تتواصل، اليوم، بمركز الاتفاقيات بوهران، أشغال الدورة العشرين للمؤتمر الدولي لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الذي انطلقت أشغاله يوم الخميس الماضي بمناقشة موضوعي استكمال عقود الصيانة من عرض الدكتور الغياشي فداد وتقرير الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري بالإضافة الى موضوع آليات وصيغ دور المجامع الفقهية في ترشيد مسيرة المؤسسات المالية الإسلامية من عرض الدكتور محمد مصطفى الزحيلي وتقرير الدكتور محمد احمد حسين . أما بالنسبة ليوم الافتتاح الذي أشرف عليه وزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد بوعبد الله غلام الله فقد تم التأكيد فيه على أن المشاركين من العلماء الأجلاء مطالبون بالبحث عن الحلول المناسبة التي يفرزها التطور السريع للمجتمع على أن يكونوا متشبعين بتعاليم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف المبني على القران الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى جانب هدي السلف الصالح، بالتأكيد على سر وحيوية التشريع الإسلامي المفيد لكل الأزمنة والأمكنة. ومن هذا المنطلق، كان لابد من تجديد الأمور والعمل على تيسير سبل التقدم والتطور مع توفير فرص الحكم السليم والفهم الصحيح للدين القويم في ظل الوضع العام للعالم ليتم وفق ما يتم عليه هذا الواقع الذي يفرض على الجميع مسايرة التطور في هذا العالم الذي أصبح بفضل التطور العلمي قرية الكترونية صغيرة تعقدت فيها شبكة العلاقات بفضل ثروة وقوة المعلومات مما جعل المفكرين الأحرار يدقون ناقوس الخطر. مؤكدين أن مانحتاجه ليس مزيدا من القدرة والثروة وإنما تجديد الصلة اليومية بوحي السماء والرجوع إلى المرجعية الصحيحة كون الفراغ العقائدي يعود بالبشرية جمعاء إلى الظلام الدامس بعدما فتح الله عليها أبواب النور والحرية والانعتاق بفضل الدعوة المحمدية المباركة. وفي نفس السياق، أكد السيد أكمل الدين إحسان اوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أن العالم الإسلامي يعيش تحديات كبيرة ستكون لها تداعيات قوية على العالم أجمع في المستقبل القريب وهو ما يتطلب تحضير المواجهة من خلال نظرة استشرافية من اجل معالجة هذه الأوضاع بانجاز عمل إسلامي مشترك مع بذل الجهود الكبيرة التي قد تكون مضنية ومتعبة مستدلا في ذلك بالمقولة الهامة للعالم الجزائري الكبير مالك بن نبي في مجال استرجاع الفعالية للحضارة الإسلامية ملحا على أن المسلم لم يترك عقيدته التي تخلت عن فعاليتها وتأثيرها الاجتماعي كما أن المذاهب الفكرية التي تواجهها الملل والديانات السابقة تنفي ثابت العقول في بناء حضارة عالية سامية مركزها توحيد الخالق ولا أدل على ذلك مما ورد من آيات كريمة تدعو إلى التسامح واحترام الاختلاف الفكري في القرآن. وأضاف أن هذا ما يميز الإسلام عن الديانات السماوية الأخرى، علما بأن تاريخ الإسلام عرف التعصب في الكثير من فتراته مما جعل العديد من العلماء والمؤرخين في الدين الإسلامي يبحثون الأمر بكل موضوعية وواقعية ومن ذلك توصل الإمام الغزالي إلى مبدأ التعصب الذي تحرص فيه جماعة على طلب الرئاسة باستتباع العوام ولن يكون الخلاص من هذا الواقع من خلال الانجرار وراء الانغلاق بل يجب بذل المزيد من الجهود لتذليل الصعاب. كما أوضح أن هناك بعض الخلافات المذهبية التي بدأت تطفو على السطح من الواجب معالجتها في المهد قبل أن تستفحل وتزداد عواقبها سوءا الأمر الذي يفرض ضرورة تعميق الحوار ما بين مختلف المذاهب الإسلامية لتؤكد عدم جواز التكفير ما دام المسلمون مقبلين على الله ويحترمون أركان الدين الإسلامي الحنيف ولا ينكرون معلوما من الدين، وعليه -أضاف- لا بد من الخروج من هذا النفق بالانفتاح على العالم بروح الإسلام ونبذ التقوقع ووجوب الانخراط في انتهاج الوسطية والاعتدال لأننا نعيش