ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أبا ذر، فقال له ((لو أردت سفراً أعددت له عدة؟، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف بسفر يوم القيامة؟، ألا أنبئك بما ينفعك ذلك اليوم؟، قال: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: صم يوماً شديد الحر ليوم النشور، وصل ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وحج حجة لعظائم الأمور، وتصدق بصدقة على مسكين، أو كلمة حق تقولها، أو كلمة شر تسكت عنها)). هذا الحديث الرائع يذكرنا بالزاد الإيماني الأصيل الذي يجب أن يتسلح به المؤمن في أثناء خوضه متاهات الحياة المليئة بالملمات الجسام. هذا الزاد المفقود الذي أصبح غائباً عن الأنظار، بل وأضحى أمراً هامشياً في حياة الناس الذين لا همَّ لهم إلا الجري وراء لقمة العيش، والتزود بزاد الدنيا الفانية، وانصرفوا لشر مستطير صنعه أحفاد القردة والخنازير، فأضحت عيوننا تبكي دماً على نقاوة الأخلاق السامية التي نبتغيها في زمن صعب للغاية تخمد فيه القرائح، وتجمد فيه العقول من وحي مناظر مريبة تقشعر منها الأبدان، ومن وحي تصرفات شائنة غير ملتزمة بدين الإسلام. وإزاء هذه الظواهر المتفاوتة يبدو لنا ومنذ الوهلة الأولى أننا بالفعل في مسيس الحاجة إلى التزود بالزاد الروحاني المفقود الذي غاب عن صفحات الوجود نتيجة للهنات المخجلة التي يرتكبها البشر فتكون لهم مزلقة للشرور والآثام المؤدية إلى قبح التصرفات والالتفات لما يقصم ظهر المسافر. ومع سير المسافر في طريق الآخرة لابد له من التوقف لحظات للاندفاع في أحضان المدرسة الإيمانية، ثم الحركة الهادفة المقرونة بالإخلاص والصدق مع الله تعالى، وتحقيق الأهداف المرجوة لحب الخير للآخرين، لا لتحقيق اللذة والمتعة والترفيه عن النفس كما يفعل البعض. فالداعية إلى الله تعالى الصائب في توجهاته يجب ألا يشتكي بأي حال من الأحوال من وجود فراغ في وقته، ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يرقد عند أسوار القسطنطينية بتركيا، وهذا عقبة بن عامر يرقد بمصر، وهذا بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقد في دمشق، وكلها نماذج جالت الأمصار في سبيل استغلال أوقاتها في الخيرات، أما نحن فقد جلنا الأماكن في سبيل الترفيه عن نفوسنا الضعيفة، وأضعنا الأوقات فيما لا يرضي الله تعالى. كما يجب ألا يفوت عن الأنظار تلك المخالطة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ))، وكما قيل: إن أقل العيب على المرء أن يجلس في داره. أما رابع هذه الأساليب كما ذكرها الشيخ جاسم محمد المطوع في كتابه: الوقت.. عمار أم دمار؟ فهي حب المساعدة وقضاء الحاجات، فهي بلا ريب تعطي الإنسان الحيوية في وقته إن هو عرف كيف يستغله وينظمه، فهذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) . وهناك ما يعين على استثمار أوقات الفراغ القاتلة من الفتن والملهيات عبر أسلوب ملازمة الصالحين من الإخوان في الله تعالى الذين يعينون على الطاعة، ويذكرون بالخطأ. فالمسلم قوي بإخوانه متى ما امتثل لأوامر الله تعالى، وابتعد عن أهواء نفسه ونظراته الشخصية، وصقل نفسه بتوجيهات إخوانه واستمع للرأي العام الصالح وإن خالف هواه. ولابد من الالتفات لمبدأ ابتغاء الأجر والمثوبة في كل حركات المسلم وسكناته، فإن الإحساس بمثل هذا الشعور يعطي النفس الدافع الأكبر لتحقيق الأهداف المرجوة في الحياة، فهذا معاذ بن جبل يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وهذا هارون الرشيد يخاطب مؤدب ابنه: ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه. وهناك الكثير من الأساليب التي يجب أن تتبع في حياة البشر مثل المشاركة في البرامج النافعة الملتزمة بروح الشرع الحنيف، لا المشاركة كما يفعل البعض في بعض البرامج التافهة التي تربي الجيل على الانحطاط الفكري والضعف الخلقي. ثم القراءة وتغذية العقول التي أسرفنا في التقصير معها فأضحت عقولنا خاوية فارغة لا تكتسب صفة تكوين النظرة الحضارية في مجتمع التمدن، والحضارة، والتقدم. فهذا شيخنا علي الطنطاوي طيب الله ثراه يقول: لو أحصيت معدل الساعات التي كنت أطالع فيها لزادت على عشر في اليوم. فأين نحن من ذلك؟ ومع كثرة الأساليب، يجب ألا ينسى الداعية إلى الله تنظيم الأوقات وتنسيقها، وتحويل تلك الأساليب إلى برنامج متكامل حتى ينعم بفوائده، وحتى تذهب إلى غير رجعة عبارة (عندي فراغ)، أو (ليس لدي شيء)، فنسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا، ويجعلنا من الذين يستفيدون من أوقاتهم. فاليوم الذي يمضي لا يعود أبداً، كما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادٍ يابن آدم أنا خَلْقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.