يعود الحديث عن العلاقات الجزائرية المغربية مع كل دعوة متجددة يبعث بها الرباط باتجاه الجزائر من أجل فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ 15 سنة، وما يثير التساؤل هو إصرار الطرف المغربي على أن يجعل من قضية الحدود شرطا للتطبيع وحسن الجوار بين البلدين رغم أن العلاقات بين الدول لم تبن يوما على منطق الحدود. لا يخلو الخطاب المغربي الرسمي في التعامل مع الجزائر من التحامل، وإلقاء المسؤولية على الجزائر في تعثر بناء علاقات ثنائية متينة يطبعها التنسيق والتعاون وحسن الجوار، فقضية الحدود المغلقة منذ سنة 1994 أصبحت بالنسبة للرباط المشجب الذي يعلق عليه جميع مشاكله ومتاعبه ومآسيه، كما أصبحت الجزائر التي تسعى إلى تأمين حدودها من تجار الموت وبارونات والتهريب والمخدرات، في نظره، مصدر هذه المتاعب لأن الاقتصاد المغربي لم يعد يتحمل تبعات غلق الحدود. وينتقد عديد من المتتبعين للشأن المغاربي الطرح الذي تقدمه الرباط في التعامل مع الجزائر بشأن قضية الحدود المغلقة ومحاولتها المتكررة فرض منطق الأمر الواقع على دولة ذات سيادة، فعندما بادرت السلطات المغربية قبل 15 سنة على إثر الاعتداء الإرهابي الذي استهدف فندقا بمدينة مراكش، بفرض التأشيرة على الجزائريين في خطوة مفاجئة دون استشارة للطرف المعني، لم تحسب يومها تبعات هذا القرار، بل وذهبت أبعد عندما اتهمت الجزائر بالضلوع في الاعتداء ونال الرعايا الجزائريون في المغرب نصيبهم من سوء المعاملة والطرد من الأراضي المغربية، لم تكن علاقات التعاون وحسن الجوار يومها مطروحة بالنسبة لأصحاب القرار في الرباط، كما لم ير هؤلاء داع للاعتذار عن ما بدر منهم في حق الجزائر والرعايا الجزائريين بعدما أثبتت التحقيقات لا حقا أن اعتداء مراكش نفذته خلية إرهابية مغربية ولا صلة للجزائر لا من قريب أو من بعيد بالأمر. ولم تتوان الرباط في التمادي في سياسة الأمر الواقع التي أرادت تكريسها وفرضها على الجزائر، بدليل قرار رفع التأشيرة عن الجزائريين الذي أقدمت عليه سنة 2004 دون تشاور أو بحث مع الطرف المعني بالقضية، وراحت تنتظر من الجزائر الرد بفتح الحدود البرية لأن الاقتصاد المغربي أنهك ولم يعد يتحمل المزيد من الخسائر التي تقدر بملايين الدولارات، وكأن الجزائر مطالبة بالرضوخ لأمزجة وقرارات ومبادرات السلطات المغربية. وبما أن الاقتصاد المغربي لم يعد يتحمل المزيد من الخسائر التي تلحق به جراء غلق الحدود، أصبحت السلطات المغربية تلح في كل مرة على فتح الحدود وذهب الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة توليه العرش إلى حد اتهام الجزائر بالتمادي في غلق الحدود، وأنها لا تكترث لبناء علاقات متينة بين الجارين تقوم على حسن الجوار والتعاون والتنسيق المشترك، وكأن العلاقات الثنائية لا بد أن تؤطرها حدود مفتوحة، وأن غلق هذه الحدود إلى حين الاتفاق بشأن المشاكل العالقة يحول دون تعاون اقتصادي وتنسيق سياسي بين البلدين، رغم أن الأرقام والإحصائيات تؤكد أن المغرب هو أول شريك تجاري للجزائر في القارة السمراء وأن حجم المبادلات التجارية بين البلدين تجاوز 570 مليون دولار، كما أن الرحلات الجوية بين البلدين قائمة ولم تعرف انقطاعا في وقت تم فيه إحصاء 550 ألف جزائري زاروا المغرب سنة 2007، وأن الجزائر منحت 250 سجل تجاري لمغربيين يقيمون على ترابها من أصل جالية مغربية معتبرة مقدرة ب 45 ألف رعية.