لا يعتبر نفسه شاعرا لأنه ليس من السهل أن تكون كذلك، وإنما يقرأ رسائل الحياة والموت الموشمة على جبين البشر، ليترجمها إلى نصوص في براءة الأطفال.. رسالة المبدع في نظره أكبر من أي رسالة يمكن تصورها.. كي تكون شاعرا خالية صفحته من أي فكر أيديولوجي أو انتماء أو هوية أو صراعات إثنية، أو مساحة لها حدودها أو لونها كالوطن ، فالانتماء الوحيد للشاعر صلاح الدين مرزوقي، الذي خصنا بهذا الحوار الممتع، هو الإنسان ومهمته الوحيدة هي الإنسان ، رغم بعده عن وطنه ?الشمس الجزائر وعن مدينة الجمال والحب عين لحجل، هو يبدع بتميز ليرسم خيوطا متنوعة من باريس التي قال فيها بأنها وعاء كل الثقافات. قلتم أنا ظل شاعر يبحث عن جسد وقاص ضاعت قصته ولدت وفي يدي قلم ليته كان فأسا حتى أكون حفار قبور لماذا ؟ ¯ ليس من السهل أن تكون شاعرا، رسالة الشاعر أكبر من أي رسالة يمكنك تصورها كي تكون شاعرا يجب أن تكون صفحتك خالية من أ ي فكر أيديولوجي أو إنتماء أو هوية أو صراعات إثنية، أو مساحة لها حدودها أو لونها كالوطن ، الإنتماء الوحيد للشاعر هو الإنسان ومهمته الوحيدة هي الإنسان. الشاعر مخلوق إستثنائي ينتمي إلى كل الأوطان إلا نفسه، ولغتة هي كل اللغات ، الشاعر الحقيقي يصارع الألم والظلام في أي مكان ويزرع الجمال مكانه..هو جندي شرس في ساحة الوجود يقاتل بقلبه وإحساسه وجماله ، الإنتصار عنده حين تتردد قصيدتة على الألسنة وتصبح آية يرتلها غيره ويؤمن بها إيمانا كبيرا ويدافع عنها. الشعر هو الحياة فنحن حين نقرأ مثلا سفرا صوفيا في قصيدة من قصائد عثمان لوصيف، نشعر بجمال مميز وكأننا نذوب في الدهشة نكتشف الألم وتتضح لنا صورة الوجود جلية ، أي نقترب أكثر من حقيقة الإنسان. الشاعر سيدتي نبيّ لكنه لا يموت ولهذا أعتقد أنه مع كل هذه التراكمات المريضة التي ورثناها ونصر على الحفاظ عليها والدفاع عنها في سلوكنا، لا يمكنني أن أكون غير ظل شاعر ..أما القصة فهذا جانب آخر وصراع آخر وفكر آخر وأسلوب آخر يقترب القاص من الشاعر، حين يرسم وجه غيره كما يراه فينقل لنا وجعه، فرحتة، إنتصاره،و إنكساره، ويبتعد عنه حين ينقل لنا تضاريس وجهه هو..... ليتني حفار قبور حتى أقترب أكثر من هذا المخلوق العجيب، هذا الإستفهام الأزلي وأصافحه وهو الموت ● بالفعل أكبر كذبه صدقها العالم العربي في هذا القرن هي الثورة ؟. ¯ الثورة تعريفها أشمل مما رأيناه أو نراه، الثورة بمفهومها الواسع والبسيط هي التغيير الجذري والشامل، ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه وباستمرار هو :من أين تبدأ الثورة وأين تتوقف؟، وأنا أرى أنها تبدأ من الذات بمعنى أن تعلن ثورة على نفسك تقاتل هذا الإنسان الظلامي الذي يسكننا، ولا يحتك بالآخر ولا يريد أن يسمعه، وأن نشل حبا كل الأيادي التي تزرع الحقد، ولا تقبل النور وهذا بسيف واحد وهو القراءة والإستعداد لسماع الآخر مهما كان لونه، والأخذ منه ما يصلح للإستمرارية بطريقة مسالة وهذا عمل حضاري نفتقده . ما يحدث وما حدث في وطننا العربي الكبير، هو نوع من الإنفجار والغضب ورد فعل كان منتظرا لكنه خلف أضرارا كثيرة، وهو مستمر في ذلك لأنه يفتقد لعنصر المثقف، ..من المفروض أن أي ثورة يقودها مثقفون واعون بالمشكلة الحقيقية لا إلى إيقاظ الأحقاد الإثنية والعرقية واللغوية والدينية التي تدمر وحدة المجتمع?