لم يكن اختيارنا لولاية باتنة اعتباطيا، بل كان مقصودا باعتبارها مهد الثورة التحريرية ضد الاستعمار الغاشم ،التي تغنى بها عديد من الشعراء وكتب لها كثير من الأدباء، عند دخول المدينة تملكنا شعور رهيب... هواء معبق بروائح الشهداء وكلما ارتفعنا أكثر بين الجبال، تتزاحم في أذهاننا صور لكفاح شعب، وبطولات نساء ورجال تركوا بصمات بارزة في تاريخ وطننا، كل جبل وكل هضبة وكل ربوة وكل بقعة من هذه الأرض تروي قصة نادرة لبطولات الجزائريين من أجل الحرية والكرامة. كان عطشنا شديدا للتعرف على الأماكن التي احتضنت أولى بشائر ثورتنا المباركة، وبمجرد الوقوف عند مكان تاريخي نسأل عن آخر، ولأن الاستقلال جاء ب ثورة... أردنا أن يكون عملنا انطلاقا من جبال الأوراس الأشم بتركيز أكبر على وجه باتنة الجديد بعد 50 سنة من نيل الحرية وانتزاع السيادة، لنترك لسان الحال إلى أهل هذه الولاية للتحدث عن واقعهم وشعورهم والجزائر تحتفل بخمسينية الاستقلال الوطني. ما زالت جبال الأوراس الأشم، شامخة بكل عز وافتخار، شاهدة على المجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق شعب أعزل كان مطلبه الوحيد هو الحرية، ولاية باتنة التي استهدفتها عديد المخططات العسكرية والهجمات الاستدمارية إبان ثورة التحرير، بقيت صامدة صمود أبناء الجزائر وشهدائها الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن تحيا الجزائر. »صوت الأحرار« واحتفالا بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر زارت معقل الثوار، مكان انطلاق أول رصاصة في ليلة أول نوفمبر 1954، حيث التقت بأبناء الأوراس، وتنقلت عبر المعالم التاريخية لولاية باتنة، كما وقفت على مختلف المشاريع التنموية التي استفادت منها باتنة طوال خمسين سنة من الاستقلال. كل من يدخل باتنة تشد نظره لافتة كبيرة تحمل الآية الكريمة، رب اجعل هذا البلد آمنا، باتنة التي تأسست عن طريق المرسوم المؤرخ في 12 سبتمبر 1848 الصادر عن نابليون، وذلك بعد أن قررت اللجنة الاستشارية الكائن مقرها بقسنطينة جعل باتنة مدينة مستقبلية نظرا لموقعها الاستراتيجي على محاور بسكرة، تبسة، سطيف وقسنطينة، هي في نظر الجزائريين وستظل رمزا من رموز الثورة التحريرية وشاهد على مآثر الرجال، أولئك الذين خلدوا أسمائهم بحروف من ذهب، ليس لأنهم أرادوا الشهرة أو أن يذيع صيتهم، وإنما بكل بساطة لأنهم اختاروا الموت والشهادة التي منحتهم ألف عمر وعمر، حياة أبدية بجوار الخالدين، باتنة ما تزال واقفة بجبالها الشامخة وهامات من ضحوا من أجل أن تحيا الجزائر، كيف لا وهذه الأرض كانت معقلا لثوار عظماء ولرجال فجروا الثورة وأبوا إلا أن تنفجر ثورة ضد الاستبداد والاستعباد. على عكس المسافات الطويلة التي قد تقطع عادة، فإن جزائر 2012، تزخر بطريق سيار سمح لنا بأن نكون في ولاية باتنة في أقل من خمس ساعات، إنجازات جاءت بعد 50 سنة من الاستقلال، لتسمح لكل من يركب سيارته بأن يكون في الموعد وبكل راحة، ليصل إلى مبتغاه دون عناء ويستمتع بسفره حيثما ولى