جهزت الدبلوماسية الفرنسية مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، يطلب وضع خطة تفصيلية خلال 30 يوما للتدخل العسكري الدولي في مالي، في مسعى لإحياء المحاولات المتعثرة من أجل مساعدة القوات الحكومية على استعادة شمال البلاد من أيدي الحركات المسلحة. ومن المنتظر أن يصدر أعضاء مجلس الأمن قراراهم، بمجرد تسلمه الخطة التي ستتقدم بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة ب (الإيكواس) بتوجيه مباشر من الإيليزيه. وتأتي هذه التطورات المتسارعة في ظل ما تعرفه القضية من تباينات واضحة في رؤية الحل، بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة المتمسكة بخيار التدخل العسكري كحل وحيد للوضع المتأزم في شمال مالي. وفي ظل المقاربة الدبلوماسية والسياسية التي تطرحها الجزائر مدعومة بموقف أمريكي «شبه داعم» لتفادي سيناريو «أفغنة» منطقة الساحل الإفريقي، اكتفى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال زيارة لباريس بالقول إن المجتمع الدولي بحاجة إلى مزيد من الإيضاحات بشأن النماذج والصيغ المتعلقة بالطريقة التي يمكن للهيئة أن تساعد بها الشعب المالي، مشددا على القول إن أي تدخل عسكري إفريقي في مالي يتطلب أولا مفاوضات سياسية، مؤكدا أن أي عملية تقوم بها دول غرب افريقيا لن تحصل غدا. بالمقابل، كشفت مصادر جزائرية متابعة للملف المالي لصحف أجنبية، أن الولاياتالمتحدةوفرنسا ستقومان بعمليات نوعية حول أهداف محددة تنفذها وحدات كوماندوس حول معاقل الجماعات الإرهابية الناشطة في هذه المنطقة، وخاصة تنظيم ما يسمى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» وجماعة «التوحيد والجهاد» في غرب إفريقيا. من جهتها تعيش الدبلوماسية الجزائرية حالة استنفار حقيقية لمحاولة التوصل إلى حل ملائم للأزمة المالية المستحكمة، يضمن عدم انزلاق منطقة الساحل الإفريقي في أتون «مستنقع أمني» يكرر سيناريوهات «مرعبة» عاشتها مناطق أخرى في العالم شهدت تدخلات عسكرية أجنبية، وهي ذات الرؤية التي تحافظ على المصالح الإستراتيجية للجزائر وخاصة ما يتعلق بالأمن على الحدود الجنوبية التي باتت تشهد أوضاعا أمنية هشة، خصوصا بعدما عاشته ليبيا ولا تزال من انفلات أمني وانتشار «غير مسبوق» لكافة انواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة. ويظهر هذا الاستنفار الدبلوماسي الذي تجسد في الجولات المتعددة التي يقوم بها الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، عبد القادر مساهل، إلى دول الجوار والدول الكبرى، حيث تخشى الجزائر من خروج الأزمة المالية عن نطاق السيطرة، خاصة مع إصرار الفرنسيين على التدخل العسكري الشامل لإنهاء سيطرة الحركات المسلحة على شمال مالي، الأمر الذي ترفضه الجزائر بقوة لقناعتها بأن أي تدخل دولي غير مدروس سيحول مالي إلى «ساحة جهاد» عالمي ما يؤثر على أمن دول الجوار وعلى رأسها الجزائر، خاصة إذا لم تفرق الضربات العسكرية بين «الجماعات الإرهابية» وحركة تحرير أزواد التي ترفع مطالب وطنية مشروعة تخص حقوق الطوارق في مالي. وتبدي الجزائر «مرونة ما» لبحث الخيار العسكري ضمن حدود ضيقة وبعد عزل الجماعات الإرهابية عن الأطراف المالية الأخرى التي يجب أن تفتح معها قنوات حوار لمعالجة الأزمة سياسيا. كما تتبنى الجزائر مشروع تقوية السلطات المركزية المالية لتقوم هذه الأخيرة بمسؤولياتها في إعادة توحيد البلاد على «أسس جديدة» تضمن الاستقرار في المنطقة .