غير منعزلين عن الآخرين في مجتمع هو للجميع زيادة على أن تكاليف الحياة ومستلزماتها تفرض علينا الالتفاف على بعضنا وتنوير الناس وإشاعة الاعتدال بيننا والعمل على تحقيق الالتقاء الفكري لمجموع الأديان بهدف التنسيق لمواجهة الغلو في الدين من خلال التسامح الذي يفتح للمسلمين منهاجا وهاجا يهدي إلى الحياة الكريمة ومن هنا تتجلى أهمية مواجهة الذين يستغلون الفتاوى لأهداف ضيقة شخصية ليصبح المجمع مرجعية للكثير من المشاكل ويسد نقص المؤسسات الحالية مما يؤدي إلى توحيد الرؤى والصفوف. من جهته، ركز الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي وعضو هيئة كبار العلماء بالعربية السعودية على الأهمية الكبرى لانعقاد هذا المؤتمر لأول مرة خارج القارة الأسيوية وبإفريقيا تحديدا بأن الجزائر صارت مضربا للمثل في تقديم الشهداء وستظل بفضل الله من أعز أراضي الإسلام. وقال إن هذا الأمر يفرض إجراء دراسة أهم المسائل ومعالجة أكبر القضايا التي تهم الأمة الإسلامية في توازنها ومستجداتها خاصة وأن المجمع دأب منذ نشأته على دراسة النوازع والمستجدات معتمدا على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم سالكا في سبيل ذلك تحقيق الاعتدال والوسطية بعيدا عن التشدد والتعنت والذوبان ليشارك في الانتماء والهوية للإسلام في ديار العمل ودور المهجر مما يساهم في نشر الاختلاف ونبذ الخلاف. وأوضح أن كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا بالرجوع إلى الله والاعتماد عليه والإخلاص له كما أن المجمع تمكن بفضل الجهود المختلفة والبحوث المعمقة والدراسات الوافية أن يحقق الأهداف التي تصب خيرا في مصلحة الأمة الإسلامية جمعاء. أما الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور احمد خالد بابكر فقد أشاد بالدور الفعال الذي يقوم به المجمع في نبذ الخلافات وتقريب وجهات النظر وبيان أحكام الشرع مع هدف الاستمرار في نهج مواكبة الانجازات والدفع بها قدما على ذات الطريق ليصبح المرجعية الفقهية الأولى في العالم الإسلامي كون الأسباب التي وجد من اجلها المجمع مازالت قائمة. ورغم تكاثر المستجدات وتعاظم التحديات نتيجة الواقع المعقد في الحياة والمعاملات فقد أصبح الواقع الإسلامي بعيدا جدا عن المعتقد الأمر الذي يفرض العمل على تقديم الإعانة للمسلمين أينما وجدوا على أداء الرسالة العلمية المكلفين بها فضلا عن الأنظمة الإسلامية التي أصبحت طوق نجاة لغير المسلمين وهو ما يفرض على المسلمين وخاصة المجمع الإسلامي تقديم الغوث الفكري العلمي الحق للجميع كون الكتاب فصلت آياته من لدن خبير عليم كما جاء في القران الكريم. زيادة على هذا فإن الغاية الأساسية من المجمع هي إعادة الناس وتوجيههم إلى شرع الله والاحتكام إلى كتابه رغم أن ظروفنا اليومية الحالية تفرض علينا التكاثف لتوحيد الصف وجمع الكلمة والتعاون بين جميع المسلمين وتجاوز الخلافات إدراكا أن الأهداف المتوخاة لتحقيق الحاجة الماسة من أجل تنمية محلية مستدامة هدفها توفير النفع العام للجميع دون استثناء لان الفكر لا يحارب إلا بالفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة هو في نهاية المطاف صون لكيان العالم الإسلامي. يذكر انه تم يوم أمس الجمعة تقديم ثلاث محاضرات تعلقت الأولى بأحكام الإعسار في الشريعة الإسلامية والأنظمة المعاصرة من تقديم الدكتور خالد بن سعود الرشود بينما تم في المحاضرة الثانية التطرق إلى موضوع الأحكام والضوابط الشرعية في التامين التعاوني الإسلامي من تقديم الدكتور محمد سعدو الجرف في الوقت الذي تم التطرق في الجلسة المسائية إلى مسألة الصكوك الإسلامية من تقديم الدكتور السعيد بوهراوة، علما بأنه تم توزيع العديد من المشايخ والأساتذة على العديد من المساجد الكبرى لتقديم دروس دينية وخطب الجمعة لفائدة المصلين وذلك تعميما للفائدة.