وجهته، وبالرغم من أننا انطلقنا في حر النهار، إلا أن الرحلة كانت ممتعة لا سيما وأنها كانت من أجل الجزائر، في رحلة استذكار لما قدمه عظماء هذا الوطن وسعيا نحو استكشاف ما تم إنجازه في مدينة الشهداء. باتنة بكل مفارقاتها، تلك المدينة الشاهدة على انطلاق أول رصاصة وسقوط أول شهيد في ثورة نوفمبر 1954، بأحيائها وممراتها التي تشتهر بها، على غرار ممرات مصطفى بن بولعيد، تلك الممرات التي تقترن بممرات العربي بن مهيدي، كل ركن في هذه المدينة ينطق برصاصة، هي رموز لثورة مجيدة، تكاد لا تخلو من وجوه الباتنية، الذين يفخرون كل الفخر بشهداء الجزائر وبأسد الأوراس، مصطفى بن بولعيد، ولعل ما يميز تسمية الشوارع بولاية باتنة، عن غيرها من الولايات الأخرى، هو تسمية الشارع تكون دائما مرفوقة بإضافة الشهيد إلى الاسم واللقب، فتجد، شارع الشهيد العربي بن مهيدي. 50 سنة تمر وتبقى ذكرى عطرة لشهداء ضحوا بالغالي والنفيس لاستقلال الجزائر، هي معالم تتيح لكل من يتجول بين أزقة المدينة فرصة ليستذكر مآثر هؤلاء الرجال الذين صنعوا ملحمة أول نوفمبر وثورة كان لها أن حررت الأرض والعباد من طغيان الاستعمار الفرنسي. باتنة هذه الولاية التي تضم حسب الإحصائيات الأخيرة مليون و600 ألف سمة موزعين على 23 دائرة و61 بلدية، تؤكد مجددا وعبر كل معالمها ومشاريعها الوثبة الحقيقية التي تحققت على مدار 50 سنة في انتظار التطلع إلى مستقبل أفضل.
غار أشطوح...يبقى يلطخ وجه فرنسا الاستعمارية في أول يوم من أيام الزيارة إلى أوراس النمامشة، كانت الوجهة إل بلدية »تاكسلانت«، التي تضم »غار أشطوح«، الشاهد على قبح مجازر الاستعمار الفرنسي، تبعد هذه المدينة على مقر ولاية باتنة بحوالي 60 كيلومتر، الساعة كانت تشير إلى الثامنة صباحا عندما انطلقنا رفقة أدلّة من باتنة، وبين حرارة الشمس ونسمة الهواء البارد كانت ترتسم ملامح جبال الأوراس التي تقف 50 سنة بعد استقلال الجزائر شاهدة على الإبادة التي مارستها فرنسا التي أتت على الأخضر واليابس. الطريق إلى »غار أشطوح«، كان بمثابة مغامرة حقيقية، انطلاقا من مدينة باتنة ومرروا بحي الإخوة كشيدة، المنطقة الصناعية، الكلام مع الأدلة الأحرار من أبناء الأوراس الأشم، لم يكن يخلو من الحديث عن التطور المتسارع الذي عرفته هذه الولاية، وبالرغم من كل النقائص التي قد تسجل وهو أمر معقول إلى حد ما بالنظر إلى المشاريع التنموية التي شهدتها المنطقة. مدينة حملة 1 واثنان وثلاث، بأكثر من 36 ألف نسمة لكل بلدية، تجمعات عمرانية ولدت منذ ما يقارب الأربع سنوات، إضافة إلى التجهيزات العمومية وإنشاء معهد جديد تابع لمعهد باستور بالعاصمة، أكاديمية المدرعات التي بنيت مع بداية التسعينات أسواق لبيع الخضر والفواكه بالجملة وطرق جديدة، مسالك ومحولات تربط المنطقة ببلدية عين توتة، إلى جانب مركز إعادة التربية والتأهيل الذي سيتم تدشينه قريبا بهدف تحويل سجن »لومباز« الشهير إلى متحف. وأنت في طريقك إلى جيل أشطوح، تستوقفك »شجرة لرياح« التي تبعد عن مدينة باتنة بحوالي 15 