منذ شروعنا في جمع المعطيات المتعلقة بملف النقل المدرسي بولاية معسكر بدأ يترسخ لدينا الإنطباع بأن هذه الخدمة تظل »يتيمة« رغم كثرة المتكفلين بها، بدءا من مديرية التربية وإنتهاء بجمعيات أولياء التلاميذ مرورا بالمجلس الشعبي الولائي والبلديات ومديرية النقل ومديرية الإدارة المحلية ومديرية النشاط الإجتماعي. فكل هذه الأطراف معنية بصورة أو بأخرى بملف النقل المدرسي وهو ما يسهل إلقاء طرف مسؤولية النقائص في حالة وجودها (وهي موجودة بطبيعة الحال) على طرف آخر، لا سيما في الأوقات التي تشح فيها الموارد المالية. ولعل أسوأ ما يؤدي إليه مثل هذا الوضع، هو عدم التحكم في إستغلال حظيرة العربات المسخرة للنقل المدرسي حتى ولو كانت أكثر من كافية لتلبية إحتياجات تلاميذ المنطقة، فضلا عن العجز في تشخيص واقع هذا القطاع تشخيصا دقيقا، لأن ذلك يتطلب إجراء جرد ميداني يشمل كل بلديات الولاية البالغ عددها 47 بلدية وهو ما قام به أعضاء لجنة التربية والتعليم بالمجلس الشعبي الولائي لدى دراستهم ملف النقل المدرسي عام 2008 عندما اضطروا الى زيارة كل البلديات لمعرفة وضعية النقل المدرسي بها. ورغم مرور أكثر من 4 سنوات عن تشخيصهم لهذه الوضعية، فإن ملاحظاتهم مازالت سارية المفعول الى حد كبير، ولأننا حاولنا معرفة ما آل إليه الأمر في الوقت الراهن بخصوص خدمات النقل المدرسي دون أن نحصل على المأمول لدى مديريات إفترضنا أن تكون على إلمام شامل بهذا الملف، نكتفي بإتخاذ المعطيات التي جمعتها لجنة التربية بالمجلس الشعبي الولائي مرجعا في إستعراض وضعية النقل المدرسي بالولاية. المجال هل هذه النسبة الأخيرة تشمل مل المتمدرسين المحتاجين الى النقل المدرسي؟ الإجابة الأكيدة وقبل ذلك لا بد من الإشارة الى أن مسؤولي قطاع التربية إعتذروا، وآخر الأرقام التي بحوزتنا تعود الى عام 2010، إذ أورد تقرير الحصيلة العامة لنشاط الولاية للسنة المذكورة أن حظيرة النقل المدرسي بولاية معسكر تتوفر على 178 حافلة يستفيد من خدماتها 15806 تلاميذ من مختلف مراحل التعليم، وهو ما يمثل تقريبا 9٪ من مجموع المتمدرسين في الولاية، لكن السؤال الأهم في هذا المجال هل هذه النسبة الأخيرة تشمل كل المتمدرسين المحتاجين الى النقل المدرسي؟ الإجابة الأكيدة هي سلبية دون أدنى شك، رغم أننا لا نتوفر عليها. على مؤشر رقمي حول عدد التلاميذ المحرومين من هذه الخدمة عبر الولاية، رغم أن مفتشيات التعليم الإبتدائي مطالبة بإعداد تقارير دورية حول هذه الفئة من التلاميذ على مستوى مقاطعاتهم. وبخصوص نصيب كل طور من أطوار التعليم من خدمات النقل المدرسي يشير ذات التقرير الى تلاميذ التعليم الإبتدائي المستفيدين من هذه الخدمة لا يزيد عن 4.43 ٪ من أجمالي تعداد هذه المرحلة، يليهم تلاميذ التعليم المتوسط ب 12.34٪ من يحظون بالنقل بينما يستفيد أكثر من 20٪ من تلاميذ التعليم الثانوي من خدمات النقل، ويفسر مسؤولو قطاع التربية هذا التباين في الحظوظ بين الأطوار الثلاثة، بإنتشار مؤسسات التعليم الإبتدائي بمعظم أرجاء تراب الولاية إذ يقدر عددها ب 423 مدرسة ونسبة كبيرة منها تقع بالتجمعات الريفية مما يقلص من حاجة تلاميذ الإبتدائي الى النقل المدرسي، خلافا للتعليم المتوسط المتركز بمراكز البلديات وبعض التجمعات شبه الحضرية فقط، من خلال 113 متوسطة وبالتالي اضطرار كل التلاميذ المقيمين بالأرياف الى التنقل لمزاولة دراستهم بمتوسطات المدن، وهو ما ينسحب كذلك حتى على بعض تلاميذ المدن التي لا تتوفر على ثانويات بالنسبة لمرحلة التعليم الثانوي التي لا تتوفر سوى على 40 ثانوية يتمركز معظمها في الحواضر الكبرى مثل معسكر، تغنيف، المحمدية، سيڤ وغريس، في حين