طبيعي جدا أن يعلن المغرب على لسان وزيره للداخلية دعمه المطلق للتدخل العسكري الفرنسي في مالي ويعتبر، على هامش اللقاء حول الأمن الذي شاركت فيه العديد من الدول الأوربية على غرار فرنسا، بأن تدخل عساكر باريس في مالي جاء في وقته وسيسمح بحماية الوحدة الترابية لهذا البلد، ولن نتفاجأ إذا سمعنا بأن المغرب يشارك في العملية العسكرية إلى جانب حليفته التقليدية فرنسا التي تدافع عن احتلاله للصحراء الغربية وعن سياساته التوسعية في المنطقة وممارساته ضد الشعب الصحراوي الأعزل. المغرب هو ثاني المستفيدين من العملية العسكرية في مالي، فالتدخل العسكري الفرنسي سيسمح حتما للرباط بتحقيق أهداف إستراتيجية اقلها شانا هو خلق قلاقل أمنية للجزائر من جهة الجنوب وعلى طول حدود تمتد لأكثر من ألف كيلومتر، ويجب أن نعرف بان تأمين هذه الحدود تتطلب وسائل مادية وبشرية ولوجستية ضخمة ستنعكس من دون أدنى شك على قدرا الجزائر في سد الثغرات الأمنية الأخرى، خاصة وان في الجهة الغربية هناك تحديات أمنية لا تقل أهمية، وهي تحديات قديمة ومستمرة بسبب التراخي الأمني من الجانب المغربي في مواجهة عصابات التهريب والإجرام المختلفة، يضاف إليها الطابع العدواني التوسعي للنظام المغربي والحالة غير المستقرة في الصحراء الغربية بسبب النزاع بين الرباط جبهة البوليساريو. لقد راهنت الرباط في السابق على ما سمي بالحركة الانفصالية في منطقة القبائل، وتوالت تصريحات العديد من المسؤولين المغاربة الذين حاولوا استغلال حركة فرحات مهني لمساومة الجزائر بشان موقفها في الصحراء الغربية، وبطبيعة الحال كان مهني حصان خاسر منذ البداية وحركته ليس لها أي امتدادات في منطقة القبائل ولم تكن سوى صنيع استخباراتي ساذج سرعان ما انتهى، وبعد منطقة القبائل سعى النظام المغربي بكل ما أوتي من قوة للاستثمار فيما سمي ب »الثورة الليبية« ضد نظام العقيد معمر القذافي، ونشطت دبلوماسيته في كل الاتجاهات لجمع أنصار كثر حول كذبة اسمها »دعم الجزائر لكتائب القذافي بالمال والسلاح«، وتبين فيما بعد بان كل ما قيل ليس له أي أساس من الصحة، وقد اعترف مسؤولون ليبيون فيما بعد بأن أحجية دعم الجزائر لنظام القذافي رواية من نسج الخيال لا تمت للواقع بأي صلة. المغرب يدرك جيدا حساسية الموقع الاستراتيجي للجزائر، فالجزائر تقع في قلب المغرب العربي وتعتبر بوابة إفريقيا، وهو ما جعل الرباط تراهن على خلق حزام ناري يحيط بالجزائر من كل جانب حتى لا يتبقى لها إلا البحر، وبمجرد أن تأكد النظام المغربي بأن حساباته بخصوص تونس وليبيا وحتى موريتانيا لم تنجح، شرع في اللعب على رهان آخر وهو رهان جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما ترجمته التحركات الحثيثة التي قامت بها العديد من حركات المجتمع المدني في المغرب لربط صلة علنية مع الحركات الترقية في شمال مالي تحت غطاء قاسم الهوية الأمازيغية المشترك وهي تحركات كانت تخفي في الواقع عمل استخباراتي خبيث شرعت الرباط في تنفيذه في شمال مالي منذ مدة طويلة. المغرب يدرك جيدا حقيقة أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي ليس مجرد نزهة ستنتهي بعد أسابيع أو أشهر قليلة، وهو يعرف تماما بأن مستنقع مالي سيغرق حتما الكثير من دول الساحل الصحراوي التي ستضطر لدخول حرب لا يعرف لها أول ولا آخر، ورهان المغرب الأول والأخير هو أن تشتغل الجزائر بمحاربة التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، فضلا عن مواجهة مخططات الحركات الترقية الانفصالية التي قد تهدد مستقبلا وحدة الجزائر، ولن نبالغ إذا قلنا بان استهداف الجزائر من ناحية الجنوب قد يشكل احد القواسم المشتركة بين باريس والرباط.