كيلومتر والتي يقال إن كل من جلس تحتها واستظل بظلها كان له شأن عظيم في عالم السياسة، انطلاقا من معتقدات الباتنية الذين يؤكدون أن كل العظماء مروا على تلك الشجرة. أحياء ومدن جديدة، على غرار بوعكعبن وهي كلمة أمازيغية تعني الثعلب، التابع لبلدية واد شعبة، كلها بنايات جديدة على طول الطريق، ومن ثم شعبة أولا شليح، لندخل في منعرجات جبلية، وكلما زاد العلو وسط جبال الأوراس، كلما زادت جرعة الحرية التي يستنشقها المرء، وكأنه مرّكز قوي من الحرية يكفي لخترق أنفاس العالمين، ناهيك عن تلك العظمة والرهبة التي تفرضها دماء الشهداء. طبيعة خلابة وهواء بارد نقي، ينابيع عل طول الطريق، مناظر ساحرة لأوراسنا العظيم، الطريق معبد والمرور بتلك المسالك لا يمكنه إلا أن يكون فرصة لاستذكار كل لحظة كان فيها شهداء الجزائر يحاربون بشراسة الاستعمار الفرنسي. وليس ببعيد عن هذه الأحياء، تجد بلدية حيدوسة المشهورة بطابعها الفلاحي، ومن ثم الدخول إلى دائرة مروانة ثاني دائرة تم إنشاؤها من طرف الاستعمار الفرنسي مع نهاية القرن التاسع عشر بعد دائرة الحراش بالعاصمة. ولا يسع الداخل إلى مروانة إلا أن يتأمل وبفخر شعار هذه المدينة، »مدينة الألفي شهيد ترحب بكم«، ويتواصل الطريق إلى بلدية راش العيون وبلدية لمسان، على امتداد سهل »بلزمة« الذي يعد بدوره ثاني سهل بالجزائر بعد سهل »المتيجة« لينتهي بك الطريق إلى بلدية تاكسلانت التي تضم غار أوشطوح، والذي لا يكون الوصول إليه إلا بالمرور عبر مسالك جبلية والصعود نحو الأعلى. وربما ها تكمن المفارقة التي تجعلك تصعد عاليا ومن ثم النزول إلى أبعد نقطة تربط بغار أشطوح، هذا المكان السحري، كانت الساعة تشير إلى العاشرة و42 دقيقة عندما ركنا السيارات، ولم يكن لدينا خيار إلا النزول مشيا على الأقدام وسط الحجارة والمسالك الجبلية الملتوية، صحفية صوت الأحرار، سهام بلوصيف، لم تثنها صعوبة المنحدرات والمسالك الوعرة عن الهبوط خالعة لباس الأنوثة وأبت أن تفوّت فرصة الوقوف عند المعلم التاريخي . »غار أشطوح« شاهد على جرم عظيم اقترفه الاستعمار الفرنسي، 118 شهيد، قصفتهم فرنسا بالنابالم، وما أن تدخل هذا الغار، حتى تتمكن بعض لحظات يشخص فيها البصر بين نور الخارج وظلمة الغار، لترى سواد يلطخ جدران الغار وسقفه، حمام يطير من عشه، وخفافيش من ومن هناك، برودة ورهبة، لحظة استذكار لمن ماتوا بالحرق من رجال، نشاء شيوخ وأطفال، وليس ببعيد عن الغار تجد مكان ردم، يفصل »غار أشطوح« بمغارة أخرى كان فيها مجاهدون ومدنيون، استشهدوا جراء انهيار المغارة بسبب القصف. بالرغم من أهمية هذا المكان ورمزيته، تبقى مدينة »تاكسلانت« مصنفة ضمن المناطق النائية التي تحتاج إلى مشاريع تنموية كبيرة، حيث نجد نقص في الربط بالماء الشروب، الكهرباء، ودواوير معزولة، مشكل نقل التلاميذ وغيرها من النقائص الواجب التكفل بها في جزائر 2012 بمدينة الشهداء الأبرار، وتنتهي الرحلة في حدود الثانية عشر والنصف منتصف النهار بعد الاطلاع على المعلم المخلد لشهداء »غار أشطوح«.