، كما قال الصديق والروائي الجميل واسيني الأعرج ولهذا عموما أنا أرى شخصيا أن الوطن العربي يحتاج إلى إبن رشد وليس إلى إبن تيمية. وأنتم تنشطون بإستمرار خارج الديار. ● كيف ترون القصيدة الشعرية في بلادنا؟ ¯ القصيدة الشعرية في الجزائر، سؤال جميل ويتيم في نفس الوقت، تعالي نتفق أن القصيدة ليس لها وطن ...بصدق شديد القصيدة الجزائرية أخذت مسافتها وطارت بعيدا على أجنحة حروفها فعرفها العالم الآخر، وهذا لأنها صادقة وإنتفضت وصرخت حين تألمت في كل المراحل التاريخية للجزائر، بدءا بابن باديس، ومفدي زكريا، محمد العيد آل خليفة، وعمر البرناوي، مالك حداد السائحي، عبورا بلوصيف عثمان الدهشة، إلى القدير سليمان جوادي المتمرد عادل صياد وأسماء أخرى لا تعد وقد ظهرت أصوات جديدة لها مساحتها وصوتها يعلو في سماء الشعر مثل نصر الدين حديد، البغدادي، ووجوه شبابية أخرى جديدة لكن دعيني أخبرك أنه يوجد شعراء كثر، ولهم قدرات عجيبة لكنهم مهمشين وسأذكر لك بعضهم على سبيل المحبة دوسن زيان من عين الحجل، وعلى قوادري من الإدريسية و محمد عياش، من بسكرة .. كما لا ننسى أن الشعر الملحون قد عبّر عن قدراته ..أختي الكريمة القصيدة الجزائرية إستثناء جميل. ● شاعر مغترب ، لمن تكتب وكيف تكتب وما هي طقوس الكتابة لديكم ؟. ¯ شاعر مغترب كم هو جميل هذا الوصف، لكنه خاطئ لأن الشاعر كل الأوطان أوطانه أما عن الغربه فأرى أن تعريفها الشائع بين الناس خاطئ أيضا لأن الغربة الحقيقية ليست غربة المكان ولكن غربة الذات، فقد نشعر بغربة كبيرة ونحن في وطننا وبين أهلنا ... الغربة هي أن تشعر أن لا أحد يسمعك، وأن مساحتك وإطارك ليس لك وأنك على هامش كل الأشياء. أما عن الكتابة؛ فليس لها توقيت ولا موعد ، تزورك دون أن تنتظرها ولا تطرق بابك تدخل بيتك دون سابق استئذان، وهنا أتذكر الروائي والسيناريست الجزائري عيسى شريط، صاحب رائعة لاروكاد والجيفة والكائن الذي لا يشبه المدينة ، أني سألته مرة عن مشروعه الآني فقال لي :يا صلاح أرضي جافة، ولم يزرها غيث الكتابة من مدة طويلة أما عن طقوس الكتابة فالكتابة هي الطقوس نفسها ، أنا أختي الكريمة لا أكتب أنا أتقيأ أوجاعا. ● صدرت مجموعتكم الشعرية الأولى رسائل الحياة في الجزائر ، كيف استقبلتم أول خطوة للنشر ؟ ¯ رسائل الحياة الصادرة عام ,2009 كنت حينها أشعر أني أنا مركز العالم، والكل يدور حولي كنت أشعر أني أحلق أطير بأجنحة حروفي وأصيح فرحة وأقول :هذا كتابي فاقرؤوه هذا أنا الطفل القادم من عين الحجل، لي كتاب يفسر أحلامي وجعي هواجسي، ..وفي نفس الوقت إرتادني خوف كبير شك دكارتي مزعج يهمس في أذني دون انقطاع ويقول هل أنت فعلا شاعر ؟ سيضحك عليك النقاد ستكفرك القبيلة، ستضطر للرحيل تاركا بساتينك عرضة للتلف أنت نبي لا يقبله أهله ظل شاعر يبحث عن جسد،....يعني كنت أتدحرج بين الفرحة والخوف، وهذا شعور إستثنائي يجعلك تعير رسم وجهك أجمل وأدق .. أما عن حضوري فقد ذهبت زوجتي إلى المعرض الدولي للكتاب في العاصمة الجزائرية برفقة الوالد وكانت فرحتهما لا تسع الكون. ● مجموعتكم الشعرية الثانية عنونتموها ب هذا أنا ، من أنت إذن ؟ ¯ أنا لست شاعرا، أنا أقرأ رسائل الحياة والموت الموشمة على جبين البشر، ثم أترجمها إلى نصوص في براءة الأطفال. هذا أنا هو البحث عن الذات والكينونة سفر، في المنتهى أسئلة كثيرة تستفزني ولست وحدي، قراءتي للآخر عدمية أحيانا ... هذا أنا ليس تعريفا لي فقط، ولكنه قلق وجودي تارة يعقبه رفض لسيرورة الإنسان، كتلة معقدة لا يمكن أبدا أن نعرّفه أو نعرفه لأنه دوما يفاجئك بأشياء تجعله أكثر تعقيدا. هو مخلوق تائه منذ البداية، بل و قبلها وقد زادته الهوية تعقيدا ، المشكلة أننا داخل دائرة الهوية ونبحث عنها.هذا أنا هو بحث أخر في الذات. ● بما أنكم رجل جزائري - بارسي في نفس الوقت ، هل المجتمع الفرنسي يجعل من كتاباتكم أكثر حرّية ؟ ¯الجزء الأول من سؤالك لا أحبه، ولن يجيبك شاعري عليه ولهذا أنا مضطر أن أجيب بدله...وهو أن الشاعر الحقيقي لا وطن له ولا إنتماء، هو شاعر وهذا هو وطنه وهذه هي هويته هو تماما في صف الأنبياء رسالته لا تخص شعبا ما أو قبيلة أو ..وإنما كل الوجود ماضيه حاضره ومستقبله، وأنا أقول الوجود وهنا يتعدى الإنسان ...أمّا عن الحرية في المجتمع الفرنسي، فأنا أكاد لا أعرفها لأنها موجودة في كل شبر فرنسي إلى درجة أنها ذابت ولا نراها مثل الهواء، الحرية نراها نحلم بها حين نفتقدها لأنها نعمة والنعمة لا نعرف قيمتها إلا إذا إفتقدناها، أما عن طقوس الكتابة فكما أخبرتك آنفا الكتابة تولد من بطن لا نشعر بحملها . ● كيف يقدم لنا الشاعر صلاح الدين الحياة الثقافية الباريسية ؟ ¯ باريس هي وعاء لكل الثقافات لا يمكنني أن أقول أكثر. ● تكتب القصة والشعر، أيهما أقرب إليك ؟ ¯ الإبداع هو تفسير آخر للإنسان، وبلغة أخرى لا يفهمها ولا يفك شفرتها إلا من حاول فهم نفسه وباستعداد خاص جدا ،يكون فيها هو السيد والحاكم والمسيطر مطلقا، ودون أي تخوف من أي عنصر دخيل يشوش ولوجه في نفسه، سواء أكان إديولوجيا، أو سيكولوجيا، أو أي عنصر يذكره بالطابوهات العقائدية أو التقاليد...هو بحث في الوجود من خلاله ولهذا لا يمكنني أن أحصر الرسالة الإبداعية في خانة وأقول هذا شعرا أو هذه قصة ....كل رسالة جميلة ترسم وجه الإنسان بدقة فنية هي إبداع ، القاص أو الشاعر أو الروائي رسام وعليه أن يتقن لوحته . ● وهل من لوحة جديدة تزفونها لعشاق صلاح الدين مرزوقي؟ ¯ لا أعرف لماذا سؤالك رحل بي بعيدا إلى عادل العوا ، الإنسان ذلك المعلوم وإنساني ذهب إلى الإنسان ذلك المجهول ألكسيس كاريل الإنسان مشروع وجودي لا ينتهي، وله أكثر من بداية ونهاية مبهمة ، هو رحالة لا يتوقف ، سفره في المنتهى. لي قريبا كتاب بعنوان نهر السين ومشروع رواية قيد الطبخ بعنوان ابن ربعية. ● وأنتم خارج الديار كلمة أخيرة ، لمن ؟ ¯ على رأي سيدة الطرب أم كلثوم أنساك دا كلام أنساك يا سلام. ما أتمناه هو أن لا ننسى وطن الشمس الجزائر، وأن نحرر مثقفينا من حصارهم وأن نخرج الحمامة البيضاء من جدائلها، وأن يتوقف البعض عن تشويه صورة الله وأن ننزل إلى الشارع ننظف. نكرم المبدع نسلط الضوء على كتّاب طال تهميشهم، وكل هذا أنا أراه جليا في مدينة الجمال والحب عين الحجل، شباب ينظفون الشوارع يكرمون العامل والكاتب وووو.. وبوسائلهم البسيطة والمحدودة، وهذا هو السلوك الحضاري، وختاما أشكركم على هذه اللفتة الطيبة . كل تقديري وإحترامي.