يثقل التفكير في مصاريف الزواج كاهل المقبلين على إتمام نصف دينهم، حتى أصبح العديد منهم يحنّون إلى زمن الأجداد، يجتمعون على “قصعة طعام” ولا يكلفون أنفسهم إلا اقتناء الضروريات التي تمكّنهم من بدء حياتهم الجديدة. صار الزواج يتطلب جمع أجور أعوام من العمل والكد، وباتت العائلات الجزائرية أكثر طلبا للكماليات، فوالدة فلانة تريد “قاعة آخر صيحة” ووالدة علانة تريد “ليموزين” لابنتها ووالد فلانة يشترط منزلا بكافة التجهيزات. وإن كانت أمور كهذه لا تخرج عن الطلبات الطبيعية أو الروتينية، إلا أن متطلبات أخرى تدخل في إطار البذخ باعتراف “حاملي المشاريع الزوجية” الذين التقتهم “الخبر”. وما تتطلبه إقامة حفل الزواج قد يخرج عن نطاق قدرة الزوجين، ويكون المبلغ الذي يتم صرفه على “بروتوكولاته” قادرا على توفير مشروع مصغر يمكّن الشابين من الانطلاق في حياتهما أو توفير منزل بسيط يعيشان فيه بعيدا عن متاعب الكراء. وما يشترطه أهل العروس من مطالب سائدة في أعراف وتقاليد المجتمع، يجد الزوج نفسه مجبرا على الالتزام به “رغم أنفه”، من إنفاق استهلاكي يرهق ميزانية العريس لسنوات، وقد لا يستطيع تحقيق حلمه بالارتباط مع شريكة حياته إن لم يقترض من كل صديق وقريب، ويقف الشاب هنا بين خيارين إما أن يواصل المشوار أو الابتعاد أو الإحجام عن الزواج إلى أجل غير مسمى. وارتبط الزواج في مجتمعنا بالعديد من القيم المكلفة والمرهقة والتي يلتزم بها الخاطب أو العريس في مواقف الخطبة والعقد ولو تكبّد الكثير من الأعباء والالتزامات عليه وعلى أسرته، تضاف إليها مسألة المفاخرة وحب الظهور بمظهر مشرف أمام الآخرين أو أحسن منهم بذخا وسمعة في حفلات زواج اليوم. البداية من محلات المجوهرات يجد الشاب والشابة نفسيهما محاصرين بين المصاريف الكبيرة التي تفرض عليهما وهما مقبلان على إتمام نصف دينهما، حيث أبدى عبد الحق رواينية الذي كان بصدد التجوال بين محلات بيع المجوهرات في ساحة الأمير عبد القادر بالعاصمة، إصابته بالإعياء نتيجة التنقلات اليومية للبحث عن “عقد ذهبي” مناسب في السعر والشكل يحمله إلى خطيبته. محدثنا الذي كان منهكا والعرق يتصبب على جبينه، ظهر عليه الاستياء، ذلك أن أهل زوجته اشترطوا “العقد الذهبي” ومبلغ “10 ملايين سنتيم” ومقتنيات أخرى تتمثل في الملابس والعطور وغيرها من محتويات “الطبق”، إضافة إلى ضرورة القيام بالعرس في قاعة للحفلات والتي يزيد سعر كرائها على ال20 مليون، وسيارة “ليموزين” لزفها من منزلها إلى قاعة الحفلات. مصاريف “ضخمة” يراها محدثنا غير ضرورية، خاصة أن زوجته المستقبلية غير متمسكة بها، وإنما وجدت نفسها مضطرة لإرضاء والديها، ما نجم عنه صعوبات حالت دون تحضير الزوجين لنفسيهما في وقت محدود. بروتوكولات وشكليات فتيحة التي تنتظر زفافها منذ 3 سنوات، أكدت أن الشروط التي توضع لكلا الزوجين من طرف الأهل، تعرقل وتعطل بناء البيت الزوجي في فترة وجيزة. وترى محدثتنا أن كل هذه المطالب لا تخرج عن كونها “بروتوكولات تنتهي بانتهاء الزفاف”، ورغم يقين العديد من المتزوجين بهذا، تضيف، “لا نجد العائلات تتنازل عن طلباتها وتضع الطرفين في ورطة”. "التصديرة”.. الكابوس الذي لا مفر منه وبالأسواق التجارية لبلدية باش جراح التي تعتبر مقصدا للمقبلات والمقبلين على الزواج، صادفنا سامية وهي تشرف على اقتناء بعض المستلزمات التي تخص “التصديرة”، فكانت محتارة بين اقتناء “قفطان مغربي” أو لباس عاصمي يعرف ب«الكاراكو” أو “جبة قسنطينة”، كون أسعارها لا تقل عن 8 ملايين سنتيم للبدلة الواحدة، وتقول سامية إن أسعار الملابس التقليدية تتراوح بين 3 ملايين سنتيم و20 مليون سنتيم للبدلة الواحدة، ومنها ما يزيد، ما يجعل “التصديرة” تكليفا شاقا بالنسبة للفتاة، ناهيك عن ارتفاع سعر تسريحات