سريانة..مدينة أول شهيد تبحث عن نبض الحياة في الفترة المسائية وبعد وقفة بمنبع »تينباوين« البارد في الصيف والدافئ في الشتاء، لاسترجاع الأنفاس، انتقلنا إلى دائرة سريانة وبالتحديد إلى قلب المدينة، في حدود الثانية زوالا و38 دقيقة التقينا بالأستاذ أحمد العايب، مستشار التغذية على مستوى إحدى الإكماليات، ابن سريانة الذي لم يتجاوز سنه 54 سنة، بدا متأثرا وهو يروي قصة أول شهيد سقط في ثورة التحرير، وإن كان هناك تضارب بين تاريخ استشهاده فمنهم من يؤكد أنه يوم الفاتح من نوفمبر ومنهم من يقول يوم 3 نوفمبر 1954، إلا أن أمزوجي أحمد رحمه الله، غادر الحياة في العشرين من عمره، واهبا حياته للجزائر،شهيد ثورة نوفمبر المجيدة، يصنع الحدث في سريانة، هو مفخرة لأبناء هذه المنطقة والحديث عنه لا يكاد ينقطع ومقامه يبقى قائما في قلب المدينة وتجد مكتوبا عليه »في هذا المكان سقط في ميدان الشرف الشهيد البطل أمزوجي أحمد المدعو »عمر وقرور« فداء للوطن وهو من الرعيل الأول لثورة نوفمبر المجيدة وذلك بتاريخ الفاتح نوفمبر 1954 ..المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. يقال إن أمزوجي غادر الحياة وترك ورائه أرملة وابنة واحدة، وفي هذا السياق يروي المجاهد النوي موسى المدعو عمار الذي تنقلنا إلى بيته بسريانة، أن الشهيد أمزوجي كان يستهدف معمرين اثنين ليلة أول نوفمبر وهما جيلو و فوزو، اللذين كانا يقتلان الجزائريين في مجازر سطيف، قالمة وخراطة ويسلبان منهم كل ممتلكاتهم، ولكن بحكم أنه لم يكن يعرف المنطقة جيدا باعتبار أنه قدم من مدينة أخرى، فر من الكولون فوزو متجها نحو صديقه جيلو وفي مواجهة نارية بينهما استشهد أمزوجي. بالنسبة للمجاهد عمار ، والذي التففنا حوله نستمع إلى قصصه عن الثورة التحريرية في الأوراس، فإن منطقة سريانة عانت الكثير من ويلات الاستعمار، فهو ما يزال يذكر إحدى المعارك الكبرى التي شهدتها المنطقة والتي انتهت بسقوط 28 شهيد في جبل »فرحة« وذلك في صيف 1957. فمنطقة سريانة التي كانت تسمى ب »باستور« في الفترة الاستعمارية، تضم عدد كبير من المجاهدين وقدمت الكثير من التضحيات. يذكر المجاهد ذلك القبطان الفرنسي الذي كان يفرض على سكان سريانة التحية عندما يمر إلى أن تم قتله في تفجير للغم، حيت تناثرت أشلائه، لكن العجيب في الأمر هو أن الجنود الفرنسيين وضعوا له نصبا وفرضوا مجددا على الجزائريين تحية النصب التذكاري...كم كان الاستعمار بشعا..هذه عقدة الفرنسيين !!
لم نكن نحلم بيوم الاستقلال، تحدينا المستحيل ونرفض الجاحدين لما تحقق بعد الاستقلال في شريط ذكرياته، يستحضر عمي عمار، فترات الحرب...يصمت للحظات ويقول »لم نكن نحلم بيوم الاستقلال...تحدينا المستحيل كان المواطن البسيط منا فقيرا لكنه واعي بأهمية القضية، في اعتقادي هناك فرق كبير بين 1962 و2012، تطور كبير وانجازات تحققت في كل الميادين لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد«. تفاؤل هذا المجاهد، شاطره كثيرون من أبناء سريانة، الذين يقرون بالتغيرات الايجابية التي مست المنطقة، لكنهم يتطلعون دائما نحو الأفضل، حيث يطمح أبناء المنطقة إلى أن توفر لهم الإمكانيات للنهوض بفريقهم الكروي المصنف ضمن الرابطة الجهوية، وذلك من خلال إنشاء ملعب، إضافة إلى مشكل الربط بالغاز وتعبيد الطرقات، وجود ثانوية واحدة وهي غير كافية لتغطية العدد المتزايد من الطلبة، لا سيما وأن دائرة سريانة تضم عديد البلديات، كما تفتقر سريانة إلى مستشفى ومركز لمكافحة السرطان وكذا تطوير النشاط الفلاحي لهذه المنطقة. أبناء سريانة يفتخرون بانتمائهم لهذه الجبال التي تمنحهم أوكسجين من الحرية ويؤكدون أن الجزائر أمهم ولا أم لهم سواها، هم يذكرون كفاح وبطولات أبائهم وأمهاتهم اللواتي ناضلن لتحرير الزائر وفي مقدمتهن الشهيدة زيزة مسيكة التي توفيت تحت القصف وهي تقوم بتمريض المجاهدين بعد أن رفضت الهروب وترك الجرحى. يذكر أبناء سريانة مصطفى بن بولعيد ويؤكدون أن انتمائهم لهذه الأرض هو فخر لهم، يحلمون بمسبح وعشب اصطناعي وعمل مستقر، سكن وغيرها من مستلزمات الحياة الكريمة، ويتمنون أن تكون الجزائر في منأى عن كل الأزمات وتحيا في استقرار.
