مرة أخرى نجد أنفسنا مشدودين لنقاش القضايا التراثية بكل ما تحمله من اختلافات في وجهات النظر لدرجة الاقتتال والخصومة التي لا تقيم وزنا لقيمة الود والتي ورثنا سلبياتها من علم الكلام، يحدث هذا اليوم وللأسف في الوقت الذي تتطلع فيه الأمم المتحضرة للتفكير والعمل في كيفية الهيمنة على العالم بما فيه من هو خارج الكرة الأرضية التي لازال البعض يؤمن أنها ثابتة ومسطحة كما نقل ذلك عن الشيخ بن باز رحمه الله وبعض المخلصين من أتباعه اليوم، الأمر الذي دفعني بالرغم من المخاطر التي قد أتعرض لها إلى التخويف من التيار السلفي الوهابي بالتحديد على خلفية أنه لا يؤمن بالمعاصرة ويصطدم في كثير من الحالات مع مفهوم وثقافة الدولة المدنية الحديثة وهذا لأنه نشأ في بيئة متخلفة وبدائية لدرجة الوقوع في دائرة الشرك والإيمان بالخرافات بخلاف البيئة الحضارية التي خرجت منها سلفية مالك والقائمة على قاعدة كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا ساكن هذه الروض والمقصود به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. وما دام الأمر كذلك فلا يمكن أن ننتظر من هذا الفكر بالجزائر سوى في مزيد من تعفين الأوضاع لأنه وببساطة لا يؤمن بالتعددية الفكرية ويعمل على مصادرة الرأي مهما أوتي صاحبه من حكمة مادام ليس واحدا منهم وعلى طريقتهم التي يرون أنها هي الوحيدة التي تسير على المحجة البيضاء ومن يزيغ عنها فلا شك أنه هالك وهذا ما أقره الشيخ محمد العربي التباني الجزائري »ت 1970 بمكة المكرمة« الذي ناظر السلفية الوهابية في عقر دارها كما جاء في كتابه »براءة الأشعريين من عقيدة المخالفين« الذي تعمل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وبمناسبة المولد النبوي الشريف على تنظيم ملتقى وطني حوله بعنوان »الاجتهاد في الإسلام« وهذا يدخل في خدمة المرجعية الدينية الوطنية التي أضحت مستهدفة من القريب والبعيد. في كل الأحوال لا يمكن لنا إلا أن نقر بأن السلفيين هم إخواننا في الدين ولكن يجب عليهم أن يثبتوا لنا أنهم فعلا إخواننا في الوطن، وهنا لا أقصد أولئك الذين يؤمنون بهذا المذهب ويعتنقونه حسب قناعتهم، فهم أحرار في خياراتهم ما دام الدستور الجزائر يقر بحرية الرأي والتفكير بل وحتى بحرية التدين، بل أقصد طائفة منهم ممن يلتحقون بالوظائف والمسؤولية في مؤسسات الدولة وبالخصوص في السلك الديني ويسعون في استغلال هذه المنابر للترويج للمذهب السلفي الوهابي ضاربين عرض الحائط بالقانون الأساسي الخاص بالموظفين رقم 41108 الصادر يوم 24 ديسمبر2008 الذي يلزم السادة الأئمة والمرشدات الدينيات بضرورة المساهمة في الحفاظ على الوحدة الدينية للجماعة وتماسكها..هذا ولا يلقون بالا للمادة 34 من القانون المذكور أعلاه والتي تحدد مهام السادة الأئمة في ضرورة المساهمة في إحياء المناسبات والأعياد الدينية والوطنية التي يعتبرونها بدعة وضلالا ولا يقرون إلا بشرعية الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى، أما الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وبعيد اندلاع الثورة الجزائرية وعيد الاستقلال وغيرها فهي من المنكرات حسب زعمهم، بل وحتى ثبوت هلال شهر رمضان فإن أبصارهم معلقة ببلاد الحجاز وكأن سماء الجزائر عاقر... إذا كان الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالادعاء بالانتماء للوطن في حاجة إلى دليل عملي الذي لا يكون إلا بالانسجام مع مشاعر ووجدان وذوق هذا الشعب وتطبيق قوانين الجمهورية الجزائرية، فكيف يمكن التعامل والحكم على من يخرقون القانون حينما يسجل سلك المفتشين أثناء قيامهم بمهامهم في أن بعض الأئمة لا يطبقون القوانين والتنظيمات في قطاع الشؤون الدينية والأوقاف ويقدمون تلاوة القرآن برواية حفص على رواية ورش التي تعتبر جزءا من تراثنا الديني الذي يجب الافتخار والاعتزاز به دون أن نقلل من قيمة وشأن الروايات الأخرى التي لها رجالها الذين يسهرون على خدمتها في أوطانهم ولا يبغون عنها حولا وللأسف مقابل ذلك لا نجد من بيننا من يعظ على هويتنا بالنواجذ ممن وقعوا في فخ الاستلاب المذهبي الذي أضحى يهدد السلم والأمن الاجتماعي والروحي للبلاد وبالخصوص حينما يتوزع نشاط السلفيين الذين هم كذلك ليسوا على قلب رجل واحد، بين العمل الدعوي الشكلي والنشاط السياسي الحزبي الذي بينه وبين قضايا الشأن العام فجوة لا يمكن أن يجاوزها المشتغلون بالحواشي.