ممّا لا شكّ فيه أن كرة القدم لا تتحدّث إلاّ بلغة الأرقام، وهذا ما يوقنه كلّ شخص مهتمّ بشأن الساحرة المستديرة بالأخص إذا ما تعلّق الأمر بالمنتخبات الوطنية كما هو الشأن بالنّسبة للاّعبين، فاللاّعب وحده يستطيع أن يجعل إنجازاته تتحدّث عنه من خلال أهداف يسطّرها لنفسه يضعها نصب عينيه، بدورها تخدم طموحاته وطموحات فريقه والتي من بينها تمثيل ألوان بلده في المحافل الدولية. فلاعب كرة القدم المثالي ما هو إلاّ سيرة حسنة تتحدّث بالنيابة عنه، كلّ حرف فيها يعرض صفة يتميّز بها، سواء بدنية كانت أو سيكولوجية، وهذا لا يتحقّق إلاّ إذا كان اللاّعب نفسه يعي ما له وما يجب عليه. وهناك بعض الأمور قد لا يحتاج فيها اللاّعب إلى توجيه ونصائح من مدرّبه أو توبيخ في بعض الأحيان، بل يجعل من نفسه مدرّبا لنفسه، والمقصود بهذه الأمور الانضباط في التدريبات، الحرص على عدم خلق المشاكل في الفريق، احترام برنامجه اليومي وتطبيق التوجيهات التي تسدى إليه بحذافيرها دون تماطل وتكاسل. وأذا كان اللاّعب مُلمّا بأغلب هذه العناصر فقد عبّد لنفسه الطريق لتقديم أحسن المستويات على جميع الأصعدة، والتي تخوّل له الحصول على ثقة مدرّبه ورفاقه وإدارة الفريق، خاصّة أثناء المنافسات الرّسمية التي يجد فيها اللاّعب نفسه أمام مواقف مختلفة يجب أن يتعامل معها بسلاسة بالأخص الأمور المتعلّقة بالجانب الأخلاقي والتعامل مع الرفيق والخصم على رقعة الميدان واحترام قرارات الحكّام والمدرّب على حد سواء. هذا فيما يخص الحالة السيكولوجية للاّعب، أمّا بالحديث عن الجانب البدني وتطبيق النّهج التكتيكي المرتبطين ارتباطا وثيقا بالحالة النّفسية اللاّعب، فإذا كان اللاّعب غير متوتّر وقلق لن يجد صعوبات في إتقان دوره على أحسن وجه في الوقت وبالجهد المناسبين لكلّ موقف من مواقف أطوار المباراة. إذن فمصير اللاّعب ومستقبله بين يديه، خاصّة إذا ما كان يحلم بالاِلتحاق بصفوف منتخب بلده الذي يفرض عليه مضاعفة الجهد ومحاولة تطوير مستواه والانتظام في لعب المباريات لأن المشاركة في عدد أكبر منها والتألّق فيها كفيل بلفت انتباه القائمين على المنتخب إليه، ممّا يضاعف حظوظه في الاِلتحاق بالنّخبة الوطنية. بالمقابل، إذا كان اللاّعب يسبح ضد كلّ هذه المواصفات حتى لو كان اسما بارزا في سماء كرة القدم فلن يجد له مكانا في منتخب بلاده لأن الرياضة أخلاق قبل كلّ شيء، وإذا ما كان لديه ميولا لإثارة التوتّر داخل فريقه وعدم التحلّي بالرّوح الرياضية أثناء المنافسات فسيؤدّي ذلك إلى صرف النّظر عن استقدامه إلى المنتخب، ممّا يجعل مستقبله الكروي على كفّ عفريت. الملاحظ لمنتوج بطاولتنا الوطنية من لاعبين سيرى أننا بعيدون كلّ البعد عن إنتاج نوعي من اللاّعبين الذي يحملون هذه المواصفات، ورداءة المنتج على كثرته لا يلغي وجود القلّة القليلة التي صارعت واجتهدت لتحفظ ماء وجه بطولتنا الوطنية في ظلّ المشاكل التي تتخبّط فيها والانتقادات التي تطالها من حين لآخر. فإلى متى سنبقى نعدّ لاعبينا المتميّزين فنّيا وأخلاقيا على أصابع اليد؟ إن أمثال هؤلاء الصفوة من اللاّعبين أصبحوا كالعصافير النّادرة لا يصطادها إلاّ مدرّب ذو حنكة متسلّح بخبرة السنين لا يعمل بالعاطفة، بل يحكّم العقل في اختياراته التي يسأل عنها ويتحمّل مسؤوليتها، فإن كسب لاعب محلّي منصبا في المنتخب في ظلّ اشتعال المنافسة على المناصب يعتبر إنجازا حتى لو ظلّ اللاّعب حبيس دكّة البدلاء، إلاّ أنه سيأتي اليوم الذي يجد فيه فرصته ليثبت أنه لم لن يمرّ مرور الكرام حتى يضع بصمته ويؤكّد مدى فعاليته ليحقّق المنال، وكما يقال (لكلّ مجتهد نصيب).