التكاليف المادية التي باتت تفرضها الأعراس الجزائرية والتي صارت تصل إلى عشرات الملايين فرضت على العروسين الاهتداء إلى حلول من شأنها تقليص نفقات العرس وتسهيل الخطوة التي باتت صعبة في ظل الظروف التي تتخبط فيها الكثير من العائلات وانعدام مصادر الدخل وقلة فرص العمل بالنسبة للجنسين معا. نسيمة خباجة ومع تأخر سن الزواج في الجزائر حسب ما كشفته الإحصائيات إلى ما فوق الثلاثين وربما الأربعين في بعض الحالات، راح المقبلون على تلك الخطوة إلى إلغاء بعض العادات والأعراف التي كانت بصفة ملزمة في الأعراس الجزائرية والتي لا ننفي أنها اتخذت منحى التبذير لِمَ فيها من مغالاة، نذكر منها اختيار أرقى قاعة لإقامة الزفاف، وجلب الفرق الموسيقية وحتى جلب مطربين ذاع صيتهم في عالم الأعراس مقابل العشرات من الملايين، بل حتى هناك قاعات تصل تكلفتها إلى أكثر من 100 مليون سنتيم فأكثر، وهي بالطبع غير متاحة للجميع بل لرجال المال والأعمال والعائلات الميسورة لاسيما وأن العائلات المتوسطة هي بالكاد تقوى على كراء قاعة عادية أو تقيم عرسها بالبيت حسب ما تحكم به ظروفها المادية. فتكاليف الأعراس الجزائرية باتت الكابوس الذي يرعب المقبلين على الزواج من الجنسين معا خصوصا مع التقليد والمنافسة الحاصلة بين الأسر، فالقاعة صارت تحصيلا حاصلا، أما الحلويات فصارت هي الأخرى تأخذ جزءا مهما من ميزانية الأعراس وقد تصل إلى مبلغ مهم خصوصا إن كانت تعتمد في تحضيرها على اللوز وباقي المكسرات كالجوز والفستق. وتجدر الإشارة أن حتى الحلويات صارت محل فخر بين العائلات بعد أن برعت سيدات في تحضيرها. ظاهرة العرس الموحّد تلقى إقبالا وكما يعلمه الكل فالعادات الجزائرية تفرض على كلا العروسين أن يقيم عرسا لوحده تتخلله العديد من المظاهر من تصديرة إلى تحضير الحلويات وكذا جلب فرق موسيقية يكون أدنى مقابل لها يتعدى 1 مليون سنتيم من دون أن ننسى الحضور الضروري لمختص في التصوير لالتقاط صور تبقى ذكرى، إلى جانب إنجازه قرص مضغوط بكل تفاصيل العرس، وغيرها من العادات والتقاليد التي تنفقها العروس إلى جانب العريس، فالعروس تقيم عرسها لوحدها مع أهلها وأقاربها والعريس يقيم عرسه لوحده هو الآخر مع أهله عند زف العروس، أي أن التكاليف تكون من جانب العروس وكذلك العريس واختار البعض تقليصها بإقامة عرس موحد، بحيث تستغني الفتيات عن إقامة العرس ببيت الأهل ويكتفين بإقامة عشاء ودعوة الأقارب وتلغي تماما القاعة والحلويات وكذلك التصديرة، بحيث تكتفي الفتاة بلبس فستان أو جبة تقليدية في ليلة العشاء لتقيم التصديرة يوم زفها إلى بيت زوجها وبذلك تختزل الكثير من التكاليف لاسيما الحلاقة التي باتت تتعدى 1 مليون سنتيم وقد تصل إلى 2 مليون سنتيم، من دون أن ننسى اختزال المبلغ الضخم للقاعة. ولم تتأثر بعضهن بعدوى التقليد واختارت تقليص النفقات بكل السبل ورأين أنه لا فائدة من إضاعة المال من أجل التعالي والتنافس وكذا الافتخار الذي بات من الأمور المعيبة التي تميز الأعراس الجزائرية. تقول سميرة (أنا مقبلة على الزواج بعد حوالي شهر واخترت إلغاء القاعة وسألتزم بإقامة عشاء أجمع فيه العائلة والأحباب ولا أجد أي منفعة من إقامة كلا العروسين عرسا لوحده بل هو زيادة في الأعباء والنفقات، فإقامتي لعرس يعني الذهاب إلى الحلاقة ودفع مبلغ مهم، وكراء قاعة حفلات بمبلغ أعلى من الأول وتحضير أنواع من الحلويات لإكرام المدعويين وغيرها من التكاليف الأخرى التي يتطلبها العرس، لذلك فضلت الاكتفاء بعشاء لا أقل ولا أكثر، أما