مع بداية كل موسم دراسي يعود ملف النقل المدرسي ليصنع الحدث بعاصمة الكورنيش جيجل وخاصة بالمناطق والبلديات النائية التي بات تلامذتها يعانون الأمرين للوصول إلى مؤسساتهم التعليمية بل منهم من اضطر للتوقف عن الدراسة في سن مبكرة بعدما فشل الأولياء في إيجاد وسيلة نقل توصلهم الى هذه المؤسسات . وقد دفعتنا الشكاوى المتعددة التي وصلت مكتب «آخر ساعة» بجيجل من قبل المئات من الأولياء المسحوقين والتلاميذ الغلابى لفتح ملف النقل المدرسي الذي بات من أهم ملفات الفساد الخطيرة التي تضرب هذه الولاية الساحلية والذي ظل مسكوتا عنه لفترة طويلة رغم سيل الشكاوى التي تصل الجهات الرسمية وخاصة رؤساء البلديات الذين كثيرا ماحملوا المسؤولية المباشرة في المعاناة التي يواجهها آلاف التلاميذ بأعماق عاصمة الكورنيش وقراها التي لم يعد يجد تلامذتها سوى طلب الرحمة من رب العباد عله يخلصهم من هذه الأزمة التي حولت يوميات الدراسية الى جحيم لايطاق . حافلات تعطلت في ماي ولم يتذكرها المسؤولون إلا في سبتمبر وقد قادتنا رحلة التنقيب عن الأسباب الحقيقة لأزمة النقل المدرسي بعدد من بلديات ولاية جيجل إن لم نقل أغلبها الى عدد من حظائر هذه الأخيرة حيث وقفنا بالصوت والصورة على حافلات تجاوزها الزمن وهي مرمية في هذه الحظائر وقد اعتلاها الصدأ وأحاطها العنكبوت بخيوطها الرفيعة ، وقد تبين من خلال سؤالنا عن حالة هذه الحافلات التي لم تشتغل محركاتها منذ أكثر من ثلاثة أشهر بأن بعضها تعرضت لأعطاب متفاوتة منذ أواخر الموسم الدراسي الماضي أو بالأحرى منذ شهر ماي دون أن يلتفت إليها المسؤولون رغم أن المنطق كان يفرض على هؤلاء المسارعة إلى إصلاحها على الأقل قبل شهر من الدخول المدرسي الجديد ووضعها تحت الخدمة في أول يوم من السنة الدراسية الجديدة وهو مالم يتحقق بأغلب البلديات التي لاتزال العشرات من حافلاتها المدرسية مرمية في هذه المستودعات ومنها ما نقلت الى مستودعات التصليح قبل أيام فقط في محاولة لذر الرماد في العيون . عمال يتعمّدون تكسير الحافلات لزرع الأراضي وجني الزيتون ولم يقف الإهمال الذي طال حافلات النقل المدرسي بجيجل عند حدود رمي هذه الأخيرة في الحظائر أو الساحات العمومية وتركها دون صيانة لأشهر طويلة حتى أضحت بعضها غير صالحة تماما للاستعمال بل بلغ التلاعب بهذه الحافلات أو قل بالمال العام الى حد تعمد بعض عمال البلديات الذين كلفوا بقيادة هذه الحافلات الى حد تعمد تكسيرها وإصابتها بأعطاب عدة حتى تتوقف هذه الحافلات عن العمل وهو مايمنحهم بالضرورة عطلا مدفوعة الأجر كثيرا ماقاموا باستغلالها لممارسة وظائف ونشاطات أخرى كزرع أراضيهم وجني غلال الزيتون وذلك على حساب مصلحة التلاميذ الغلابى ، وهنا روى لنا أحد التلاميذ بعض ماعاشه العام الماضي مع سائق إحدى الحافلات الذي كان يتعمد حسب هذا التلميذ توجيه الحافلة التي يعمل عليها الى الحفر العميقة قصد تخريب قطعها الميكانيكية ناهيك عن قيادتها بسرعة فائقة وسط الطرقات الوعرة وهو ماسمح لهذا السائق عديم الضمير من بلوغ مراده في أكثر من مرة من خلال إصابة هذه الحافلات بأكثر من عشرة أعطاب خلال فترة لا تتعدى الستة أشهر . حافلات تنقل المصطافين إلى شواطئ البحر وأخرى تشارك في الأعراس والتلاميذ يركبون «الباشيات» والحقيقة أن الحكايات التي سمعناها على ألسنة بعض الأولياء وكذا التلاميذ وكذا تلك الصوّر المخزية التي شاهدناها بأم أعيننا ونحن بصدد إنجاز هذا التحقيق حول واقع النقل المدرسي بجيجل تلزم من تبقى في قلوبهم ذرة رحمة وغيرة على واقع قطاع التربية بعاصمة الكورنيش التحرك العاجل لوقف مسلسل المهازل الذي يعيشه قطاع النقل المدرسي بالولاية (18) وإنصاف التلاميذ الذين تعبوا من خزعبلات وعبث من يسهرون على إدارة هذا الملف كيف لا وقد كشفت المعلومات التي تحصلنا عليها باستغلال عدد من سائقي الحافلات المدرسية لهذه الأخيرة في تنظيم رحلات سياحية لصالح أسرهم ومقربيهم نحو الشواطئ والمنتزهات في حين يقطع المئات بل الآلاف من التلاميذ مسافات طويلة تصل أحيانا إلى عشرات الكيلومترات على الأقدام في حين يستعين المحظوظون منهم «بالباشيات» للوصول إلى هذه المؤسسات ، وليت الأمر توقف عند استغلال هذه الحافلات في الرحلات السياحية ونقل الفرق الرياضية بل تعدى ذلك إلى حد استغلال هذه الحافلات في «الزّردات» والحفلات من خلال نقل «العرّاسة» والمشاركة في مواكب الأفراح وذلك دون حسيب أو رقيب. تلاميذ توقفوا عن الدراسة وآخرون يصرخون «ارحمونا لقد تعبنا» وفي ظل تعمد القائمين على قطاع التربية بعاصمة الكورنيش إدارة الظهر لملف النقل المدرسي بالولاية وتحويله إلى مجرد ملف «مناسباتي» لايفتح إلا مع غلق التلاميذ لهذا الطريق أو ذاك أو قرب موعد انتخابي ما فقد وجد العشرات بل المئات من التلاميذ وخاصة الإناث منهم أنفسهم مجبرين على التوقف عن الدراسة في سن مبكرة بعدما فشلت أرجلهم الضعيفة والحافية أحيانا عن مقارعة متاعب الطريق وعجزت جيوب آبائهم عن توفير تلك المبالغ المالية التي تمكنهم من اللحاق بمدارسهم في وسائل نقل أخرى غير حافلات النقل المدرسي الغائبة أو المكتظة في أحسن الأحوال في حين لم يتبق أمام من لازالوا يرفعون شعار التحدي من هؤلاء التلاميذ سوى الصراخ بصوت مرتفع «ارحمونا يامسؤولين لقد تعبنا من المشي على الأقدام ومن ركوب الباشيات في الوقت الذي تعبثون فيه بحافلاتنا وتستغلونها في غير الغرض الذي أستحدثت من أجله...».