بقلم: فضيلة الفاروق/ الجزائر لست عربية الجذور، فأنا أمازيغية من الشمال الإفريقي، تحديدا من الجزائر، أو بربرية نسبة للبربر كما يحلو للجميع أن يلقبنا، و لكني جئت إلى اللغة العربية إثر قرار سياسي قام به الرئيس الثاني للجزائر،هواري بومدين، كردة فعل على ظروف عدة منها التخلص من التبعية للإستعمار الفرنسي. و تأكيد إنتماء الجزائر للشرق العربي، و الدين الإسلامي تحديدا،.. و قد حدث هناك خلط بين الإنتماء للغة العربية كلغة و بين الدين الإسلامي كدين جاء من شبه الجزيرة العربية، ما خلق صراع هوية لا يزال يعيشه الجزائريون إلى اليوم، فالإنتماء للغة العربية ولّد ما يمكن تسميته ” الإنسلاخ” عن الوطن، فمنذ مطلع حملة التعريب و الصراع قائم بين أنصار التعريب و أنصار الأمازيغية حول هوية الجزائر و جذورها، ناهيك عن أنصار الفرنكفونية الذين يتهمون بالخيانة و التبعية لفرنسا، فلم تؤخذ اللغة كوسيلة تواصل مع الشرق العربي لبناء علاقات صحيحة معه، و لكنها حادت عن ذلك تماما و أصبحت منبعا للقلق و اللا إنتماء. و طبعا هذا الصراع موجود بكامل المغرب العربي و لكن بحدة أقل. و في نظري فإن انحصار اللغة العربية في حيز ديني أبعدها عن دورها الإجتماعي التواصلي، فمن جهة أصبح صعب على العربي غير المسلم الإنتماء إليها، و ألغي دوره في الحفاظ عليها، و كلنا يعرف الدور المسيحي لحماية اللغة العربية . و هذا ربما ما ولد ردة فعل أخرى لتقرب المسيحي العربي من الغرب و التعامل أكثر بلغته. و دون التوغل كثيرا في تفاصيل هذا الموضوع، أمر فقط على نقطة مهمة، و هي أن التعصب الديني و تزايد التطرف و الإرهاب جعل اللغة العربية أيضا في مهب الريح، و أصبح جيل جديد صاعد يفضل الدراسة و التحدث باللغة الأجنبية، خاصة الإنجليزية، تماما كما أصبح الأهل يفضلون إطلاق أسماء على أبنائهم لا تحيل إلى طائفة أو لا تحيل إلى عروبتهم أصلا، أي أن اللغة العربية أصبحت نوعا من الشبهات ما دام المتطرفون يعتمدونها في تخاطبهم و في خطاباتهم الموجهة للعالم و التي تحوي دائما تهديدا ووعيدا و شتائم و سباب و تهكم و نكران للآخر و رغبة في إقصائه نهائيا. تأتي الرواية و فورة الرواية العربية وسط هذه المعطيات لتبحث عن قارئ فتصطدم بأكثر من جدار: أولا : هناك دوما تقسيم يلحق كتاب الرواية العربية فهذا كاتب من المشرق العربي و ذاك كاتب من المغرب العربي، كما أن هناك كاتب عربي مقيم في دولة غربية و هذا في حد ذاته حالة أخرى تستحق الدراسة لوحدها. كاتب المشرق العربي له مؤسساته الإعلامية العريقة، و له قارئه الذي لا يعيش أي صراع هوية مع لغته، أما كاتب المغرب العربي فهو يصطدم بخواء ساحته، لا مؤسسات عريقة تعرف به، و لا مؤسسات جديدة تأخذ تجربته مأخذ الجد، كون المادة الإعلامية الموجهة للقارئ هناك ليس همها الأول أو حتى العاشر، أن تروج للرواية حتما، و إنما لتيارات سياسية و صراعات أخرى بعيدة كل البعد عن مسار الرواية. أما الكاتب العربي المقيم في الغرب فإن الدولة التي يقيم فيها ترفع من إسمه كون العالم العربي كله لا يزال تابعا للغرب في ثقافته و ليس سباقا لها، و خدعة الإنتماء تلك لدولة أجنبية تجعل من هذا الكاتب محط أنظار النخبة، و محط مراقبة من الأنظمة، و محط إهمال من المجتمع . ثانيا: لم تخدم الجغرافيا و التواجد الطبيعي للمغرب العربي قرب فرنسا غير الثقافة الفرنسية، و صدى الجوائز الأدبية التي تقدم في فرنسا لكتاب الرواية و كون الفرنكفونيين أسسوا بشكل تعليمي صحيح جعل الرواية باللغة الفرنسية تجذب الأنظار أكثر، فإن الرواية باللغة الفرنسية تلاقي الكثير من التقدير، و بالمقابل فإن كاتب اللغة العربية و إن جذب الأنظار إليه فإنه يدخل في دوامة مع من قد يحاسبه على كتابة مشهد جنسي، أو على سلوك أحد أبطاله، أو على أخلاق بطلاته، فيجد الكاتب نفسه في موقع تهمة، تجره للدفاع عن نفسه، لا لكشف المستور في المجتمع و تغييره، و بدل أن يكون الروائي في مركز قيادة تسحبه الدهماء إليها و تحوله إلى كائن مسكين يتخبط لتخليص نفسه. و هذا التناقض الذي يعشه كاتبان من نفس الوطن و من لغتين مختلفتين ولد شعورا بالتعالي من طرف كاتب اللغة الفرنسية، و شعورا بالدونية من طرف كاتب اللغة العربية. و هذا ما لا نجده في المشرق العربي. ثالثا: تواجه الرواية باللغة العربية أكثر من رقيب، رقيب النظام، و الرقيب الديني، و الرقيب الإجتماعي، إنه أقرب إلى مثلث برمودا، يحيط بالكاتب فجأة، و هذا يجعل كم الروايات السيئة أكثر بكثير من كم الروايات الجيدة، لأن الكاتب حسب شخصيته و أدواته في هذا المثلث قد يكتب من أجل إرضاء هذه الجهات فينتج نصوصا ميتة لا تهش و لا تنش، و هذا في حد ذاته ضربة قوية للغة العربية، و غير ذلك فهو أهم الأسباب التي تلحق صفة الفشل و الضعف للنتاج الروائي باللغة العربية.