التصديرة فسأقيمها ببيت العريس الذي استغنى هو الآخر عن قاعة الزفاف بسبب الغلاء، وكذلك بسبب تفادي التبذير كوجه سلبي لتلك العادات). لا مفر من اقتسام النفقات بين العروسين أما آخرون فاختاروا اقتسام الأعباء في حال ما إذا تم كراء قاعة لمرة واحدة بغية إقامة عرس موحد، بحيث يقوم العريس بدفع مبلغ القاعة لتقوم العروس بتحضير الحلويات ويحضر إلى القاعة أهل العروسين معا، ولكل طريقة في اقتسام الأعباء ما وضحته الآنسة سلاف التي قالت إنها اختارت وخطيبها إقامة عرس موحد لتقليص النفقات واقتسما بذلك الأعباء، بحيث تكفل هو بكراء القاعة لجمع المدعويين بما فيهم أهلها وأهله، واختارت هي أن تتكفل بصناعة الحلويات خصوصا وأن قريباتها يصنعن أجود أنواع حلويات الأفراح وتكتفي هي باقتناء اللوازم فقط، ورأت أن لا حاجة لها لإقامة عرس بقاعة بمفردها وكذلك الحال بالنسبة للعريس كما فسرت أن في ذلك تبذير معلن. فيما اختار عروسان آخران الاشتراك في كل شيء حسب ما وضحه السيد مصطفى الذي قال إنه اختار وخطيبته إقامة عرسهما في قاعة تكلفتها 20 مليون سنتيم وهي قاعة راقية، ورأى أن ذلك أحسن من إقامة عرسين في قاعتين عاديتين قد تكلف كلاهما مبلغا معتبرا واختزلوا الخطوة في قاعة واحدة، وكذلك الحال بالنسبة للحلويات وباقي التكاليف، فإقامة عرس موحد حسبه هو خطوة إيجابية ستفك كل العيوب التي تلاحق أعراس اليوم على رأسها التبذير والمنافسة الحاصلة بين العائلات. وسار على ذلك الدرب الكثير من المقبلين على خطوة الزواج وهي كلها تدابير لتيسير المشروع الذي صار حملا ثقيلا على الكثيرين بسبب متطلباته التي هي من صنع البعض، ورأى الكل ضرورة اختزال الأعباء للقضاء على آفة التبذير التي صارت صورة تطبع الأعراس الجزائرية. أثرياء لا يهمهم الأمر وقاعات أعراسهم ب140 مليون بعد أن راح أغلب الناس إلى تدبر أمورهم ووقوفهم حائرين أمام مظاهر الأعراس التي بات يميزها التبذير والبذخ والتنافس الشرس وانتهاجهم بعض الحيل لحفظ ماء وجوههم طبقا للمثل الشعبي المتداول منذ القدم والذي يقول (دير كيما العباد ولا بدل لبلاد)، فمهما رحنا أو عدنا فإن تعاليق الناس التي تلحق الأعراس وملاحظاتهم لا ترحم، والمقارنة بين عرس فلان وفلان آخر هي حتمية لا مفر منها مهما بلغ مستوى العرس، ومادام أن إرضاء الناس هو غاية لا تدرك في الوقت الحاضر يعمل البعض دوما على إقناع أنفسهم ومنه راحت بعض الأسر إلى إقامة أعراس في حدود تكاليفها، لكن من جهة أخرى نرى أن هناك من الأسر من لا يهمها علو التكاليف ونعني هنا الأسر ميسورة الحال، بحيث هناك اختلاف شاسع اليوم بين أعراس الأسر البسيطة وأعراس الأثرياء فالقاعة الفخمة هي شرط ضروري للأثرياء والتي وصلت إلى سعر 140 مليون سنتيم وهي فعلا قاعات للملوك بسبب تواجدها بأماكن راقية وكذا مستوى خدماتها الراقي جدا، وتبقى تلك القاعات من نصيب الأثرياء ويدفعون فيها كل تلك الأموال في الوقت الذي يذهب فيها بعض العرسان إلى اختيار العرس الموحد كحل أخير، والسهر على حساب نفقات العرس حسابا دقيقا للظهور بمظهر لائق أمام الأحباب والأقارب على حسب ما تفرضه الذهنيات الطاغية، من ناحية أخرى يختار البعض إهدار المئات من الملايين في عرس فخم تتداوله الألسن فيما بعد وحجتهم في ذلك أن فرحة العمر لا تضاهيها فرحة ويسهل كل شيء بحضور (التيكي) أو (الشكارة). ومهما قيل ويقال فإن السعادة لا تُشترى بالمال، وتُلغى كل تلك الشكليات أمام هدف بناء أسرة سعيدة ومتماسكة جذورها الزوجان وثمارها الذرية الصالحة.