لا أحد يتوقع النجاح للمبعوث الأممي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في مهمته، فالأفكار التي يطرحها يقال عنها أن الأزمة تجاوزتها، والتوصل إلى توافق روسي أمريكي، الذي أصبح البديل عن توافق داخلي سوري، لن يتحقق قريبا لأن الغرب لا يستعجل حل الأزمة، لكن رغم كل هذا الإجماع حاصل على أن سوريا والمنطقة تتجه بسرعة نحو كارثة يستحيل معالجة آثارها، حرب أهلية بعناوين طائفية تدمر الجوار بعد أن تأتي على ما بقي من الدولة السورية ومن انسجام النسيج الاجتماعي في سوريا. المعارضة المسلحة في سوريا تقول إنها قادرة على حسم المعركة على الأرض دونما حاجة إلى التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، غير أن التطورات الميدانية في الأيام الأخيرة تشير إلى عكس ذلك تماما، فالجيش السوري لا يزال يملك القدرة على قلب الموازين لصالحه، والمواقع التي خسرها، أو انسحب منها، لا تزال في متناوله وقد استرجع بعضها بالفعل، وهذا سيدفع بمزيد من السلاح إلى الداخل السوري لأن الأطراف الدولية المتورطة مصرة على الذهاب إلى آخر نقطة في حربها على سوريا. حتى إذا افترضنا جدلا أن المعارضة المسلحة قادرة على حسم المعركة لصالحها، ولو بعد حين، فهل ستكون قادرة على التحكم في آثار خيار التغيير عن طريق السلاح؟ كل شيء يوحي بالعكس، فقد أشارت تقارير صادرة عن الأممالمتحدة إلى أن من يقاتلون في سوريا يحملون جنسيات 29 دولة، وحتى الذين سولت لهم أنفسهم تحريض السوريين على القتال ودفعت لهم المال ومنحتهم السلاح يعترفون اليوم بأن بناء دولة سيكون أمرا صعبا في ظل وجود مجموعات مسلحة كثيرة لا تخضع لسيطرة أي سلطة معترف بها، ومع ذلك يتحول رفض كل مبادرات الحل السياسي إلى رد فعل آلي على كل تصريح أو تسريب. لقد تحولت سوريا إلى ميدان لمعارك كثيرة تتناقض أهدافها ويتعدد أطرافها، والإصرار على الحسم العسكري هو اختيار طوعي للسير على طريق الجحيم الذي أنذر به الإبراهيمي.