لجأت جهات فرنسية مشبوهة إلى مناورة مفضوحة في طريقة تعاملها مع ملف رعاياها المختطفين في الصحراء الكبرى بعد فشلها في الميدان، حيث زعمت أن الجزائر سمحت لأمريكا بإقامة قاعدة عسكرية على أراضيها، في خطوة منها لتحريض الدول المجاورة في منطقة الساحل على الجزائر التي ترفض مطلقا أيّ تدخّل أجنبي بالمنطقة مهما كان نوعه وشكله وجنسه، لاسيّما وأن الجزائر من أشدّ المناهضين لفكرة تأسيس قاعدة عسكرية بالمنطقة بحجّة محاربة الإرهاب، على اعتبار أن دول المنطقة قادرة على دحره بإمكانياتها الخاصّة. وتسعى فرنسا حسب متتبّعين للشأن الأمني بالصحراء الكبرى من خلال ادّعاء وجود قاعدة عسكرية أمريكة بالأراضي الجزائرية، إلى إثارة الفتنة بين الدول السبع التي عقدت اتّفاقية لمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل دون تدخّل أجنبي بالمنطقة، واتّفقت على عدم قَبول فكرة القاعدة العسكرية بالمنطقة بأيّ حجّة كانت. وتحاول أجهزة الأمن الفرنسية التي نشرت المعلومة في الصحيفة الفرنسية »لوكانار أونشيني« إلى زعزعة الثقة بين الدول المعنية، وتظهر الجزائر البلد الرّيادي في محاربة الإرهاب في المنطقة على أنه يعمل من وراء ظهر دول المنطقة و»يحلّل« لنفسه ما »يحرم« على غيره. وقال متتبّعون إن ما نشرته صحيفة »لوكانار أونشيني« الفرنسية بشأن وجود قاعدة عسكرية أمريكية في الجزائر مجرّد »مناورة مفضوحة« هدفها »الضغط على الحكومة الجزائرية لحملها على تغيير موقفها بشأن مجموعة من القضايا التي لها علاقة بفرنسا، وفي مقدمتها ملف مكافحة الإرهاب«. وأضاف المراقبون للشأن الأمني بمنطقة الصحراء الكبرى أن موقف الجزائر الرّافض للتدخّل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل لم يرق لباريس، متسائلين كيف لبلد مثل الجزائر الذي تصدّى بشراسة لفكرة إقامة قاعدة الأفريكوم في إفريقيا ورفضت استضافة مقرّه، أن تقبل بوجود قاعدة أمريكية فوق أراضيها، موضّحين أن واشنطن قد اقتنعت بهذا الموقف وقرّرت التخلّي عن فكرة نقل مقرّ »أفريكوم« من شتوتغارت إلى دولة إفريقية. وشدّدت المصادر نفسها على أن أجهزة الأمن الفرنسية سرّبت معلومات لوسائل الإعلام بشأن احتمال نقل الرّهائن الخمسة الذين اختطفهم ما بات يسمّي نفسه بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالنّيجر إلى الصحراء الجزائرية لتبرير فشل الاستخبارات الفرنسية في العثور عليهم، رغم أن دول النّيجر ومالي وموريتانيا فتحت الأبواب على مصراعيها لهذه الاستخبارات. وأوضحت أن الرّهائن لم ينقلوا إلى الجزائر، واصفة الترويج لذلك ب »مناورة هدفها إيجاد مخرج مشرّف لفشل السلطات الفرنسية في العثور على رعاياها، ومن جهة أخرى الضغط على السلطات الجزائرية وحملها على السماح للقوّات الخاصّة الفرنسية بالدخول إلى التراب الجزائري بحجّة البحث عن الرّهائن«، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا لأن الجزائر لن تسمح لقوّات فرنسية بوضع قدم فوق ترابها. واعتبرت أن الجزائر مستعدّة للتعاون مع فرنسا في موضوع مكافحة الإرهاب، موضّحة أن أجهزة الأمن الجزائرية تقوم بجهد كبير للعثور على الرّهائن الفرنسيين والأفارقة الموجودين في قبضة الجماعات الإرهابية. وكان إيرفي موران وزير الدفاع الفرنسي قد صرّح بأن الجزائروفرنسا شريكتان في الحرب على الإرهاب، مشيرا إلى أنه بصرف النّظر عن الاختلاف في وجهات النّظر فإن البلدان يتعاونان في مجال المعلومات والاستخبارات. ولعلّ المتتبّع للتدابير الميدانية التي سارعت فرنسا إلى اتّخاذها مباشرة بعد الإعلان عن اختطاف رعاياها الخمس على رأسها إيفاد ثمانين جنديا إلى »أرليت« لتعقّب عناصر الجماعات الخاطفة مدعومين بطائرات حربية فرنسية، يفسّر إلى حدّ ما ما يمكن تشبيهه ب »الإنزال الدبلوماسي الفرنسي« الذي تشهده العاصمة الجزائر منذ أزيد من أسبوع، ينظر إليه المتتبّعون لملف العلاقات بين قصري الإليزيه والمرادية على أنه محاولة من باريس لإقناع الجزائر بخطواتها العسكرية وبسياستها الجديدة بمنطقة الساحل منذ العملية العسكرية الفرنسية الموريتانية الفاشلة وتبرير تحوّلها الواضح في التعاطي مع ملف الاختطافات، أي الانتقال من استراتيجية المفاوضات إلى التحرّك العسكري الميداني.