تداخلت الآن المفاهيم في تعريف المعنى الحقيقي للتطرف الفكري الغربي المعاصر، وفي المقابل اختلطت علينا الماهيات الراهنة في التفسير الصحيح للتعصب القومي للعروبة في وقتنا الحالي. فنحن بصدد التخبط بين النزعة القومية المتعصبة لعروبتنا، وبين التطرف الفكري الغربي المفروض علينا من خلال السياسة العالمية في الفكر والاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام وغير ذلك. لقد كنا في وقت ما نبالغ في التغني بالقومية العربية، ونعض عليها بالنواجذ أكثر من أي شيء آخر، حتى أصبحت شعاراً تقوم عليه الثورات، وتتأسس به المؤتمرات، وتنعقد من أجله الندوات، وتترنم فيه اللقاءات، فمازلت أتذكر كيف كنا نصفق على خطابات القادة العرب بكل حفاوة عندما يتكلمون عن القومية على الشاشات الصغيرة، ونشعر بالامتنان لهذا المذهب، إلى أن وصل هذا التمذهب إلى درجة التعصب الإيديولوجي، ليس من باب الاتجاه فحسب، بل حتى من باب التوجه العقائدي كذلك، فكنا نفضل القومية العربية على الوطنية - التي هي في الحقيقة أكثر أهمية -، بحيث وصل بنا هذا الأمر إلى المساس بالمبادئ الدينية الثابتة. إننا نشعر بالفخر والاعتزاز عندما نعلن انتمائنا للوطنية الجزائرية، ونشعر بعزة وفخر أكثر عندما نجدد هذا الانتماء بالدين الإسلامي الحنيف، وهذا هو الأصل. لكن، ما نسميه الآن بالقومية العربية الزائدة فإنه قد تلاشى وتناثر لما أصبحت هذه القومية تباع وتشترى في السوق النفط الخليجي، وأصبح العرب في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق الأخرى يتكتلون مع اليهود والنصارى لضرب بعضهم البعض، تارة باسم الحلف الأطلسي، وتارة أخرى باسم مجلس الأمن، وأحياناً بمصطلح الأممالمتحدة، وأحياناً أخرى بذريعة الجامعة العربية التي أصبحت جزء من المشكل في هذه المعادلة. إن هؤلاء – العرب - أصبحوا يتنعمون بكل نسيم يأتيهم من الغرب، حتى ولو كان يحمل في طياته التعصب الفكري، والتطرف الأيديولوجي المتشدد. أليس من الغريب أن تقوم دولة عربية بتموين فريق مثل برشلونة الذي يحمل في صدره صليب واضح وضوح الشمس، وقد أستدعى هذا الفريق مؤخراً الجندي الإسرائيلي "جلعاط شليط" ليكن ضيف شرف على الكلاسيكو؟!! وهل يمكن لدولة عربية أخرى أن تساهم في إنتاج الأفلام الأمريكية التي أصبحت في ما بعد تسيء إلى مبادئنا ومنطلقاتنا الإسلامية وتدعو إلى التطرف الفكري الغربي الذي يمس بالدين والوطنية، وقد أضافت هذه الدولة في الآونة الأخيرة على قناتها الفضائية الصهيوني الماسوني "برنار هنري ليفي" للخوض في كلام وتحليلات خطيرة تخص مصير العالم الإسلامي؟!! لقد أصبحنا نشمئز عندما نرى العربان يروّجون للفكر المتطرف من أجل المنفعة والبراغماتية الزائفة، ويصيبنا الاستياء حينما يبيعون قوميتهم العربية بأرخص الأثمان لمجرد الدخول في العالمية، ونشعر بالخجل عندما نعلن أننا ننتمي إلى هذه القومية السرابية التي ذهبت وتلاشت عندما أصبحنا نسمح للتطرف الفكري الغربي أن يتصارع أيديولوجياً مع القومية العربية الصحيحة...