المجاهد طايري موسى، لماذا لايمنحوننا 30 مليون شهريا كالنواب؟ مباشرة بعد هذه الزيارة عدنا أدراجنا إلى مدينة باتنة، حيث استضافنا المجاهد طايري موسى، عضو المجلس الوطني بالمنظمة الوطنية للمجاهدين ومسؤول ولائي، والذي استرسل في الحديث عن ثورة التحرير ... انطلقت أول رصاصة في الثكنة بولاية باتنة، المنطقة شهدت عمليات كثيرة، استهدفت عدة نقاط ومراكز عسكرية، وعمليات أخرى في سريانة قام بها أمزوجي أحمد أول شهيد في الثورة التحريرية، المعارك بقيت في الأوراس... بن بولعيد قال لهم إن الأوراس سيصمد 6 أشهر في وجه الاستعمار بالنظر إلى الإمكانيات التي كان يحوز عليها، لكن أوراس النمامشة استطاعت أن تقاوم لمدة 10 أشهر وجاء بعدها الهجوم على الشمال القسنطيني، لتخفيف الضغط على الأوراس، كانت هناك إرادة رجال وإيمان بالله وليست فرنسا التي تقهر إرادة الله. أنا لم ألتق مع بن بولعيد ولا مرة، أنا كنت في الحدود الجزائرية التونسية، قائدنا كان شريط لزهر قائد كبير من خنشلة كان يواجه الطائرات ويهاجمها بالسلاح الذي كان يملكه، أذكر أنني أصبت في شهر أكتوبر 1955 بجروح خلال معركة خضناها ضد المستعمر الفرنسي وخضعت للعلاج وكان معنا بعض الأطباء الجزائريين، إضافة إلى ممرضات على غرار الشهيدة زيزة مسيكة التي رفضت أن تغادر مكان التمريض وتوفيت تحت القصف. الثورة كانت تلقى تأييدا شعبيا كبيرا وعلى الأقل كان هناك ما بين 10 إلى 15 معركة يوميا والنتيجة فرنسا تنتقم من الشعب فيما بعد جاءت خطوط موريس وشال وانسدت منابع الأسلحة... ...هذا الجيش الذي لم يتخرج من المدارس العسكرية، كيف كان سيواجه هذه القوة الاستعمارية التي تملك كل الإمكانيات...في النهاية كانت هناك إرادة وإيمان بالله. والعدالة التي كانت في الثورة لم نشهدها إلا في عهد الخلفاء ويواصل الأب المجاهد حديثه دون انقطاع، حيث كان يستذكر ما حدث لحظة بلحظة دون كلل أو ملل ليصل إلى لحظة الاستقلال ليسكت هنيهة ويستعيد أنفاسه من جديد.
50 سنة بعد الاستقلال...المجاهدون بحاجة إلى مزيد من التكفل في حديثه عن الاستقلال، قال المجاهد طايري، لا توجد دولة استقلت مثل الجزائر والأوروبيين هربوا لأنهم أذوا الجزائريين، فرنسا تركت بلادنا محطمة وعملية البناء جاءت بعد الاستقلال، كانت هناك تكميلية العمراوي ولا توجد ولا ثانوية واحدة وأنتم تعلمون أنه كان من الصعب أن تدرس في الفترة الاستعمارية وبالتالي فإن الأيام الأولى من الاستقلال كانت صعبة للغاية. وفي أكتوبر 1962 قمت بتشكل الخلايا الأولى للجبهة وكونا الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكانت لدينا مهمة بناء الجزائر، أنا شخصيا كنت أشرف على مروانة وأذكر أن سنة 62-63 كانت محصول الحبوب وفيرا جدا. وكأن الله يقول لنا... وبالنسبة للأب المجاهد، فإن باتنة تبقى قبلة الثوار دون مزايدة أو فخر، ضحت كثيرا وكانت المنطقة المحرمة، وأضاف، أتمنى أن تكون باتنة قبلة لكل ما يرمز للجزائر ولو لم تكن العاصمة في الجزائر لأتيت بمقام الشهيد إلى باتنة. وعن وضعية المجاهدين بعد 50 سنة من الاستقلال، أوضح المتحدث، أنه ما يزال هناك مجاهدين يعانون وتساءل لماذا لا يتقاضى المجاهد أجرة النائب، ليؤكد أن المجاهدين بحاجة إلى تكفل حقيقي، خاصة أولئك الذين يتواجدون بالمناطق النائية. وختم كلامه بالقول، لا بلد لكم غير الجزائر، هي أصلكم وهويتكم وإن افتقدتموها فسوف ترون الجحيم. أنتم لا تعرفون معنى شعب بلا أرض؟؟
مطالبهم بسيطة وأحلامهم أبسط…هم يعشقون الجزائر وفقط أبناء الأوراس يفخرون ببن بولعيد ويتطلعون لعيش كما أراده الشهداء جمعوا كلهم على التطور الكبير والانتعاش العظيم الذي عرفته ولاية باتنة، خلال خمسين سنة مضت بعد أن تركتها فرنسا مدمرة جراء عاصفة النيران والألغام التي استهدفت الأوراس معقل الثوار، ومكان انطلاق أول رصاصة لتحرير الجزائر، تحدثوا بكل قوة وجرأة، بكل اعتزاز وفخر، يعكس حقيقة انتمائهم لهذه الأرض الطيبة ومدى اعتزازهم برموزها ومعالمها، ولم يترددوا في التعبير عن تطلعاتهم من أجل مستقبل أفضل كان يحلم به الشهداء وضحوا من أجله بالغالي والنفيس.
