع الرّاهن. آفاق تقارب مغربي-جزائري تصنعه الأزمة المالية رأى عادل الموساوي أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية خلال مشاركته في الحلقة النقاشية التي نظمتها مؤسسة (خالد الحسن) للدراسات والأبحاث بالرّباط بداية الأسبوع الجاري، أن الأزمة المالية بإمكانها أن تحدث تقاربا بين الجزائر والمغرب في ظلّ المخاطر الأمنية التي تهدّد المنطقة. أستاذ القانون قال في هذا الإطار إنه (من المحتمل أن يؤدّي الوضع في مالي إلى تقارب مغربي-جزائري في ظلّ وجود مخاطر أمنية بالمنطقة)، مضيفا أن الوضع في منطقة الساحل الإفريقي قد يساهم في وجود تعاون إقليمي وتدشين عملية سياسية توافقية بدولة مالي وبناء جيشها في أفق الإعلان عن نظام فيدرالي. وأوضح الموساوي خلال الحلقة التي حملت عنوان (التدخّل الفرنسي الغربي في مالي التفاعلات والتداعيات على منطقة الساحل والصحراء) أن (المنطقة في حاجة إلى بناء تكتّلات قوية على المستوى الإقليمي قادرة على منافسة التكتّلات الدولية لأن المرحلة لم تعد تطيق وجود كيانات صغيرة). ومن جهة أخرى، حذّر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية المغربي من تنامي هواجس (أفغنة) أو (صوملة) منطقة الساحل والصحراء وانتقال الحرب إلى دول الجوار في حال حقّقت القوات الفرنسية انتصارا في المنطقة يعجز الجيش المالي عن مواكبته لأنه حسب الموساوي (جيش تخترقه عشرون إثنية، ممّا يهدّد بانتقال عدوى الحرب إلى الدول المجاورة كتشاد على سبيل المثال). وأرجع الموساوي في سياق آخر أسباب التدخّل العسكري الفرنسي في الأراضي المالية إلى (إدراك فرنسا تساهلها مع العناصر المسلّحة في مسألة فداء الأسرى، حيث قدّمت حوالي 17 مليون دولار، وفق ما صرّحت به مسؤولة أمريكية، ممّا يحقّق للجماعات الإرهابية موردا ماليا مُهما)، مضيفا أن هناك بعض الأسباب الخفية لهذا التدخّل تتعلّق بمحاولة الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند أن يُظهر نفسه بأنه رجل قوي قادر على اتّخاذ قرارات حاسمة، بما يساهم في تبديد الشكوك حول افتقاره إلى الخبرة في الشأن الخارجي، إلى جانب تخوّف فرنسا من انتقال العدوى إلى مناطق توجد فيها مصالحها الاقتصادية مثل النيجر، حيث تحتدم المنافسة الشرسة على الثروة النّفطية واليورانيوم مع دول أخرى في مقدّمتها الصين. التدخّل الفرنسي على مالي يخدم المغرب من جهته، رأى مصطفى الشرقاوي الباحث المهتمّ بالشأن الإفريقي والدبلوماسي المغربي السابق بنيجيريا أن للتدخّل الفرنسي بمالي عواقب سلبية وأخرى إيجابية، مؤكّدا أن العمليات العسكرية الفرنسية في مالي ستؤدّي إلى تفكيك الجماعات المسلّحة إلى أنوية صغيرة، وهو ما يصعّب عليها عملية المواجهة. أمّا الأثار الإيجابية التي سيحقّقها التدخّل الفرنسي في مالي فقد ربطها الشرقاوي بتقديم المساعدة المغربية للحكومة المالية، وهي المساعدة التي ستكون لها حسبه نتائج إيجابية كاحتمال تغيّر الموقف المالي من (الوحدة الترابية للمغرب)، مضيفا أن إمكانية تطبيق الحكم الذاتي في مالي لحلّ مشكل الأزاواد بإمكانه دعم الطرح المغربي على المستوى الإفريقي في تقديمه مقترح الحكم الذاتي لحلّ النّزاع في الصحراء الغربية. وأكّد عبد السلام حرمة اللّه أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة نواكشوط من جانبه أن الأزمة المالية لها تأثير واضح النّزاع في الصحراء الغربية، موضّحا أن إهمال المنطقة التي يجري فيها الصراع حاليا بمالي جعلها (فريسة سهلة لكلّ الأطماع)، لا سيّما بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا. التعتيم الإعلامي يعرقل تحليل الوقائع في سياق آخر، استنكر عبد الرزاق مولاي رشيد العميد السابق بكلّية الحقوق السويسي التعتيم الإعلامي الذي تمارسه فرنسا في الوقت الذي تقود فيه عمليات عسكرية في المنطقة، مؤكّدا أن (غياب المعطيات عن الوضع الحالي يعرقل عملية تحليل مآلاته المستقبلية وفق منهجية علمية واضحة)، وأبدى في الوقت ذاته ارتياحه لتنظيم مؤسسة (خالد الحسن) لحلقة نقاشية حول تداعيات التدخّل العسكري الفرنسي على مالي من أجل تسليط الضوء على واحدة من بين أبرز بؤر التوتّر في المنطقة. وأكّد سعيد خالد الحسن، مدير المركز المُنظم لحلقة النقاش خلال مداخلته على فشل الاستعمار الأجنبي في تحقيق جميع أهدافه في العالم الثالث، مطالبا الجميع بضرورة الاهتمام أكثر بما تعيشه منطقة الساحل من تهديدات أمنية في الفترة الحالية. للإشارة، فقد كانت تدخّلات الطلبة خلال حلقة النقاش متقاربة، حيث أجمع الطلبة الباحثون المغاربة والأفارقة على وجود انعكاسات واضحة للأزمة التي تعيشها مالي على الوضع الجيواستراتيجي بمنطقة الساحل والصحراء وتنامي الأطماع الدولية والتهديدات الأمنية المحيطة بدول المنطقتين المغاربية وجنوب الصحراء، مطالبين بضرورة الإسراع في خلق فضاءات للتعاون بين دول المنطقة وتكاملها الاستراتيجي.