يعرف عن مدينة ميلة أنها كانت محضنا لمختلف الثورات الشعبية ضدّ المحتل، وكانت مركزا استراتيجيا للثورة الجزائرية »1962 1954م«، ومن كبار شهدائها البطل »لخضر شايبي« المدعو بن غوالة، إضافة إلى الأولياء الصالحين:»سيدي بويحيى، سيدي عزوز، سيدي سعدون، سيدي محرز، سيدي بوخزر، سيدي علي العواد« ، ولا يمكن الحديث عن شيوخ هذه المدينة دون التعريف بأحد أبطالها المجاهد الشيخ السعيد بلحي المدعو » شاوش النظام« الذي كان من السباقين للانضمام إلى الحركة النضالية .1945 البطل الشيخ »السعيد بلحي« حسب رواية أحد أبناء أسرته المجاهدة، التي تضمّنتها قصّة تاريخية تحصّلت »صوت الأحرار« على نسخة منها، من طرف مندوبية تاجنانت، قسمة تاجنانت التابعة للمنظمة الولائية للمجاهدين بميلة، من مواليد 1901 بمشتة واد كارب دوار أولاد العربي بلدية بن يحي عبد الرحمان حاليا ولاية ميلة، ابن خلدون بن عمار وأمه راس العين العارم''. درس القرآن بمسقط رأسه مثل أبناء عمومته ترعرع في وسط عائلة فقيرة حيث تعتمد في دخلها على خدمة الفلاحة وتربية المواشي. وكان الشيخ السعيد في هذه الظروف يتميز بهمة عالية وعلاقته طيبة مع أهله وجيرانه وأبناء قريته. وعند بلوغه سن العشرين من عمره نادته الحكومة الفرنسية للتجنيد الاجباري وعند نهايته للخدمة رجع إلى أهله فتزوج وأكمل نصف دينه، وبدأت مسؤولياته تكبر خاصة بعدما فقد والديه وغير نشاطه الفلاحي ولجأ إلى التجارة وفي عام 1944 م توجه إلى الزاوية الحملاوية فأصبح من خدامها وطلابها حيث أكمل حفظه للقرآن الكريم وفي عام 1945م دخل الحياة السياسية مع الحركة الوطنية بعدما عرضت عليه مجموعة من المناضلين الانضمام إلى القضية الوطنية ولشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه وشعبه سارع في تلبية الدعوة. وكان من السباقين حيث أصبح عضوا ناشطا يجمع الاشتراكات والاسلحة واستطاع أن يوسع نشاطه السياسي بتنقله من الزاوية الحملاوية إلى فروعها الموجودة بقالمة وسطيف وبجاية وخراطة. وبينما كان الشيخ في مدينة خراطة كانت عليه وشاية من طرف بعض الخونة السريين التابعين لفرنسا، وسرعان ما طوق الجيش الفرنسي مدينة خراطة وقام بعملية تفتيش واسعة وقام بجمع السكان للبحث عن الاشخاص المطلوبين وكان من بينهم الشيخ، ومعروف عندهم باسم ''الشاوش السعيد'' حسب الوشاية ولما وصل دوره للتعرف عن هويته طلبوا منه إظهار بطاقة الهوية الوطنية، حيث راودتهم بعض الشكوك فمنهم من يقول إنه هو الشخص المطلوب ومنهم من يقول لا ليس هو، فغشي الله أبصارهم وأطلقوا سراحه وسرعان ما اختفى عن أنظارهم وانصرف بسرعة البرق وقام أحد المناضلين بإيوائه إلى غاية انتهاء التفتيش وبعدها أخرجوه الرجال بطريقتهم ونجا الشيخ بأعجوبة وواصل نضاله السياسي. وفي سنة 1949 م انتقل الشيخ من الزاوية إلى مدينة تاجنانت حيث استقر فيها مع عائلته وأصبح من سكانها، مواصلا نضاله