لا خلاف بين المحللين السياسيين والدبلوماسيين على أن بناء اتحاد مغاربي لا بد أن يمر عبر بوابة تطبيع العلاقات الجزائرية المغربية بصفتهما دولتين محوريتين، وأنه بعيدا عن هذا المحور كل الجهود مآلها أدراج الرياح، وتستند قراءات هؤلاء إلى مسار بناء الصرح المغاربي الذي لم يكن ليرى النور في مؤتمر مراكش في فيفري 1989 لولا جولات الحوار السرية بين الجارين، واللقاء الذي جمع الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بالعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني في قمة تاريخية جرت أطوارها في المنتجع الشتوي في ايفران نهاية عام 1988. معلوم أن التوتر الذي ظل يطبع العلاقات الثنائية بين الجزائروالرباط منذ عقود ليس وليد الخلاف حول قضية الصحراء الغربية مثلما يعتقد البعض، ومثلما تحاول الطروحات المغربية الترويج له، بقدر ما هو خلاف تاريخي يعود إلى السنوات الأولى لاستقلال الجزائر عندما تجرأ الجيش المغربي على جاره الذي لم يلتقط بعد أنفاسه من حرب استنزاف مع قوات الاحتلال الفرنسي استمرت أكثر من 7 سنوات من الزمن. المواجهة العسكرية التي دارت بين الجارين في خريف عام 1963 أو ما يعرف بحرب الرمال ظلت تلقي بضلالها على العلاقات الجزائرية المغربية، وجاء احتلال القوات المغربية لإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب سنة 1975 ليزيد في تعميق الخلافات بين الجارين على خلفية موقف الجزائر المساند لجبهة البوليساريو لأن الأمر من وجهة النظر الجزائرية يتعلق بقضية تصفية استعمار وموقف الجزائر واضح تجاه هذا النوع من القضايا. ولم تفلح الجهود والوساطات العربية والغربية في إخراج العلاقات الجزائرية المغربية من حالة الجمود وبقيت حبيسة الإرث التاريخي الذي خلفته حرب الرمال من جهة، والقضية الصحراوية من جهة أخرى، وباءت بالفشل كل محاولات بناء وحدة مغاربية أو اتحاد مغاربي حددت معالمه وجرى الاتفاق على أسسه الأولى في مؤتمر طنجة سنة 1958، ولم ير مشروع بناء الصرح المغاربي النور في مؤتمر مراكش قبل 20 سنة إلا بعد الانفراج الذي عرفته العلاقات الجزائرية المغربية، قبل أن ينسف المشروع ويتحول بيت الاتحاد المغاربي إلى هيكل بدون روح سنة 1994 بعدما عاد التوتر مجددا إلى العلاقات بين الجزائروالرباط بعد الاعتداء الإرهابي الذي استهدف أحد فنادق مراكش، وشاءت الأقدار والصدف أن تكون مراكشالمدينة الساحرة التي جمعت قادة البلدان المغاربية الخمسة لتوقيع شهادة ميلاد الاتحاد المغاربي، أن يرتبط اسمها أيضا ببداية توتر العلاقات الجزائرية المغربية، وسببا في إجهاض مشروع التكتل المغاربي ونسفه إلى أجل غير مسمى، بعد تأزم العلاقات بين الدولتين المحوريتين، ومنذ ذلك التاريخ لم يستطع القادة المغاربة أن يجتمعوا في أي قمة عادية أو طارئة إلى اليوم. وما تزال العلاقات الجزائرية المغربية ومنذ ذلك التاريخ تراوح مكانها رغم الآمال التي بنيت بعد تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شؤون البلاد خاصة وأن عهدته الأولى تزامنت مع تولي الملك محمد السادس العرش المغربي بعد وفاة والده الراحل الحسن الثاني، ورجح الملاحظون والمتتبعون للشأن المغاربي انفراجا في العلاقات الجزائرية المغربية، إلا أن ذلك كله لم يحدث واقتصر الانفراج على قرار الرباط سنة 2004 إلغاء التأشيرة على الرعايا الجزائريين في خطوة مفاجئة دون استشارة الطرف الثاني في القضية، ورغم ما قيل حينها عن المبادرة المغربية والتي جاءت بعد 10 سنوات كاملة على اعتداء مراكش فقد ردت الجزائر بقرار مماثل وألغت التأشيرة على الرعايا المغاربة وهو القرار الذي كان دون تطلعات الرباط التي كانت ترغب في أكثر من ذلك وتنشد إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين التي أغلقتها الجزائر سنة 1994 ردا على قرار فرض التأشيرة على الجزائريين والمعاملة السيئة التي تعرض لها رعايا جزائريون آنذاك في المغرب، خاصة وأن 10 سنوات كاملة كانت أنهكت الاقتصاد المغربي الذي خسر الكثير جراء غلق الجزائر لحدودها الغربية. قضية الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب واحدة من القضايا التي تتجه إليها أنظار المتتبعين اليوم، علها تعرف طريقا إلى الحل وفق معالجة شاملة واتفاق بين الطرفين حول المسائل المتعلقة بتأمين الحدود والتصدي لمافيا التهريب والمخدرات والسلاح، وتكون خطوة حاسمة في تطبيع العلاقات بين الجارين وهو ما من شأنه إعادة بعث الصرح المغاربي بعد مرور أزيد من نصف قرن على مؤتمر طنجة، مدة لم تكن لتكفي القادة المغاربة لتجسيد ما جرى الاتفاق عليه ذات 28 أفريل من سنة 1958.