تعد مجلة بونة للبحوث والدراسات،التي تصدر عن مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بمدينة عنابة، واحدة من المجلات الجزائرية و العربية البارزة ، وقد امتازت بحضورها على الساحة الثقافية بمواضيعها وأبحاثها العميقة والجادة التي تمازج بين الأصالة والمعاصرة،لتضمن التواؤم بين القديم والجديد. وقد خصص العدد الثاني من المجلة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،وقد كتب فيه عدد كبير من الباحثين،والعلماء المتميزين. اشتمل العدد على مجموعة من الدراسات القيمة عن جمعية العلماء المسلمين، وأفكارها،ونهجها الإصلاحي، ،تناول فيها الكتّاب قضايا كثيرة تتعلق بمبادئها،وأسسها، ومشروعها الإصلاحي. وقد قسم العدد إلى قسمين رئيسين: القسم الأول:يتصل بالأبحاث والدراسات:ونلفي فيه دراسة للدكتور رابح تركي عمامرة،موسومة ب: « التعرف بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين :نشأتها، أهدافها، وأعمالها التربوية والوطنية، ودورها في ثورة الفاتح نوفمبر »،وقد قسمها إلى عدة عناصر،حيث عرّف الجمعية،مقتبساً ما جاء في منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939 م ما يلي : » إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها، جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مبدئها وغايتها، أسست لغرض شريف، تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتد في القدم إلى قرون وأجيال، وهذا الغرض هو تعليم الدين ولغة العرب التي هي لسانه المعبر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله وللصغار في المدارس على وفق أنظمة لا تصادم قانونا جاريا ولا تزاحم نظاما ما رسميا ولا تضر مصلحة أحد، ولا تسيء إلى سمعته فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين عقيدة، اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايته وعلى التعليم والتعليم مهنة، اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها «. أما المبادئ التي ناضلت من أجلها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،فقد أوضح الدكتور رابح تركي عمامرة أنه» يمكن اختصارها في الشعار المعروف الذي كانت تكتبه على غلاف البعض من كتبها المدرسية التي يدرس فيها تلامذة مدارسها وهي : الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا. ... وكانت جريدة البصائر، وهي اللسان المركزي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحمل في صدر صفحتها الأولى تحت العنوان مباشرة، الشعار التالي : وهو (أي شعار الجريدة) العروبة والإسلام، وذلك بتقديم لفظ العروبة على لفظ الإسلام، باعتبار اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وبالتالي هي لغة الإسلام. وطبقا لشعارها، الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا، وهي المقومات الأساسية للشخصية الجزائرية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فقد ناضلت جمعية العلماء نضالا صامدا لا هوادة فيه، ضد كل ما يمس أحد مقومات الشخصية الجزائرية من قريب أو بعيد ولذلك حاربت حربا شعواء الأمور التالية : 1 التنصير 2 الفرنسية 3 التجنيس 4 الاندماج في فرنسا كما كانت تحارب حربا شعواء كذلك، ظاهرة زواج الجزائريين بالأوروبيات، وكانت تنادي بأن كل جزائري يتزوج بامرأة أوروبية فهو قد أدخل الاستعمار إلى بيته. إن أركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،قد تجلت فيما كتبه الشيخ عبد الحميد بن باديس في البصائر عدد 83 الصادرة في 30 سبتمبر 1937 م يقول : العروبة، والإسلام,و الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم، وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا، وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة. وبعد أن تحدث الدكتور رابح تركي عمامرة،عن أهدافها،ومبادئها تساءل عن كيفية مقاومة جمعية العلماء المسلمين لسياسة التجنيس،فهو يرى أن من أهم المسائل التي كانت موضع احتكاك بين جمعية العلماء، وحكومة فرنسا في الجزائر، هو موقف الجمعية من سياسة التجنيس التي فرضتها فرنسا على الجزائريين بمقتضى القانون الإمبراطوري الصادر في 14 جويلية 1865 م. وقد نص القانون المذكور في أحد فصوله على أن » الأهلي الجزائري زفرنسيس « ونص في فصل آخر على أن الجزائري لا ينال الحقوق السياسية التي يتمتع بها المواطن الفرنسي الأصل، إلا إذا تجنس بالجنسية الفرنسية. وقد ذكر واضع هذا القانون الغريب أن المسلم الجزائر زالفرنسوي بمقتضى الفصل الأول تجري عليه أحكام الشريعة الإسلامية. وأما المسلم الجزائري الفرنسوي حسب الفصل الثاني أعني المتجنس فتطبق عليه نصوص الشريعة الفرنسوية القانون المدني الفرنسي في مسألة الأحوال الشخصية من زواج، وطلاق، وميراث وفي عام 1919 م صدر قانون آخر لم يدخل على قانون 1875 أدنى تحسين بل أبقى المسلم الجزائري مخيرا بين أمرين : إما أن يكون فرنسويا بلا حقوق، وإما أن يتجنس بالجنسية الفرنسوية، التي هي جنسيته الرسمية رغم أنفه و ينسلخ عن الذاتية الإسلامية لينال الحقوق الفرنسية وقد اشتدت دعوة الجزائريين إلى التجنس بالجنسية الفرنسية والتخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية بعد مرور قرن على احتلال فرنسا للجزائر وذلك في عام 1932 م. حيث أصبح للتجنيس دعاة متحمسون من بعض الجزائريين الذين سبق أن تجنسوا بالجنسية الفرنسية وأرادوا أن يكثر عددهم فأسسوا لذلك بعض الجرائد التي صارت تحث الجزائريين على التجنيس من أجل الحصول على الحقوق الفرنسية في مقابل التخلي عن أحد مقومات الشخصية الجزائرية وهو الإسلام. وقد هال الأمر جمعية العلماء بعد تكوينها في عام 1931 م فشنت على التجنيس ودعاته حملة شعواء بواسطة الخطابة، والندوات العامة، والدروس الدينية، ثم بواسطة جريدتها البصائر التي أصدرتها في عام 1935 م. فقد كتب رئيس تحريرها الشيخ الطيب العقبي افتتاحية عنيفة تحت عنوان » مكمن الصرعية في التجنس والمتجنسين « مما جاء فيها قوله : »التجني بمعناه المعروف في شمال إفريقيا حرام، والإقدام عليه غير جائز بأي وجه من الوجود . ومن استحل استبدال حكم واحد من أوضاع البشر وقوانينهم بحكم من أحكام الشرع الإسلامي فهو كافر مرتد عن دينه بإجماع المسلمين. لا يرجع إلى دائرة الإسلام وحظيرة الشرع الشريف حتى يرفض باتا كل حكم وكل شريعة تخالف حكم الله وشرعه المستبين «.وكتب الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي رئيس لجنة الإفتاء بجمعية العلماء افتتاحية في البصائر تحت عنوان » التجنيس كفر وارتداد « مما جاء فيها ما يلي : » ... فهؤلاء المبتدعون للتجنيس على علم بتلك الحقيقة الاجتماعية الدينية ز من كثر سواد قوم فهو منهمس فيكون التجنيس غزوا للعقائد الإسلامية. ومحاولة لتكفير المتجنس بطريقة يستهوي الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، وأنا أتحقق كما يتحقق كل عائق أن هذه المكفرات لا يفعلها من ربي من أحضان الإسلام. وأشرب قلبه حسب ما جاء في كتاب الله ، وإنما يرتكبها من أنشئ نشأة بعيدة عن الإسلام وتعاليمه «. كما نقرأ في هذا العدد مقالاً للباحث المعروف الدكتور عبد الملك مرتاض تحت عنوان: »جمعية العلماء : الأسس، والمبادئ، وجبهات النّضال... «،ذكر فيه في البدء: » إنّ جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين مؤسّسة فكريّة وتربويّة ودينيّة كبيرة، وهيئة سياسيّة متألّقة تعتمد الثقافة والعلم والفكر سبيلاً لها في تحقيق أهدافها، وإجراءً في نشر أفكارها وآرائها. وهي هيئة لم يعرف التّاريخ الثقافيّ ولا السّياسيّ مثيلاً لها في الجزائر. فقد تأسّس، في العِقد الأخير، أحزاب كثيرة، وكبيرة حاولت أن تصاول الحزب الكبير الأوّل في الجزائر؛ لكن من العسير، بل ربما يكون من المستحيل، نِشْدانُ هيئةٍ فكريّة وثقافيّة وتربويّة في مستوى جمعيّة العلماء التّاريخيّة: شجاعةَ نضالٍ، وتألّقَ فكر، وبيانَ تبليغ، وسَعةَ نشاطٍ، وقوّةَ إعلام، وامتدادَ نفوذ، وعظمةَ مكانةٍ في السّاحة الوطنيّة كلّها. وقد يقول قائل: اختلف الزّمان، وتغيّرت الأحوال، وعادت الدّولة هي التي تتولّى أمر التّربية والتّعليم، ووزارة الثقافة هي التي تتولّى أمر التنشيط الثقافيّ والفكريّì وقد نقول نحن أيضاً ذلك، ولكنّ النتيجة تظلّ واحدةً، والحكم قائماً لا يَريم؛ أي أنّ جمعيّة العلماء كانت فلتة في التّاريخ الوطنيّ فلا تتكرّر, ¯ يتبع