شكلت استقالة أحمد أويحيى من رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي أهم حدث سياسي على الإطلاق خلال الأسبوع المنصرم، فالقرار الذي فاجأ الكثير من المراقبين، رغم ضراوة الصراع داخل الحزب وعلى مستوى القيادة، جاء أيام فقط من رفض الوزير الأول السابق التنحي ورمي المنشفة، وهو ما طرح الكثير من علامات الاستفهام عن خلفيات استقالة احمد أويحيى، وهل للقرار علاقة ما بطموحات الرجل السياسية المرتبطة بموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، ثم ما مصير احمد أويحيى السياسي بعد تنحيه عن رئاسة الحزب؟ أويحيى حاول في الرسالة التي وجهها لمناضلي الحزب تبرير الاستقالة برغبته في الحفاظ على وحدة الأرندي، وأشار بشكل واضح إلى الأوضاع غير الطبيعية التي تعيشها التشكيلة السياسية التي عرفت في عهده أوج ازدهارها، وترك أمين عام الأرندي الانطباع بان تخليه عن منصبه جاء بعد ضغوطات مورست عليه داخل القيادة، فالصراع الذي تفجر في الأرندي منذ فترة وبدأت أول فصوله القيادية في الحزب نورية حفصي لم يكن بالبراءة التي تصورها البعض، فحزب في وزن الأرندي المعروف بماضيه وملابسات ولادته لا يسقط زعماؤه هكذا بدون وجود جهات ما من داخل السلطة ربما اقتنعت بأنه من الأحسن أن يترك احمد أويحيى رئاسة الحزب في الفترة الحالية، وحتى سي احمد كما يسميه المقربون منه اقتنع بان ساعة رحيله قد دقت، فركوب شخصيات قيادية في الأرندي على غرار وزير الصحة السابق قيدوم، وعلى غرار وزراء الحزب في الحكومة الحالية وكوزير الشؤون الدينية بوعلام الله غلام الله، وشريف رحماني وبلقاسم ملاح، زاد من قناعة أويحيى الذي أدرك جيدا بأن شخصه هو المستهدف على اعتبار أن الصراع احتدم في وقت حقق فيه الأرندي نتائج جد ايجابية خصوصا خلال انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة المنتخبين. أويحيى الذي شغل منصب الأمين العام للأرندي منذ سنة 99 لم تكن سنوات تربعه على عرش التجمع دون مشاكل، ففي سنة 2000 نجا بأعجوبة من محاولة الإطاحة به التي قادها حين ذاك مجموعة من القياديين ومن نواب الحزب على رأسهم بلقاسم كبير، فالرجل أنقذ حسب ما تسرب من بعض المصادر من قبل الرئيس بوتفليقة سويعات قليلة قبل أن يجمع أويحيى حقائبه ويعود إلى بيته، فالانقلاب عليه كان قاب قوسين أو أدنى من أن يقع، وقد جرى كما هو معروف الحديث عن استخلافه بالشريف رحماني الذي كان يشغل منصب محافظ العاصمة. قد تكون الظروف قد تغيرت لكن يبدو أن خلفيات الاستقالة أو بالأحرى الإقالة لم تتغير، فالرجل لم يتخل عن طموحاته في الوصول إلى كرسي الرئاسة، وبدا، حسب تحاليل بعض المراقبين، وقد حسم أمره بهذا الشأن، ويبدو أن اندفاعه هذا هو الذي كلفه تخلي الجهات التي كان يستند عليها في أعلى هرم السلطة، علما أن أويحيى الذي أحيطت شخصيته بالكثير من الضبابية، تارة يتم ربطه بالمؤسسة العسكرية وبقوى نافذة في هذه المؤسسة، كما يقدم تارة أخرى على أنه معارض للرئيس بوتفليقة ولأطروحاته، بدا ومنذ سنوات كأكثر رجالات السلطة حضا ومكانة، فتولى الوزارة الأولى أو رئاسة الحكومة لثلاثة مرات، وشارك كوزير في الحكومة أيضا، والاعتقاد بموته السياسي هو اعتقاد خاطئ من دون أدنى شك، فالرجل الذي اعترف بنفسه بأنه الأقل شعبية بسبب القرارات القاسية التي اتخذها فيما يتعلق بملفات اقتصادية واجتماعية وحتى قضائية، عرف أيضا بشجاعته وعرف بتفانيه في أداء مهامه على رأس الحكومة. المثير ربما في تنحي احمد أويحيى عن رئاسة الأرندي أنها جاءت أيام فقط من استقالة الرجل التاريخي وزعيم حزب جبهة القوى الاشتراكية حسين أيت أحمد عن رئاسة الأفافاس، علما أن سعيد سعدي كان هو الأخر قد فاجأ الجميع بتخليه عن رئاسة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو ما يطرح السؤال التالي، هل نحن أمام انقلاب في الساحة السياسية سوف يعصف بكل القيادات التقليدية التي حكمت بالأحزاب في الجزائر لعقود، أم أن المسألة مرتبطة بالصدفة فقط؟ تنحي احمد أويحيى من رئاسة الأرندي، غطى حتى على بعض الأحداث السياسية الهامة جدا على غرار انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة والتي عرفت تحقيق التجمع لنتائج باهرة رفقة حزب جبهة التحرير الوطني، وعلى أحداث أخرى اقتصادية وسياسية شهدتها البلاد خلال الأسبوع الماضي الذي تواصلت خلاله الاحتجاجات في بعض القطاعات وفي مناطق مختلفة من الوطن بسبب قوائم السكن الاجتماعي التي تحولت إلى هاجس يرعب الحكومة، وهذا على رغم الأهمية التي توليها السلطات لقطاع السكن والذي كان موضوع رسالة بعث بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى المشاركين في حفل تسليم الجائزة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير قرأها وزير السكن عبد المجيد تبون، عرج فيها على الكثير من المواضيع التي تهم السكن، كما ألح على وجوب تبني سياسة جديدة في مجال البناء. ويبدو أن إفراج وزارة الاتصال عن الشبكة الجديدة لأجور عمال قطاع الإعلام العمومي سيشعل النار داخل المؤسسات الإعلامية الحزبية والمستقلة التي ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما السير على نفس المنهج وإما الزوال، فالمؤكد أن إعلاميي القطاع الخاص لن يرضوا بأن يتقاضوا رواتب تقل بكثير عن زملائهم في القطاع العمومي، ولن يقبل الصحفي أن يعامل كنصف إعلامي في مؤسسات كانت إلى وقت قريب تزايد على السلطة وتتهمها باحتقار الصحفيين واستغلال أوضاعهم المهنية والاجتماعية دون مقابل مادي يكفل لهم الاحترام. لقد ودع الجزائريون العام المنصرم وكلهم أمل بأن العام الجديد سوف يحمل تحولات ايجابية خصوصا على صعيد الملف الأمني الذي عرف تحسنا كبيرا في 2012 من دون أن ينتهي الإرهاب وتزول نشاطاته نهائيا، فالتحول نحو الجنوب وما يجري منذ مدة في شمال مالي ضاعف من مخاطر الجماعات الجهادية التي تحولت إلى أداة لتبرير التدخل الخارجي وإضفاء الشرعية على أجندات غربية في منطقة الساحل الصحراوي. وتشير التقارير الأمنية على أن عام 2012 كان الأقل دموية، وعرف تراجعا غير مسبوق في نشاط المجموعات الإرهابية المرتبطة بما يسمى بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي انحصر نشاطاه بشكل أساسي بمنطقة القبائل، وبحسب التقارير المذكورة Åنجحت قوات الأمن في القضاء على 161 إرهابي وتوقيف 309 آخرين خلال سنة 2012 المنقضية، وبحسب تصريحات لمسؤول عسكري رفيع مكلف بمكافحة بالإرهاب، فإن »النشاط الإرهابي قد تراجع وبصفة واضحة خلال السنة المنصرمة، وتركز الخطر في ولاية بومرداس وتيزي وزو والبويرة وبجاية..«، ونجحت قوات الأمن، يضيف ذات المصدر، في إفشال »مخطط لتنفيذ اعتداءات ضد قوات الجيش الوطني الشعبي واختطاف أجانب في نهاية رمضان الماضي..«، علما أنه لم تسحل خلال سنة 2012 أي عملية إرهابية في العاصمة، أوضح المسؤول العسكري الرفيع في نفس السياق قائلا بأن »الإرهابيين نجحوا فقط في تنفيذ عمليتين ضد هدفين أمنيين في تمنراست وورقلة (قوات الدرك الوطني)..«. ولأول مرة منذ اختطافهم في أفريل من السنة المنصرمة ظهر الدبلوماسيون الجزائريون في شريط مصور بثته وكالة الأنباء الموريتانية المستقلةÅ »الأخبار« وهم في صحة جيدة وجهوا نداءا إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والحكومة للعمل من أجل تحريرهم من أيدي خاطفيهم، وبدا جليا أن نشر الشريط المصور جاء للضغط على السلطات الجزائرية وهو ما جعل الناطق باسم وزارة الخارجية عمار بلاني يرد بان بالدولة الجزائرية لن تتخلى عن دبلوماسييها، وهو رد صريح على حركة التوحيد والجهاد التي سبق وأن اتهمت السلطات الجزائرية بأنها المسؤولة عن وضعية المحتجزين بسبب وقف السلطات الجزائري لكل اتصال بالحركة، حسب نفس المزاعم. هذا وأعلنت حركة أنصار الدين في بيان لزعيمها أياد أغ غالي عن تجميدها للاتفاق الذي أبرمته في الجزائر والمتضمن وقف الأعمال الحربية، وقالت الحركة أن عرض وقف الأعمال العدائية الذي قدمته أنصار الدين »بذل الوسطاء جهدا كبيرا لانتزاعه، ولكنه أهين وقلل من شأنه لدى الطرف المالي الذي حتى الآن لم يعلن رسميا وقف الأعمال العدائية من جانبه، الأمر الضروري لأي تفاوض منطقي «، ويأتي ذلك في وقت عاد فيه الجدل حول التدخل العسكري في مالي على خلفية اتهام بعض القوى الدولية والإقليمية الجزائر بعدم بوضوح موقفها من التدخل العسكري في شمال مالي.