الشعر إلى حدود 3 ملايين سنتيم ونصف. وتفضل محدثتنا لو سمح لها أهلها بالاستغناء عنها، هؤلاء الذين يواجهونها في كل مرة اعترضت على شروطهم بعبارة “العرس مرة واحدة في حياتك”. تكاليف تؤجل العرس مرتين كان حميد رفقة خطيبته وسيلة بإحدى زوايا أحياء باش جراح، حيث يتواجد باعة “الدلالة” الذين يحملون معهم كافة أنواع المصوغات التي يبيعونها عشوائيا وبعيدا عن أعين الرقابة الأمنية، كان بصدد اختيار عقد ذهبي وخاتمين لإهدائهما لخطيبته خلال الزفاف، ولدى تقربنا منهما أكد الطرفان أنها خطوة كانا قادرين على التخلي عنها لو رجع الأمر إليهما مع غلاء أسعار الذهب التي تعدت 20 مليون سنتيم للعقد. الكراء والتأثيث شغلهم الشاغل قالت وسيلة إن هذا الأمر جعلها وخطيبها يؤجلان موعد عرسهما مرتين إلى حد الآن، بالنظر إلى المصاريف الكبيرة التي تلاحقهما، فبعد البحث عن منزل للكراء طيلة 6 أشهر، تمكن الزوجان من العثور على شقة من 3 غرف بمبلغ 35 ألف دج للشهر الواحد وتجهيزه بمختلف التجهيزات الكهرومنزلية والأثاث الضرورية التي كلفتهما ميزانية تعدت 25 مليون سنتيم، ناهيك عن مصاريف الزفاف التي تنتظر. المرأة صارت تباع وتشترى يرى رشيد أن المرأة حوّلت إلى سلعة تباع وتشترى في سوق الزواج، وهو ناقم على شروط المجتمع التي جعلته لا يتمكن من الاستقرار في بيت الزوجية وسنه 37 سنة. ويقول رشيد إنه يعمل كعون أمن في مؤسسة خاصة ولا يتقاضى إلا مبلغ 20 ألف دج، ما يجعله غير قادر ماديا على إتمام نصف دينه خاصة حينما يتم “التساوم” على المهر والشرط “غالي ورخيص”، ما جعله ينسحب من تجربتين حاول خلالهما الزواج، إلا أنه لم يستطع التكفل بمتطلبات أهل العروس. متى تنتهي المعاناة؟ وحين يفهم المهر على أنه ثمن للاستمتاع بالمرأة واستخدامها كيد عاملة داخل البيت وخارجه، يتعرض غلاء المهور لانتقادات الكثيرين من رجال الدين والشباب، إلا أن انتقاداتهم لا تؤخذ بالاعتبار إلا نادرا. وقد تلجأ بعض العائلات إلى خفض مهر البنت وجعله أدنى مستوى، إلا أن هناك مهرا آخر يقدم للزوجة وهو نفقات كثيرة يعجز عن حملها “الخاطب المسكين”، فبين الهدايا و"حقيبة الملابس” والسيارات الفاخرة، يجد نفسه غير قادر على النوم وأسئلة كثيرة تراوده “متى ينتهي الكابوس؟”. "هات” كلمة يمجّدها الأهل "لو كان الأمر يقتصر على الأشياء الضرورية لقلنا ماعليش، لكن المشكلة في الأمور التافهة ومنها هدايا الخطبة والفاتحة والمولد النبوي والأعياد ومواسم أخرى”، هذا ما قالته نجية مبدية استياءها من تعتيم أجمل فترة في حياة الزوجين “فترة الخطوبة”. وتضيف “لو أعفتنا عائلاتنا من المصاريف الزائدة لتزوجنا في مدة 6 أشهر”، فمن نفقات الحفلات والإسراف في شراء الأقمشة والذهب والجواهر والمبالغة في تأثيث بيت الزوجية وغير ذلك، لا يجد الخاطب من أهل الزوجة إلا كلمة “هات” حتى يصل معهم الأمر إلى اشتراط إحضار فستان الزواج الأبيض وعلب الحلوى وبطاقات الدعوات حسب النوعية التي يريدونها والحفل في أرقى القاعات إن لم يشترطوا إقامته في فندق.
العلب إجبارية و150 دج للحبة الواحدة أزيد من 7 ملايين سنتيم لحلوى العرس ❊ يقول أحد صانعي الحلويات التقليدية والعصرية بأحد المحلات في حي بلكور بالعاصمة، إن حفلات أعراس اليوم أصبحت تتطلب إعداد علبة حلوى تحتوي على 4 أصناف فما فوق، ناهيك عن الحلويات المخصصة للشاي وتلك المحضرة خصيصا للعروس، مقدرا تكلفة تشكيلة كاملة منها بما لا يقل عن 7 ملايين سنتيم. 20 مليون سنتيم ل4 قطع خاصة ب"التصديرة” تقول إحدى المتخصصات في الخياطة والطرز التقليدي ببلدية سيدي امحمد في العاصمة، إن تكاليف التصديرة تختلف من فتاة إلى أخرى وفقا لذوقها وإمكاناتها المالية. وأوضحت بأن خياطة تصديرة من 4 قطع، تكلف صاحبتها ما بين 15 و20 مليون سنتيم.