جهد المجاهدين لم يذهب جهدهم سدى محمد لمين، 19 سنة درس القرآن في دشرة »أولاد موسى« التابعة لبلدية »واد الطاقة« التي تبعد عن ولاية باتنة بحوالي 25 كلم، أصيب بجروح في سنة 2001 بعد أن توفي أخوه التوأم جراء انفجار لغم مضاد للبشر زرعه الاستعمار الفرنسي، وهو يتحدث إلى الفريق الصحفي، قال »أشعر أن المجاهدين حرروا بلادهم ولم يذهب جهدهم سدى ، فهناك من عمل بالمال ومنهم من ناضل بالسلاح، لم يكن لدينا طريق معبد ولا كهرباء والآن هذه الأمور متوفرة، نتمنى أن لا تعرف الجزائر ما عرفته الدول المجاورة ونطالب بالغاز الطبيعي كما أتمنى أن تعيش الجزائر حرة ومستقلة ويحفظها الله من أعدائها«.
نحن ضد زعزعة استقرار الجزائر بدوره عزيز، البالغ من العمر 29 سنة، يشتغل كمسير ومقبل على الزواج، أكد أن هناك تنمية سريعة في باتنة، صحيح أنها ليست في جميع المجالات لكنها موجودة، نطالب بتوسيع الطرقات لحل مشكل الازدحام، كنا نحس بالاستقلال ولكن جاءت مرحلة العشرية الدامية وجعلتنا نحس أكثر بقيمة الاستقلال وعليه نتمنى أن نكون دائما مستقلين ومتطورين، إننا نتبرك بالمجاهدين، نفخر ببن بولعيد و نحن ضد زعزعة استقرار الجزائر.
آمل أن تحل كل مشاكل الشباب الجزائري أحمد البالغ من العمر 30 سنة، بطال، لكنه يأمل أن تحل كل المشاكل التي يعاني منها الشباب الجزائري، ويقر بالتطور الذي عرفته باتنة وإن لم يكن في مستوى تطلعات أبنائها الذين يأملون بالكثير، بن بولعيد رمز الثورة وهو فخر كبير لنا وأتمنى الاستقرار للجزائر وأن لا يحدث ما حدث في الدول المجاورة…هكذا ختم حديثه معنا.
لا ربيع أوربي ولا شتاء أوربي ابن سريانة، الشاب الميكانيكي في الرابعة والعشرين من عمره والذي يعمل كنادل في إحدى المقاهي، يحلم بغد أفضل ويريد جزائر مستقرة ويتذكر جيدا ما قاله له أحد مرتادي المقهى، » لا ربيع عربي ولا شتاء أوربي«، فخور بأوراسيته وجزائريته، يطمح لغد أفضل، ليس أكثر ويقول هناك حرارة كبيرة في قلبي، أنا جزائري وأحب الجزائر.
