ليس ثمة شك أن الشيخ محمد الغزالي الذي عاش بين عامي (1917-1996) كان له دور ملحوظ في تجديد الفكر الإسلامي على مدى النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، باعتباره يمثل الجيل الخامس في مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامي الحديثة التي قادها الأفغاني ومحمد عبده خلال النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي. هكذا يرى الكاتب المصري محمد يونس، العالم والمفكر الإسلامي المصري، الشيخ محمد الغزالي، في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان تجربة الشيخ محمد الغزالي في تجديد الفكر الإسلامي، ووصفه المفكر الإسلامي والفقيه القانوني المصري، طارق البشري، في تقدمته للكتاب بأنه عاش متفاعلا مع عصره وامتزجت دنياه مع دينه امتزاجًا عميقًا حتى إننا نكاد نؤرخ لكتبه بعناوينها لنعرف متى كتبت. ويرى البشري كذلك أن الموقع التاريخي لفكره يجعله يقف على مجمع البحرين، بحر المحافظة على الأصول والزود عن الثوابت، وبحر التجديد الفكري والفقهي. ويبين مؤلف الكتاب مساحات تأثر الغزالي بفكر حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، لافتا إلى أنه نشأ في رحاب حركة الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يستمر فيها واختار لنفسه طريقا خاصا، منطلقا من استقلالية رأيه، والروح النقدية التي لعبت دورا في دفعه ليكون أحد رموز التجديد الإسلامي في العصر الحديث. ويعتبر يونس أن الظروف التي أنتجت رواد هذه المدرسة لا تزال مستمرة بشكل أو بآخر، فرغم حدوث الاستقلال السياسي في المجتمعات الإسلامية، إلا أن التبعية الاقتصادية والثقافية والإعلامية للغرب لا تزال باعتباره المركز المنتج ولا يزال الشرق الإسلامي هو الهامش المستهلك. الغزالي المولود في إحدى قرى محافظة البحيرة بدلتا مصر، شمالا، ألف ما يقرب من 58 كتابا، أصدرها على مدى 50 عاماً، تناول في أغلبها الفكر السياسي والاجتماعي، حيث ناقشت قضايا العدالة الاجتماعية والعروبة والاستبداد والشيوعية والقومية وحقوق الإنسان. ومن أبرز ما كتب الإسلام والأوضاع الاقتصادية، والإسلام والاستبداد السياسي، وهموم داعية، وجدد حياتك، وقضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة ويبين المؤلف، أن الغزالي قدم رؤى تجديدية في ميادين عدة، من أبرزها: تفسير القرآن الكريم، تصحيح تعامل المسلمين مع السنة النبوية، طرحه اجتهادات وترجيحات فقهية وفكرية في العديد من القضايا المعاصرة بخاصة في مجالات الفنون وتحرير المرأة. إضافة إلى تناوله جملة قضايا معاصرة. ويشير يونس، في السياق، إلى أن الشيخ الغزالي تبنى منهجاً جديداً في الدعوة، يتفق مع أحدث ما توصلت إليه نظريات الاتصال والإعلام في توصيل الرسالة إلى المتلقي وإقناعه بها، ما جعله ينقل مسيرة التجديد من الصفوة إلى الجماهير. يتضمن الكتاب خمسة فصول تتناول سيرة ومسيرة الشيخ محمد الغزالي والموقع الفكري له، في مدرسة التجديد الإسلامي الحديثة. كذلك: معالم منهجه العلمي في التجديد، الغزالي والتجديد الإسلامي في الميدان السياسي، إسهاماته في إصلاح الفكر الإسلامي، تجربة الغزالي الدعوية في ميزان علم الاتصال. كما يرصد الكتاب ثلاث ركائز رئيسة انطلقت منها تجربة الغزالي في إصلاح الفكر الإسلامي وتجديده، وهي: تصحيح أسلوب تعامل المسلمين مع القرآن الكريم والسنة النبوية (بحيث يكون برؤية حضارية تضع نصب أعينها مقاصد الإسلام الكبرى)، توجيه العقلية الإسلامية المعاصرة إلى العودة إلى الاعتماد على حقائق الدين النقية، إعادة ترتيب أولويات العقل المسلم بحيث تنال اهتمامه الأساسي القضايا الجوهرية لا الثانوية أو الهامشية. كما يوضح مؤلف الكتاب، أن الغزالي قدم للأمة الإسلامية تفسيراً جديداً للقرآن الكريم. وأما على صعيد جهوده لإصلاح الفكر الإسلامي، فكان ينبه الغزالي دائماً، إلى تكامل رسالة الإسلام. وينهى عن التجزيء المفتعل، ويصحح فهم الناس لجوهر الدين ومقاصده. كما أنه يرجع ما يحدث للمسلمين اليوم، إلى تخليهم عن جوهر الدين الحنيف، مشيراً إلى التخلف العلمي.. والاستبداد الذي لا يزال يخيم على العديد من المجتمعات الإسلامية.. لينتهى إلى أن مأساتنا: (أننا مصابون في أخلاقنا). ويوضح الكتاب أن أول خطواته لتصحيح تعامل المسلمين مع القرآن الكريم، تبدأ بتصحيح مفهوم قراءة كتاب الله، فهو ينتقد الوقوف عند الجانب الشكلي للقراءة دون التدبر والفهم فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة، كما يقولون، وكأن ترديد لألفاظ دون حس بمعانيها، ووعي لمغازيها، يفيد أو هو المقصود. وعندما أتبين الموقف في هذا التصرف أجد أنه موقف مرفوض من الناحية الشرعية. وينبه الغزالي إلى شمول الرؤية القرآنية، مبيناً أنها تربط بين العقيدة والكون والنفس البشرية في وقت واحد. فيقول: وجدت أن القرآن ليس كتاباً فنياً مقسماً على قضايا معينة، ثم تنقطع فيه الرؤية الشاملة، بل هو يعرض الكون وهو يبني العقيدة.. ويعرض الكون وهو يربي الخلق.. ويمزج الجميع بطريقة مدهشة. فالنظر في الكون والواقع والتاريخ يقود إلى الإيمان، ويؤصل التوحيد، ويبني الخلق. أما مؤلف الكتاب محمد يونس.أكاديمي متخصص في الشؤون الدينية بالصحف، كاتب صحفي بجريدة الأهرام، حاصل على الدكتوراه في الإعلام الإسلامي. صدرت له كتب عدة، منها: الخطاب الإسلامي في الصحف العربية، الاتصال الإلكتروني في المجتمعات العربية، وموسوعة أبو ظبي واللؤلؤ.. قصة لها تاريخ.