تظل الكثير من البلديات تحت التبعية في مجال التعليم الثانوي وهو ما يفسر حاجة أكثر من 4 آلاف تلميذ الى وسيلة نقل للإلتحاق بثانوياتهم. وإذا أردنا تصحيح معطيات 2010 بخصوص حظيرة النقل المدرسي ينصحنا مسؤول بمديرية النقل بإضافة 30 حافلة إضافية تدعم النقل. أكثر من 200 حافلة مخصصة للنقل المدرسي ولكن.. هذه الحظيرة خلال العام الماضي، ليرتفع بذلك عدد الحافلات المستغلة لتقديم خدمات النقل المدرسي الى 207 حافلات أي بمعدل 4 حافلات لكل بلدية، وهو ما يعتبره الكثير من المنتخبين ورؤساء البلديات الى درجة أن المجلس الشعبي الولائي أوقف تخصيص ميزانية لإقتناء حافلات للنقل المدرسي منذ 2010 وهي السنة التي تم خلالها شراء 20 حافلة من ميزانية الولاية، ليتوقف هذا الدعم بحجة إكتفاء القطاع بوسائل النقل!. ولكن إذا عدنا الى آخر تقرير أعدته لجنة التربية والتعليم بالمجلس الشعبي الولائي حول هذا الملف نجده يؤكد أن حافلات النقل المدرسي »غير موزعة توزيعا مناسبا لعدد تلاميذ البلديات« مع ملاحظة أن بعض البلديات تحظى ب 4 حافلات في حين تكتفي بلديات أخرى بحافلة وحيدة لا تفي بالغرض المرجو منها والمتمثل في نقل كافة التلاميذ المتمدرسين في الإبتدائي والمتوسط والثانوي، وسجل أعضاء اللجنة في تقريرهم، النقص الكبير في عدد السائقين المتخصصين في سياقة الحافلات، وكذا الحاجة الماسة لبعض البلديات الى دعم حظيرتها بوسائل النقل المدرسي، ولفتت ذات اللجنة الإنتباه الى فئة من التلاميذ المحرومين من خدمات النقل المدرسي، وهي فئة المتربصين بمراكز التكوين المهني الذين يجدون صعوبة في التنقل من بلدياتهم النائية للإلتحاق بمؤسساتهم التكوينية. لجنة الهيئة الولائية المنتخبة حصرت البلديات التي تعاني من نقص في مجال النقل المدرسي في حدود 16 بلدية (أي ثلث مجموع بلديات الولاية) إلا أن الكثير من البلديات المذكورة في التقرير قد تحسن وضعها نسبيا خلال السنوات الأخيرة عقب إستفادتها من عدد من الحافلات الإضافية مثل بلدية سيڤ التي تدعمت حظيرتها بثلاث حافلات بين 2008 و2011 بينما لم تكن لها سوى حافلة واحدة. معظم رؤساء البلديات يطالبون بحافلات إضافية قبل ذلك، وكذا بلدية الغمري التي تضاعفت حظيرتها من 2 إلى 4 حافلات في نفس الفترة، وبلدية معسكر التي أصبحت تستعمل حافلتين بدلا من حافلة واحدة إلا أن هذا التطور لا يدل على اختفاء النقائص وإن كان بعض رؤساء البلديات يحاولون غض الطرف عنها، لأسباب هم أدرى بها. ولتقريب صورة الوضع أكثر حاولنا استقصاء رأي رؤساء البلديات إلا أن قلة منهم نجحنا في الاتصال بهم، وفي مقدمتهم رئيس بلدية الغمري، الذي أكد لنا أن بلديته لا تعاني من أي مشكل في مجال النقل المدرسي لتوفرها على 4 حافلات يراها كافية لتلبية احتياجات تلاميذ المنطقة، ويضيف أن هذه المهمة لا تشكل أي عبء على البلدية لا من حيث توفر السائقين ولا من حيث أعباء تسيير حظيرة النقل المدرسي وتكاليفها. وهذا الرأي يكاد يتطابق مع رأي رئيس بلدية سيڤ الذي أوضح أن الحافلات الأربع المتوفرة حاليا كافية في الوقت الراهن لتغطية احتياجات 3 قرى الى النقل المدرسي. أما رئيس بلدية بوهني التي تحظى ب6 حافلات للنقل المدرسي، فيسجل حاجة بلديته إلى حافلة أخرى لوجود 7 دواوير وحتى يستطيع تخصيص كل حافلة لدوار واحد كما يؤكد رئيس بلدية المأمونية من جهته أن الحافلات الخمس المخصصة للنقل المدرسي »كافية لكن مع بعض الصعوبات لأنها تقوم برحلتين الأولى لنقل تلاميذ الابتدائي والثانية لتلاميذ التعليم المتوسط وكذا نقل التلميذات فقط إلى مدينة معسكر ملاحظا أن البلدية تشتمل على 10 دواوير وقريتين، كما تم تجاوز نقص السائقين باللجوء إلى