موقع الإسلام إحدى الجمهوريات السوفيتية سابقًا في حوض نهر الفولغا، تنسب إلى التتار، والتتار شعب كبير من شعوب الأمة التركية، وقد نقل التتار الإسلام إلى شمالي أوروبا، فوصلت الدعوة الإسلامية بجهودهم إلى روسيا الأوربية، وإلى فنلندا وبولندا ودول شبه جزيرة اسكندنافية عامة، ولقد تمسك الشعب التتري في تتاريل بعقيدتهم، وصمدوا لتحدي قياصرة روسيا طيلة أربعة قرون، ولم ينجح السوفيت رغم الحملات الشرسة في زعزعة إيمان التتار، ولا زال الإسلام دين الأغلبية في جمهورية تتارستان رغم تهجير العديد من الروس إليها، وخضعت للحكم الشيوعي في 27/5/1920م. الموقع والجغرافيا توجد جمهورية تتارستان شرقي روسيا الأوربية، وفي القسم الأعلى من حوض الفولغا، تحدها بشكيريا من الشرق، وادمورت وماري من الشمال والشمال الغربي، والجوفاش من الغرب، وهي جمهوريات صغيرة لها حكم ذاتي، وتتبع جمهورية روسيا الاتحادية، وتبلغ مساحتها 68.000 كيلو متر مربع، وسكانها 3.464.000 نسمة، وعاصمة البلاد كازان (قازان) وسكانها 1.002.000 نسمة، وتوجد على الضفة اليسرى لنهر فولغا. وتمتد أرض الجمهورية بين جبال أورال في شرقها وتلال بتزا في غربها، وأرضها سهلية في جملتها، وتلتقي بها بعض روافد نهر الفولغا، ونتيجة انبساط سطحها يتسع نهر فولغا في عبوره لها والتربة رسوبية خصبة. من أبرز سمات مناخها البرودة والتجمد في الشتاء وتزداد الحرارة في الصيف، غير أن القارية والتطرف أهم ملامحه، ويتعرض لغزو الرياح الباردة في الشتاء، والأمطار كافية لنمو حشائش الإستبس وبعض الغابات. السكان والنشاط البشري غالبية السكان من التتار، وهم شعبة من الأمة التركية، وينتشرون في بقاع أخرى غيرها، فتوجد منهم جماعات في غربي سيبريا، يشكلون معظم سكان شبه جزيرة القرم، غير أن السوفيت أرغموا التتار على الهجرة وألغوا جمهوريتهم، وسكان جمهورية تتارستان حوالي ثلاثة ملايين ونصف، يشكل التتار أغلبيتهم، ويعتنقون جميعًا الإسلام، ولقد هجَّر الروس إليها أعدادًا من روسيا الأوروبية للتقليل من الأغلبية الإسلامية، والتتار عمومًا يشكلون القومية الخامسة في الترتيب بين القوميات في الاتحاد السوفيتي -سابقا-، وينتشرون في مناطق متعددة من البلاد، ويصل عددهم حوالي 6.5 مليون نسمة، وتصل نسبة المسلمين في تتارستان 65% تقريبًا. والجمهورية غنية بثروتها الزراعية، وكذلك بثروتها المعدنية، وأهم منتجاتها الحبوب: كالقمح، والشعير، والشوفان، ويعتبر النفط موردًا هامًّا فيها، ويستخرج من حوض نهر كاما، وأطلق على هذه المنطقة باكو الجديدة، وإنتاجها من النفط يزيد على عشرين مليون طن سنويًّا. كيف وصل الإسلام إلى تتارستان؟ وصل الإسلام إلى هذه المنطقة في بداية القرن الرابع الهجري، عندما وصل التجار المسلمون إلى حوض نهر الفولغا، وأسلم شعب البلغار، وأرسل إليهم الخليفة العباسي المقتدر (295ه - 320ه) من يفقههم في الدين، وكان الإسلام يسود منطقة الحوض الأدنى من نهر الفولجا، بل تجاوزها إلى منطقة القرم في شمال البحر الأسود، غير أن الدفعة الأساسية للدعوة الإسلامية في حوض الفولغا وصلت بإسلام التتار، فعندما احتلها قياصرة روسيا في سنة (960ه - 1552م) كان الإسلام منتشرًا بين سكانها، واضطهد أهلها، وحاول الروس جذبهم إلى المسيحية بالقوة والقهر، ولكنهم فشلوا، ولقد بذلت الإمبراطورة كاترين الثانية جهودًا جبارة في هذا المجال في سنة (1192ه - 1778م)، فأمرت بأن يوقع كل من الذين اعتنقوا المسيحية (الجدد) على إقرار كتابي يتعهد فيه بترك (خطاياه)، ويتجنب الاتصال بالكفار، ويظل على الدين المسيحي، وطبق هذا بالقوة على التتار المسلمين، ولكنهم كانوا مسيحيين اسمًا، ثم تخلصوا من هذا التعسف، وظلوا على إسلامهم، ولقد دونت أسماؤهم في السجلات المسيحية زورًا، ووقف التتار في ثبات وقوة ضد المنصرين وحملاتهم، وشهد القرن التاسع عشر الميلادي عدة قوانين تحد من انتشار الدعوة، لدرجة أن القانون الجنائي الروسي كان يعاقب كل شخص يتسبب في تحويل مسيحي روسي إلى الإسلام بالأشغال الشاقة، ورغم هذا انتشرت الدعوة بصورة سرية، ولما صدر قانون حرية التدين في روسيا القيصرية في سنة (1323ه - 1905م) حانت الفرص للدخول في الإسلام بصورة جماعية، فلقد بلغ عدد من أعلنوا إسلامهم في سنة (1324ه - 1906م) ثلاثة وخمسين ألفًا، وفي سنة 1909م دخلت 91 أسرة في الإسلام. وسارت الدعوة الإسلامية قدمًا في حماسة بالغة، وكان كل مسلم داعية إلى دينه، ولقد خدمت الدعوة الإسلامية هجرة جماعات ممن احترفوا الحياكة في القرى الإسلامية في زمن الشتاء، واعتنق هؤلاء الإسلام، وعند عودتهم إلى قراهم تحوّلوا إلى دعاة للإسلام، وأثمرت دعوة التتار أنصارًا في سيبريا وغيرها، وقبل استيلاء السوفيت على السلطة كان في مدينة قازان عاصمة جمهورية تترستان، جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب في مستهل القرن العشرين - وكان بها مطبعة أخرجت مليون نسخة من مائتين وخمسين كتابًا في سنة 1320ه - 1902م، كما كان بمدينة قازان مكتبة إسلامية يزورها عشرون ألف قارئ سنويًّا، وانتشرت المساجد حتى بلغت مسجدًا لكل ألف مسلم في الجمهورية، والآن عدد المساجد بها ثلاثة عشر مسجدًا، وهكذا كان الإسلام مزدهرًا بها قبل الثورة الماركيسية في روسيا. ولقد أنشئ في قازان مركز للدعوة الإسلامية، واجتهد علماء قازان في نشر الدعوة، وطبعوا منشورات لها، واهتموا بالتعرف على الإسلام باللغة التتارية، وانتشر الدعاة (مليات) وطلاب جامعة قازان في القرى والفيافي يدعون الناس للإسلام، ونشطوا في هذا الأمر بعد صدور قانون حرية التدين في روسيا سنة 1905م، ونجحوا في بث الدعوة الإسلامية بين تتار سيبريا، وبعد أن استولى السوفيت على الحكم، انقلبت الأوضاع، وواجه التتار حربًا قاسية على معتقداتهم، فأغلقت المدارس الإسلامية، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان عاصمة تتاريا، وواجه المسلمون مواقف مؤلمة، ثاروا ضد الاضطهاد الديني، وقدموا العديد من الشهداء، حتى أولئك الذين تعاونوا مع الشيوعيين في البداية، مثل السلطان علي أوغلي، والذي دعاه السوفييت باسم عالياف، وقد نادى بتوحيد المسلمين في روسيا في كيان دولة واحدة تتحد مع السوفيت على مستوى واحد، فقبض عليه سنة (1342ه - 1923م)، وأعدم في سنة (1356ه - 1937م)، ولقد رفض السوفيت وحدة الأراضي الإسلامية، بل أخذوا يجتهدون في تفتيتها إلى قوميات للقضاء على الوحدة. ولقد أدمج الروس كل المناطق الإسلامية التي توجد في روسيا الأوربية في إدارة دينية واحدة، مقرها في مدينة أوفا عاصمة جمهورية بشكيريا، وتشرف على المسلمين في سيبريا أيضًا، وجردوا هذه الإدارة من كل السلطات، فأصبحت أمرًا شكليًّا، ولكن في الآونة الأخيرة تغيرات الأمور مع تنامي دعوات الحرية والانفتاح التي شهدته فدرالية روسيا.