تحوّل كل ما يمكن أن يهدد أمن واستقرار ووحدة الجزائر إلى »سبق صحفي«، أو »موضوع هام جدا«، تتناوله الكثير من المنابر الإعلامية المغربية، وتستغله بشكل بشع لا مهني، ولا أخلاقي، وبأسلوب مفضوح لضرب الجزائر، فالنظام المغربي الذي يسير، عبر القنوات الاستخبارية كل صغيرة أو كبيرة تتعلق بالنشر، حتى وإن كان حول الموضة أو الجنس، لا يزال يعطي الحجة الدامغة والدليل الذي لا يرقى إليه الشك بأنه بعيد كل البعد من أن يسعى في اتجاه تطوير العلاقات الثنائية، أو في الاتجاه الذي يسمح بامتصاص شحنات التوتر التي تميز هذه العلاقات منذ سنوات طويلة. كتبت صحيفة »العلم« المغربية، لسان حال حزب الاستقلال، صاحب الأغلبية والماسك بزمام السلطة في حكومة محمد السادس، موضوعا على صدر صفحاتها الأولى تحت عنوان »الطموحات الانفصالية لتوارق شمال مالي تؤرق مجددا حكام الجزائر«، ويتعلق الأمر طبعا بموضوع تناولته وسائل الإعلام بإسهاب، نشر على نطاق واسع على مواقع الإنترنيت، ويتحدث في جانب منه حول المخاطر التي أصبح يمثلها المقاتلون التوارق الذين اضطروا للعودة إلى بلدانهم الأصلية في مالي والنيجر، أو الذين تراجعوا إلى غدامس الليبية، وهي منطقة يقطنها توارق ليبيا، وأكثر ما أثاره هذا الخبر هو ذلك الجانب الحساس والخطير الذي تحاول البلدان الغربية طمسه، والمتعلق بالمآسي التي خلفتها الأزمة الليبية، والانعكاسات الأمنية الخطيرة لهذه الأزمة على المنطقة، بما في ذلك إمكانية تحريك التمرد بمناطق التوارق بشمالي مالي والنيجر، وربما ليبيا أيضا التي لم تكن في السابق ضمن منطقة التوتر الترقي، رغم وجود توارق في أقصى جنوبها. وبطبيعة الحال فإن الصحيفة المغربية لم تذهب إلى صلب القضية، وراحت تتفنن في توجيه الخبر في الاتجاه الذي يخدم السياسة المغربية العدائية تجاه الجزائر، فكتبت تقول: »وقد فشلت الحكومة الجزارية في الاستمرار في لعب دور الوسيط بينهم وحكومة مالي بعد أن ظهرت أجيال من قادة التوارق الرافضين لما يصفونه بالوصاية الجزائرية المتعسفة على حقوق شعب التوارق في تأسيس وطن خاص بهم وهو المطلب الذي ظل القذافي يدعمه مما خلق له في وقت سابق خلافا متسترا مع عبد العزيز بوتفليقة المتخوف من مطالب للتوارق في جزء من أقصى جنوب الصحراء الجزائرية« . ولنبدأ من الأسلوب والألفاظ التي استعملها كاتب مقال »العلم«، فاستعمال كلمة »الحكومة الجزارية« لا يبدو كخطأ مطبعي، علما أن »العلم« صحيفة عريقة ليست وليدة الأمس، وقد تأسست سنة 46 من القرن الماضي، والقصد هو من دون شك الإساءة للجزائر، وسبق لوسائل إعلام مغربية كثيرة أن سعت جاهدة لإلصاق تهمة العدوانية والقتل والترويع بالسلطة في الجزائر، وهي تكرر مثل هذه التهم، كلما تناولت مسألة الخلافات القائمة بين المملكة والجزائر، وحتى لما تتناول النزاع في الصحراء الغربية، أو للرد على تقارير التنظيمات الحقوقية الدولية التي تهاجم الرباط بسبب انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان داخليا، أو بحق الشعب الصحراوي. كان بإمكان صاحب مقال »العلم« استعمال أسلوب محترم وكلمات مهذبة من باب المهنية على الأقل وإن رغب في التهجم على الجزائر وإهانة سلطتها، وأما استعمال تعبير »حكام الجزائر« كلما أشار إلى السلطة في الجزائر، فإنه يحمل رسالة أخرى لا تقل نجاسة، والهدف طبعا هو إيصال رسالة مشوهة للرأي العام المغربي والخارجي بأن الجزائر إنما تحكمها »عصابة من القتلة«، والهدف البعيد معروف أيضا وهو إعطاء انطباع خاطئ بأن هناك نزعة عدائية اتجاه المغرب، هي التي تجعل الجزائر تصر على موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاستقلال، مع أن العالم أجمع يعرف منهم الجزارين الذين يقتلون وينتهكون الحرمات داخل المغرب وفي الصحراء الغربية. النظام المغربي يحاول استعمال منابره الإعلامية لضرب استقرار الجزائر وتهديد وحدتها الترابية، والحديث في المقال المذكور عن مؤشرات عودة التمرد الترقي، أو الحديث عن »دولة التوارق« التي تخيف من أسمتهم الصحيفة ب »حكام الجزائر«، يخدم هذه الإستراتيجية التي يراد لها أن تلهي الجزائر عن دعمها السياسي والدبلوماسي للقضية الصحراوية، ومن ثمة تمكين النظام الاستعماري المغربي من فرض أجندته في الصحراء الغربية والاستفراد بالشعب الصحراوي في ظل صمت عالمي مطبق. إثارة تمرد الطوارق، والحديث عن »دولة وليدة بمنطقة الساحل الصحراوي« للتوارق، يذكرنا بالتصريحات المغربية الخطيرة والغبية في أن واحد بخصوص منطقة القبائل، وما جاء على لسان السفير عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب بلجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان التي يوجد مقرها بجينيف، خلال مناقشة تقرير اللجنة حول حقوق الإنسان في المملكة، يثير الدهشة والاستغراب، فدعوة السفير المغربي السلطات الجزائرية إلى تلبية مطالب منطقة القبائل، قبل الحديث عن انتهاكات المغرب في الصحراء الغربية، والاعتراف المغربي ب»الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل«، التي يقودها فرحات مهني، يندرج ضمن التصرفات العدوانية للنظام التوسعي في المغرب الذي لا يهدد في واقع الأمر امن الجزائر واستقرارها فحسب، بل يهدد امن واستقرار كامل دول المنطقة، من خلال مزاعمه بان له حقوق ترابية في الجزائر وفي الصحراء الغربية وفي موريتانيا وحتى في مالي. ويشبه حال المغرب حال ذلك الذي يرمي بيوت الناس بالحجارة، في حين بيته من زجاج، فهل يعقل أن تستثمر الرباط في حركة مهني، وهي تدرك يقينا أن أمثال مهني يعدون بالآلاف في الريف المغربي وفي العديد من المناطق في المملكة، ولعل أحداث سيدي إفني أكبر دليل على ذلك.