تمكنت وزارة التربية الوطنية من استمالة القيادات النقابية التي يقال عنها "مستقلة" إليها ، وإقناعها بعدم الجدوى من الاستمرار في الحركات الاحتجاجية،لأنها أكدت لها أكثر من مرة أن المطالب المهنية الاجتماعية التي تنادي بها ليست من صلاحياتها، ومن دون أن تدخل معها في التفاصيل فهمت من ذاتها أنها من صلاحية الوزارة الأولى، ورئاسة الجمهورية، ولأنها الآن غير مهيئة للدخول في مواجهات مطلبية جديدة فقد أرجأتها على ما يبدو إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة. وزير التربية أبو بكر بن بوزيد استطاع بخبرته، وحنكته، وعلاقاته الطيبة مع القيادات النقابية، أن يبعد عنه مسلسل الاحتجاجات، والإضرابات الذي استمر معه بشكل لا يكاد يكون متقطعا منذ سنة 2003 حتى الآن، وقد ساعدته في ذلك الانتخابات الرئاسية، والحساسيات المفرط فيها، المتواجدة بين بعض القيادات النقابية ، والطموحات الزعماتية التي لدى بعضها، وهو ما أدخل عددا من هذه النقابات في دوامة لا منتهية من الصراعات الشخصية، أدت إلى انقسام هذه الزعامات الوهمية والنقابات على نفسها، وغدت النقابة الواحدة من هذه النقابات برئيسين بدل الرئيس الواحد، وبمجلسين ومكتبين وطنيين، وبمكاتب جهوية وولائية غير موحدة وحتى بمناضلين نقابيين غير موحدين، الأمر الذي انعكس سلبا على المردود النقابي الفعلي، وعلى مدى المصداقية التي كان من المفروض أن تتمتع بها هذه القيادات النقابية لدى العمال، كما هو الحال لدى الوصاية والسلطات العمومية. وما لا يخفى على أحد، أن هذه القيادات النقابية المتصارعة فيما بينها من ذات نفسها، أو بفعل فاعلين، لم يعد يهمها النضال العمالي النقابي، بقدر ما يهمها ما تحصل عليه من تقرب من شخص الوزير، وكبار مساعديه، ومن امتيازات مادية ومعنوية، تبدأ بالانتداب، وغض الطرف عن التقاعس في العمل والغياب، وتنتهي بالمنصب، وكل ما يترتب عنه من امتيازات، ولا داعي لذكر أسماء النقابيين الذين اختاروا هذا النهج، وأرضوا أنفسهم على حساب المصالح العليا للعمال، وقد يكون هذا هو الأمر الذي جعل بن بوزيد منذ حوالي سنتين يهدد بعدم السماح للنقابيين باستعمال قبعتي المسؤولية والعمل النقابي في وقت واحد، ولولا تراجعهم آنذاك عن بعض احتجاجاتهم وإضراباتهم، التي كانوا ينوون مواصلتها لما تراجع هو الآخر عن تنفيذ هذه التهديدات. هذه المواقف الانتهازية، المصلحية الضيقة لدى بعض القيادات النقابية هي في الواقع التي أعاقت ومازالت حتى الآن تعوق في العمل النقابي، وفرملت الحركات المهنية المطلبية في الأوساط العمالية في الجزائر، وقد لا يصدق إذا قلنا أن قيادات نقابية هي في الأصل منصبة لهذا الأمر، وهي تعلم علم اليقين المهام الموكولة إليها، وتتمثل عموما في التخلاط النقابي، والزعم بشن الاحتجاجات والإضرابات، وفي كثير من الأحيان تشنها، لكن هي نفسها التي تكسرها وتفشلها، وتضع لها حدودا، وفق السيناريوهات التي يوحى إليها به،بالتعاون والتنسيق مع جهات معنية معروفة، وهذا الوضع هو الذي أثقل كاهل الحركات العمالية ، وأجبرهم على تسجيل الإخفاقات في أي حركة، وهذا بالضبط ما حدث مؤخرا للحركة النقابية ضمن إطار التنسيقية الوطنية لنقابات الوظيف العمومي، حيث تراجعت عن الحركة الاحتجاجية منذ الوهلة الأولى نقابتان تمثيليتان، وبعدها تراجعت نقابتان أخريتان وبطريقة توحي بنوع من المكر، الملفوف بمبررات واهية، لا أساس لها من الصحة، وهي بذلك أرادت بث البلبلة وسط العاملين بالقطاع وكسر عزيمة الحركة الاحتجاجية،وهو ما تفطنت إليه قيادات نقابات الصحة، التي انقسمت هي بدورها على نفسها من جديد، بعد أن وجدت نفسها وحدها على الساحة، ولم تفلح في مواصلة الحركة الاحتجاجية، الأمر الذي حتم على نقابة واحدة منها فقط من مجموع 13 نقابة مستقلة من الإضراب بمفردها بعد غد، الثلاثاء، وهذه النقابة هي النقابة التي ربما كانت ومازالت تؤمن بضرورة التنسيق النقابي، وضرورة النضال المشترك، من أجل تحقيق المطالب العمالية المهنية الاجتماعية المطروحة