والتنقل هنا وهناك عندما يتطلب الواجب ذلك إلى غاية 1955م حيث تفطنت فرنسا إلى عمله وانكشف أمره هو ورفقاؤه الذين كانوا ينشطون معه أمثال لهوي عبد الرحمان، ساسي محمد وغيرهم من المناضلين وأخبروهم بعض الاخوة المخلصين بأن أمرهم انكشف وأن العدو يخطط للقبض عليهم، فما كان عليهم إلا الاسراع لمغادرة المدينة والتوجه إلى الجبل وفعلا في تلك الليلة قام الجيش الفرنسي بتطويق ومحاصرة منازلهم أي كل المناضلين الذين جرت عليهم الوشاية المذكورين أعلاه فكلهم غادروا منازلهم بالنهار فسلطت فرنسا غضبها على أفراد أسرهم ومن بينهم الشيخ السعيد بلحي بأخذ ابنه الاكبر '' عبد الحميد'' ولكن '' من شابه أباه فما ظلم'' كما يقول المثل. حيث قام الابن عبد الحميد وهو لم يتجاوز السادسة عشر من عمره بالالتحقاق بأبيه هو الآخر ولم يبق من أسرة الشاوش السعيد إلا الزوجة والأبناء الصغار '' عمر، اسماعيل اللذين كانا يدرسان في المدارس القرآنية وكذا المدارس الفرنسية. وكان أبوهما على اتصال بالأسرة ومعرفة أخبارها عن طريق أحد المناضلين الأوفياء سرا عن فرنسا التي كانت في كل مرة تأتي هي وأذنابها من الحركة لتثبت الرعب والخوف في أفراد الاسرة واسم هذا المناضل الشيخ ''المدني تروش'' واستمر هذا الحال إلى غاية 1957 م أين استأذن الشيخ السعيد من أحد المسؤولين في ذلك الوقت وهو عز الدين بن امبارك الذي لا زال على قيد الحياة إلى يومنا هذا بالموافقة على أن نلتحق بالأب إلى الجبل ودائما مع الشيخ المدني تروش الذي أخبرنا للاستعداد والتهيؤ للخروج من المدينة للانضمام إلى درب الشيخ وهكذا التحقت الزوجة والأبناء عمر، وإسماعيل وأصبحت الأسرة كلها مجاهدة في سبيل الله والوطن وبفضل الله والرجال المخلصين كان النصر حليفنا والحمد لله. هذا فيما يخص أسرة شاوش النظام. وأما إن تطرقنا إلى العائلة الموسعة سنجد 20 مجاهدا من هذه العائلة منهم: 10 شهداء و10 كانوا مجاهدين عاشوا مرحلة الاستقلال. وبقي الشاوش مكملا مسيرته النضالية مع العلم أنه تقلد عدة مهام من بينها مسؤول التميين ثم مسؤول بريد القسم وكذا قائد دوار المخانشة بلدية تاجنانت وتسلم شاوش النظام مفاتيح بلدية تاجنانت من مير الفرنسي (قارسيا) كما قام بإنزال العلم الفرنسي ورفع العلم الجزائري بطلقات البارود تحية للعلم وكان ذلك بحضور جمع غفير من المواطنين والمجاهدين وصار حفلا بهيجا غمرته الفرحة والبهجة والسرور واكتملت فرحة الجميع، كما ترأس الشيخ السعيد رئاسة بلدية تاجنانت من تلك الفترة إلى نهاية عام 1963م وكان أيضا مسؤول منظمة المجاهدين بتاجنانت إلى غاية 1966م ومنذ هذا التاريخ بدأ المرض بتسلل إلى الشيخ السعيد شيئا فشيئا حتى أقعده الفراش لمدة طويلة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى يوم 28 نوفمبر 1989 م وهكذا انتهت مسيرة عائلة شاوش النظام وأسرته المجاهدة أثناء ثورة التحرير وبعد الاستقلال.