تحاول الرباط استغلال التحركات التي يقوم بها فرحات مهني، زعيم ما يسمى بالحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل للضغط على الجزائر وحملها على التراجع عن موقفها المبدئي الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ويبدو أن التصريحات التي أطلقها من جونيف السفير المغربي لدى مكتب الأممالمتحدة بسويسرا عمر هلال تخفي دعم المملكة للسيناريو الانفصالي في الجزائر، رغم أن امتداداته معروفة في المغرب التي يوجد بها العشرات من أمثال مهني. اتهم السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأممالمتحدة بجنيف عمر هلال، الجزائر بتركيز نشاطها الدبلوماسي على المغرب فقط، وانتقد مواقفها التي وصفها ب »المتشددة« من مسألة تقرير المصير في الصحراء الغربية، ومهن الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الإنسان في هذه المنطقة، وزعم السفير المغربي في رده الثلاثاء الفارط على مداخلة ممثل الجزائر في الدورة ال 14 لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بأنه لا وجود للشعب الصحراوي الذي تطالب الجزائر بضرورة تمكينه من حقه في تقرير المصير وأن الأمر حسبه » يتعلق في الحقيقة بسكان مغاربة يعيشون، من جهة، في طمأنينة بمدن الصحراء المغربية، وبأفراد عائلاتهم محتجزين، من جهة أخرى، منذ أزيد من ثلاثة عقود في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري«، وهو نفس الخطاب الذي نسمعه منذ سنوات، حيث يحاول المغاربة، عبر القنوات الرسمية أو الدعاية الإعلامية، قلب الحقائق واتهام الجزائر باحتجاز الصحراويين على أراضيها مع أن العالم أجمع يعرف بان الآلاف المتواجدين بمخيمات تندوف، والذين فروا من جحيم الاحتلال المغربي، هم لاجؤون معترف بهم وبهذه الصفة من قبل المحافظة السامية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويواصل النظام المغربي منذ فترة محاولاته لتضليل الرأي العام الدولي من خلال الادعاء بان الجزائر تمنع على اللاجئين الصحراويين حرية التنقل أو العودة إلى وطنهم المحتل، ولأول مرة يتبنى النظام المغربي بشكل رسمي الصعوبات الداعية إلى الاستقلال الذاتي في منطقة القبائل ومحاولة استغلالها للضغط على الجزائر، حيث قال عمر هلال بالحرف الواحد: »عن أي حق لتقرير المصير تتحدث الجزائر عندما ترفض تمتع ساكنة القبائل بكامل خصوصياتها الثقافية واللغوية..«، وتحدث السفير المغربي عما أسماه ب »المعيار المزدوج الذي تطبقه الجزائر على سكانها المحليين، خصوصا في منطقة القبائل، الذين يعيشون دون الحق في أي مطمح ثقافي أسوة بباقي سكان العالم وطبقا لمبادئ الأممالمتحدة«. وواصل السفير المغربي تساؤلاته الساذجة عن السبب الذي يجعل، حسبه، الجزائر تطالب بحق تقرير المصير في الصحراء الغربية، وتلزم الصمت بالنسبة لحق تقرير مصير مناطق أخرى غير مستقلة، متسائلا أين تكون الجزائر عندما تجتمع سنويا لجنة ال24 لدراسة تقرير المصير بالمناطق ال15 غير المستقلة التابعة لهذه الهيئة الأممية،كما تساءل : » كيف يمكن لحقوق الإنسان في نبلها أن تغتني باتخاذ مواقف سياسية من هذا القبيل، وكذا من خلال توظيف وتأويل مغرض لها«، وخلص الدبلوماسي المغربي إلى القول بأن الجزائر توظف مبدأ تقرير المصير للتستر على الانتهاكات اليومية الخطيرة لحقوق الإنسان داخل أراضيها ، مستندا في ذلك على بعض التقارير التي تصدرها منظمات معروفة بتحاملها على الجزائر. واتهم السفير المغربي الجزائر بعرقلة جميع الجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل سياسي متفاوض بشأنه لهذا المشكل، على أساس التصورات المغربية وبناءا على ما يسمى بمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء الغربية،التي تريد الرباط فرضها عنوة على الشعب الصحراوي وعلى جبهة البوليساريو وعلى الجزائر بل على المجتمع الدولي برمته، ونسي عمر هلال أو تناسى بأن حق تقرير المصير الذي تدافع عنه الجزائر لم تختلقه من عندها، بل هو مطلب الشعب الصحراوي اعترفت به الرباط في معاهدات هيوستن وهناك منظمة أممية اسمها »المينوسو« موجودة في الصحراء الغربية ودورها يكمن في الإشراف على استفتاء تقرير المصير وبموافقة المغرب الذي يحاول التملص من التزاماته الدولية وتبنى خيارات انتحارية قد تؤدي بالمنطقة إلى مضاعفات خطيرة، خاصة وأن جبهة البوليساريو عبرت مؤخرا صراحة عن استعدادها للعودة إلى العمل المسلح من أجل انتزاع الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي، في حال تمادى النظام المغربي في ممارساته وفي حال تماطل في تلبية مطالب الصحراويين وحقوقهم المشروعة في تقرير المصير والاستقلال. وإذا كانت الاتهامات التي وجهها السفير عمر هلال للجزائر فيما يتصل بقضية تقرير المصير أو اللاجئين الصحراويين معروفة، فإن الجديد في الخطاب المغربي هو من جهة الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل التراب الجزائري، والأخطر من كل ذلك تبني النظام المغربي للتيار الانفصالي في منطقة القبائل، ومحاولة استعماله كأداة للضغط على الجزائر أو لتضليل الرأي العام الدولي بدعوى أن الجزائر تطالب بتقرير المصير في الصحراء الغربية وتمنع على سكان منطقة لقبائل هذا » الحق«. والواقع أن المغرب هو آخر من يحق له الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان، ولن نتحدث _هنا عن الجرائم النكراء التي يرتكبها بحق الشعب الصحراويين من ناشطين سياسيين وحقوقيين ومن نساء وحتى أطفال أبرياء عزل، لكن نتحدث عن جرائم النظام المغربي بحق المغاربة وبالمقابر الجماعية التي تكتشف يوميا بالمغرب والتي يحاول نظام محمد السادس تغطيتها من خلال مبادرة » الحقيقة والإنصاف«. تبنى الخطاب الرسمي في مغرب لحركة فرحات مهني يطرح الكثير من التساؤلات، فإذا كانت أهداف هذا الاستغلال معروفة، فإنه من السذاجة بما كان أن تستعمل الرباط سلاحا سوف ينالها إن آجلا أم عاجلا، فمقابل المغني فرحات مهني » الجزائري«، هناك العشرات من »مهني«، أو أسوأ منه في المغرب خاصة في مناطق الريف وكل المناطق المغربية الأخرى الناطقة بالأمازيغية، وأحداث سيدي إيفني ليس ببعيدة، والمطالب الاستقلالية أو الانفصالية في المملكة معروفة أيضا، وأكبر مجازفة أو مخاطرة هو أن يحاول النظام المغربي اللعب على وتر التجزئة التي هي مشروع استعماري يطال المغرب أيضا وبشكل أكبر ربما.