تصريح وزير الخارجية مراد مدلسي بان المشاكل الأمنية بمنطقة الساحل هي أخطر مما كنا نتوقعه، تعني بأن الوضع الحالي بهذه المنطقة المترامية الأطراف، هو أخطر بكثير من كل الحسابات التي وصلت إليها العبقرية الاستخباراتية محليا وحتى لدى الدول الغربية، على غرار أمريكا وفرنسا، فلم تعد القضية محصورة فقط في سرايا إرهابية وبعض العصابات الإجرامية الأخرى المتخصصة في تهريب الممنوعات، بل تعدت ذلك إلى أنواع جديدة من التهديد قد تعجز أمامه أغلب دول المنطقة، تهديد لا يمكن التنبؤ بتطوراته وبآثاره على أمن واستقرار دول الساحل الصحراوي في المستقبل المنظور. في السابق كان الخبراء يتحدثون عن محاولات الفرع المغاربي للقاعدة لنشر أذرعه في دول الساحل، لتوسيع رقعة التهديد واستغلال الضعف الذي تعانيه دول جنوب الصحراء الكبرى التي لا تتوفر على الإمكانيات البشرية والمادية ولا على القدرات الأمنية والعسكرية لبسط نفوذ الدولة والسيطرة على رقعة جغرافية شاسعة جدا، تتميز بصعوبة صحرائها التي تعد من أخطر صحاري العالم،وأما الآن فالحديث هو عن تحويل المنطقة إلى »أفغانستان« جديدة وما ينطوي عليه ذلك على الصعيد الأمني من تهديد ومن جذب للتدخل الأمني والعسكري الأجنبي، بل إن القاعدة قد تغيرت مهماتها إلى أداة لإضعاف المنطقة والسماح فيما بعد لتطبيق سيناريوهات أخرى تستهدف وحدة بعض دول الساحل، ولن نبالغ إذا قلنا بأن الجزائر هي المستهدف الرئيسي هنا. لقد ذكر مدلسي السلاح الليبي المتدفق على المنطقة دون حسيب أو رقيب باعتباره السبب الرئيسي في رفع مستوى التهديد والزج بمنطقة الساحل الصحراوي في متاهات لا يمكن لأي مختص أو عارف بالسياسة وقضايا الأمن أن يتنبأ بنتائجها، وهذه حقيقة لا يختلف حولها اثنان، رغم أن تحذيرات الجزائر من خطورة هذا السلاح، فهمت في السابق كمحاولة لإجهاض ما سمي ب »الثورة« في ليبيا، واعتبرت كشكل من أشكال الضغط على المتمردين على نظام العقيد معمر القذافي. باسم »الربيع العربي« تورطت بعض الدول حتى الأذنين في الأحداث التي أدت إلى نهب السلاح الليبي، وساهمت حتى في إغراق ليبيا بكميات أخرى من السلاح دعمت به فرنسا وقطر »الثوار«، ولا يمكن أن نمسح عن أمريكا أو فرنسا تقاعسهما عن وقف تهريب السلاح، مع أن وجودهما في ليبيا ما بعد القذافي تم تبريريه بالبحث عن السلاح المنهوب ووقف تهريب المزيد من الأسلحة إلى خارج ليبيا. ومن الخطأ الاعتقاد بأن التطورات التي أرعب مدلسي محصورة فقط في النشاط الإرهابي، فالسلاح المهرب من ليبيا وصل فعلا إلى جماعات فرع المغاربي للقاعدة، ووصل أيضا إلى المتمردين التوارق، خصوصا حركة تحرير أزواد الانفصالية، فالهجمات الدامية التي تقوم بها هذه الحركة ضد الجيش المالي في شمال البلاد، وما ترتب عن ذلك من وضع إنساني كارثي، تحول إلى تهديد كبير جدا ليس لمالي، ولا حتى للنيجر المجاورة أو ليبيا التي تئن تحت وطأة النعرة الانفصالية فحسب، بل تحول إلى تهديد لكامل المنطقة بما في ذلك الجزائر التي ربما هي مستهدفة أكثر لاعتبارات كثيرة. المشكل أنه في مقابل الحركات الترقية الانفصالية وفي مقابل المجموعات الإرهابية المدججة بكل أنواع الأسلحة بما في ذلك الصواريخ ارض- جو المهربة من ليبيا، وحتى بعض الأنواع من المدرعات، ناهيك عن وسائل الاتصال والذخيرة، هناك دول جنوب الصحراء الكبرى على غرار مالي ومالي والنيجر وحتى موريتانيا، وهي دول فقيرة لا تمتلك إمكانيات كبيرة وجيوشها عاجزة على التصدي للمتمردين أو الإرهابيين، وهذا الواقع فهمته الجزائر جيدا وأدى بها إلى العمل من أجل تكتل دول الميدان حتى تواجه القاعدة موحدة من خلال تجميع وسائلها، خاصة الاستخباراتية منها، لكن العمل الذي تقوم به الجزائر قد لا يمنع في المستقبل، خاصة في ظل تصاعد العمليات العسكرية للتمرديين من حركة الأزواد في شمال مالي، من التدخل الأجنبي الذي يقدم في هذه الحالة كمخلص دول الساحل جنوب الصحراء من المخاطر الأمنية المختلفة، وطبيعة الحال فإن ثمن هذه الخدمة ستدفعه دول المنطقة من ثرواتها، ومن أمنها وسيادتها أيضا.