التوظيف، وعن مساهمة أولياء التلاميذ في تحمل تكاليف خدمات النقل المدرسي، أفادنا رئيس البلدية أنهم جاؤوا في عهد الوالي السابق إشراك أولياء التلاميذ في أعباء هذه الخدمة، بفرض تسعيرة رمزية تتمثل في 5 دج فقط، إلا أن التلاميذ امتنعوا عن استعمال الحافلات المخصصة للنقل المدرسي واعتمدوا على وسائل النقل العمومي. وبالنسبة لبلدية عاصمة الولاية معسكر، فإن خدمات النقل المدرسي بها لا توفرها سوى حافلتين فقط، إحداهما مخصصة لقرية السلاطنة والأخرى لقرية الدحامنة، ويراهما رئيس البلدية كافيتين لأداء هذه المهمة قبل أن يستدرك بالقول، أن قرية نواري حمو تحتاج هي الأخرى الى حافلة لتغطية الاحتياجات ويمكن الملاحظة هنا أن اعتماد أغلب التلاميذ على وسائل النقل العمومي في بلوغ مدارسهم، قد غطى على العجز الفادح الذي تعاني منه هذه البلدية في مجال النقل المدرسي. بلدية السهايلية بدورها تخصص 5 حافلات لنقل تلاميذ 14 دوارا ولذا يسجل رئيسها الحاجة الى حافلتين اضافيتين على الأقل لتحسين نوعية الخدمة، إذ زيادة على نقل تلاميذ الابتدائي، تتولى هذه الحافلات نقل أكثر من 300 تلميذ إلى ثانوية تغنيف وكذا تلاميذ دواري الزعاڤين والعبادلية إلى متوسطة بتغنيف كونها أقرب إليهم من متوسطة السهايلية. رئيس بلدية المناور يؤكد حاجة المنطقة إلى حافلتين أخريين للتخفيف من الضغط على حظيرة النقل المدرسي المتكونة من 5 حافلات فقط، مقابل 21 دوارا متباعدة عن بعضها بمسافات تتراوح بين 2 و3 كلم مما يؤكد عن وجود حوالي 300 تلميذ ثانوي و720 تلميذ في المتوسط كلهم يحتاجون إلى خدمات النقل المدرسي، وفي انتظار الدعم يأمل رئيس البلدية تحسين النقل العمومي بين المناور والبرج، وهو الخط الذي تعمل به 8 عربات للنقل الجماعي (من نوع كارسان) لكن نصفها عاطل على الدوام، والترخيص لمتعاملين آخرين من شأنه تخفيف الضغط على حظيرة النقل المدرسي بحسب رأي رئيس البلدية الذي لا يخفي ثقل تكاليف النقل المدرسي على ميزانية البلدية بحكم ضعف مواردها المالية. ونفس الوضع تعيشه بلدية عوف التي تسخر 5 حافلات للنقل المدرسي، مقابل 8 دواوير يشتمل عليها هذا الاقليم، علما أن حافلتين تضمنان النقل بين قرية سيدي مبارك وماقضة والبقية مخصصة لمركز البلدية عوف، ويحدد رئيس البلدية النقص بحافلتين على الاقل لتغطية الطلب فضلا عن إثارته لإشكالية نقص قطع الغيار لإصلاح أعطاب الحافلات الى جانب المصاعب المالية. ويؤكد الكاتب العام لفيدرالية أولياء التلاميذ أن الفيدرالية وجمعيات أولياء التلاميذ لا تستشار عند توزيع حافلات النقل المدرسي ولا حول المناطق التي تعرف مشاكل أو نقائص في خدمات النقل المدرسي، بل ان الفيدرالية قدمت شكاوى ورفعتها إلى السلطات الولائية حول استعمال حافلات النقل المدرسي في مهام أخرى كنقل الفرق الرياضية المحلية مثلا وعلى حساب هذه الخدمة احيانا كما سجلت سوء معاملة بعض السائقين للتلاميذ وان كان رؤساء البلديات يشتكون هم أيضا من سلوك بعض التلاميذ من مرحلة التعليم الثانوي بالاخص تجاه السائقين. وفي الأخير، لو لم توجد عبر كامل تراب الولاية، سوى حالة دواري أولاد زماني والبكاكرة ببلدية وادي تاغية، لأوجب ذلك محاسبة كل من له علاقة بملف النقل المدرسي من قريب أو من بعيد، فكيف إذا ما وجدت حالات أخرى قد تكون أدهى وأمر؟ ولذا نعتقد أن ملف النقل المدرسي بولاية معسكر، يحتاج الى مراجعة معمقة لجعل خدماته في مستوى الامكانات المالية التي تسخرها الدولة لهذا القطاع وقبل ذلك على كل المشرفين على النقل المدرسي أن يضعوا نصب أعينهم، بأن توفر الحافلات وحتى السائقين لا يعني بالضرورة توفر خدمة النقل المدرسي بمزاياه الاجتماعية والتربوية.