يبدو أن الأمور تتغير بسرعة بالجزائر في مجال المطلبية النقابية وأشكال الاحتجاج والنزاعات العمالية بعدما خبر الموظفون والعمال في مختلف القطاعات بأن النضال ورفع المطالب والاحتجاجات هي الكفيلة وحدها بتحقيق الكرامة ومواجهة أعباء غلاء المعيشة. لقد حققت كثير من النقابات مطالب كانت تبدو صعبة لولا الإصرار والنفس الطويل كما وقع مع النقابات المستقلة في التربية وكذا في قطاع الصحة، وهناك بالتأكيد تفاوت واضح من حيث النتائج بين قطاع وآخر، ولعل أضعف النتائج هي حتما قطاع الصحافة الخاصة الذي خرج عمالها صفر اليدين. من جهة أخرى تبدو بعض الفئات متضررة إلى حدما إذا ما قورنت بمثيلاتها في قطاعات أخرى ومنها الوظيف العمومي كالأسلاك المشتركة، ومنها أيضا قطاعات كانت تضغط لتشكيل نقابتها الخاصة كأعوان الشرطة وقد تقرر منعهم من ذلك صراحة من قبل وزير الداخلية السابق واللاحق، وقد سارعت المديرية الجديدة إلى استيعاب تلك التطلعات والمطالب وفق القانون الخاص وتحسين الأجور وظروف العمل والأداء وتسطير برنامج للإسكان... بقي قطاع ظل الوزير يرفض تأسيس نقابة فيه هو قطاع الشؤون الدينية ولمّ شمل الأئمة، وبعد سنوات لا يزال الرفض سيد الموقف مع أن السلطة تحاول أن توحي بأنها تساهلت بعض الشيء مع مطالب هؤلاء مع إصرارهم غير الشديد على أن يؤسسوا قريبا نقابة تتبنى مطالبهم وتطلعاتهم الاجتماعية والمهنية. يريد الأئمة تأسيس نقابة وربما هدّدوا بتصعيد احتجاجهم والشروع في إضراب عن العمل. سيكون من "علامات الآخرة" التي لم تتحدث بها السُنّة النبوية أن يتوقف الأئمة عن العمل ويدخلوا في إضراب عن العبادة.. ! يضربون عن إقام الصلاة جماعة في مساجد الجمهورية وربما عن الآذان أيضا، وسيضربون عن الدروس والخطب في المنابر أثناء الجُمع والأعياد.. يضربون عن تأطير المساجد وربما عن الفتيا والرد على نوازل المواطنين، وسيشعر الناس بأن الأئمة مثلهم كمثل باقي المستخدمين لهم أسر وعائلات وتكاليف وأعباء وأن المعيشة غالية ويشعرون بما يشعر به الخدّام وأن من حقهم رفع قائمة بمطالبهم والنضال في سبيلها حتى ولو لم يشهد التاريخ الإسلامي نضالا من هذا النوع أبطاله الأئمة وقد صاروا بلا سلطان.. ! أما بعد: لم تتغير الخارطة السياسية والاجتماعية في هذا البلد بل حتى خارطة الوجدان..