أفرح عندما ألتقي بالمجاهدين أما نوال البالغة من العمر 19 سنة والتي كانت برفقة صديقاتها وردة وسعيدة في ساحة باتنة، وهن يجلسن لتناول المثلجات، قالت، إن كل شيء على ما يرام بباتنة، نحن نقدر ونحترم المجاهدين وأفرح عندما ألتقي بهم وبن بولعيد هو الرمز ونتمنى كل خير للجزائر والتقدم، أما رفيقاتها وإن قدمن بعض الانتقادات لا سيما فيما يتعلق بالسكن والشغل، إلا أنهن فخورات بالانتماء للأوراس الأشم ويتمنين كل الخير للجزائر.
فرنسا اقترفت مجازر يندى لها جبين الإنسانية من جهتها، إحدى السيدات الفخورات بانتمائهن للشاوية، رحبت بنا في وسط الطريق ونحن نتحدث إليها، كانت مرفوقة بحفيديها الطاهر وإبراهيم، تحدثت بطلاقة بالعربية مطولا عن ثورة التحرير وكيف عانت رفقة ذويها من ظلم الاستعمار، كانت تدرف دموعا مزجت بين قهر المستعمر وفرحة الاستقلال، لأنها وبكل بساطة كانت تقف على أرض حرة، تفوح منها عطور دماء زكية لشهداء أبرار. وختمت بالدعاء للجزائر وأبناء الجزائر ليحفظهما الله برعايته.
البراءة تتحدث عن عيد الاستقلال أما حفيدها إبراهيم البالغ من العمر 7 سنوات فقال إنه سمع بالاستعمار الفرنسي في المدرسة، في حين أكد الطاهر البالغ من العمر 11 سنة أن عيد الاستقلال بالنسبة إليه يعني حرية الجزائر، تحصل على شهادة الابتدائي، يتمنى أن يكون طبيبا ليعالج أبناء وطنه. ومن جهة أخرى، طالب حارس روضة الشهداء التي يرقد فيها جثمان الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد معزوزي بإعادة تأهيل المقبرة التي تضم ضريح قائد الثورة التحريرية و تعيين أعوان أمن لحراسة الروضة كما يفضل الباتنيون تسميتها.
دشرة أولاد موسى التي تحدت رابع قوة استدمارية في العالم في اليوم الثاني من جولتنا في ولاية باتنة، ارتأينا أن نزور المكان الذي احتضن عملية توزيع السلاح الذي استعمل في تفجير الثورة المباركة بدشرة » أولاد موسى«، وكانت الانطلاقة على الساعة التاسعة من مقر فندق شيلية، وعلى طول الطريق إلى مدينة أريس مسقط الشهيد مصطفى بن بولعيد، مرورا بفم الطوب وعين الطين المتميزة بجبالها الشامخة والمنعرجات الوعرة، لفت انتباهنا امرأة تحصد بطريقة تقليدية بواسطة المنجل، لتقابلنا بعد ذلك لافتة بالمكان المسمى »لمرافق« الذي كان خلال الثورة التحريرية الجيدة بين 1955 و1956 شاهد على مجازر جماعية رميا بالرصاص ليلا من طرف السفاح »كلادة«، وأذنابه الذين كانوا يقومون باختطاف المواطنين المتعاونين مع الثوار أو لديهم أفراد في صفوف المجاهدين ويدفنونهم في مقابر جماعية«. وعلى طريق إشمول استقبلتنا دشرة أولاد موسى بلافتة أخرى كتب عليها »في هذا المكان المسمى دشرة »أولاد موسى« وفي ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 الموافق ل6 ربيع الأول 1374« أشرف القائد مصطفى بن بولعيد على اجتماع بدار الإخوة بن شايبة حيث تم توزيع الأفواج وتزويدهم بالأسلحة للقيام بعمليات جهادية ضد مراكز العدو إيذانا باندلاع ثورة نوفمبر الخالدة« وعند توجهنا إلى المكان الذي يضم المتحف استقبلتنا سيدة تتكلم اللهجة الشاوية والعربية بطلاقة رفقة ابنتها الصغيرة التي فرحت كثيرا عند سماعها أن فريقا صحفيا قدم من العاصمة و حل بقريتهم لزيارة الدار التي احتضنت الاجتماع التاريخي ومتحف المجاهد ، لتباشر بعد ذلك اتصالين هاتفيين تستعجل فيهما الحارس للمجيء التقينا بالشيخ القائم على المتحف الذي تم تدشينه بالقرب من منزل المجاهد محمد بن شيبة الذي وهب منزله لتخزين الأسلحة وتوزيعها ليلة أول نوفمبر 1954، بفخر كبير كان يروي قصة التحاقه بثورة التحرير، وباعتزاز قوي وشعور جياش كان يروي لنا قصة المكان الذي اجتمع فيه أسد الأوراس، الشهيد مصطفى بن بولعيد لتوزيع الأسلحة. بلهفة كبيرة تجولنا بين مختلف أركان البيت التاريخي لنتوجه بعد ذلك إلى المتحف الذي يضم ثلاث قاعات رئيسية،واحدة للصور وبقايا السلاح الذي استعملته فرنسا لترويع الشعب الجزائري وفي ركن تم توزيع كتب تؤرخ لتاريخ الثورة المجيدة، إلى جانب قاعة تضم ملابس وأدوات المجاهدين، أما القاعة الثالثة فتحتوي على أرشيف الثورة بالمنطقة وسجلا يدون فيه شهادات الزائرين، وفي مدخل المتحف يقابلك شرحا مفصلا لعملية توزيع السلاح» تم توزيع 50 بندقية إلى الشمال القسنطيني، 90 إلى القبائل، 60 إلى الجزائر«. وفي زاوية من هذا المتحف جمعت ودونت كل الأقوال الخالدة للشهيد البطل مصطفى بن بولعيد عكست إيمان الشهيد بعدالة قضيته وثورته ضد فرنسا الاستدمارية.
روضات الشهداء توّشح جبين باتنة أينما ألقينا بصرنا يترآى لنا مقابر الشهداء أو روضات الشهداء كما يفضل الباتنيون تسميتها، والملفت للأمر أن المسافة بين الروضة والأخرى لا تتعدى بضع الكيلومترات وهو ما يعكس كم الشهداء الذين سقطوا في هذه الأرض الطاهرة، كل شيء مقرون باسم الشهيد في باتنة، كل بلدياتها تستقبلك بلافتات كبيرة على غرار مروانة، مدينة ألفي شهيد، إضافة إلى جداريات عبر مختلف المناطق نقشت عليها وخلدت فيها أسماء شهداء الأوراس، على طول الطريق ونحن في طريقنا إلى روضة الشهداء التي تضم ضريح بن بولعيد عبر بلديات ثنية العابد، شير ومنعة، فضلنا أن نقف عند بيته في أريس الذي كان في قلب المدينة. وعند ولوجنا لروضة الشهداء التي يرقد فيها جثمان أب الثورة التحريرية بقرية نارة، سلمنا على الحراس ليتقدموا فيما بعد بفتح باب المدخل الرئيسي وعند معرفتهم بالموضوع تقدمنا لقراءة الفاتحة، روضة الشهداء تضم 316 شهيد ، ويروي الحارس أنه كان حاضرا عند نقل رفاة الشهيد بعد الاستقلال من جبل تيقوباي وراء الجبل الأزرق إلى نارة ببلدية منعة وقد تم العثور على بطاقته الشخصية و قطعة نقدية خمسة آلاف فرنك وأضاف أن جسمه لم يتحلل ماعدا جلده كان يابسا.
بلديات ومداشر على ارتفاع 1740م دون كهرباء وماء على عكس وسط المدينة، وفي كل بلدية تطأها أقدامنا، تقابلنا صورا تعكس الحياة البدائية التي مازال يعيشها سكانها بعد خمسين سنة من الاستقلال، على ارتفاع م 1740 م وفي مدخل ثنية العابد، قابلنا خروج أطفال حاملين معهم ألواح حفظ القرآن، إلى جانب ممارسة لنشاطات فلاحية عديدة من النساء خاصة. كل الذين تحدثنا إليهم اشتكوا من نقص مرافق حيوية على غرار مستشفى وملاعب جوارية، وشق الطرقات ومد شبكات الماء الصالح للشرب والغاز الطبيعي والكهرباء. وفي بلدية نارة التي يرقد فيها الشهيد مصطفى بن بولعيد، يقول علي » تضم 6 آلاف ساكن تفتقد لقطاع صحي، ثانوية حيث يضطر التلاميذ إلى إتمام تعليمهم في بلدية منعة.، طريق، انعدام المياه الصالحة للشرب الماء«ويضيف أن البلدة بحاجة إلى انجاز مشروع السد الذي توقفت أشغاله لأسباب مجهولة مكان استشهاد مصطفى بن بولعيد، مشيرا إلى أنه لم يكتمل المشروع. كما انتقد الشاب عدم توزيع السكن الاجتماعي لحد الساعة و المحلات التي جاء بها رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي.