تعد مجلة بونة للبحوث والدراسات،التي تصدر عن مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بمدينة عنابة، واحدة من المجلات الجزائرية و العربية البارزة ، وقد امتازت بحضورها على الساحة الثقافية بمواضيعها وأبحاثها العميقة والجادة التي تمازج بين الأصالة والمعاصرة،لتضمن التواؤم بين القديم والجديد. وقد خصص العدد الثاني من المجلة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،وقد كتب فيه عدد كبير من الباحثين،والعلماء المتميزين. وأما الدكتور محمد بن سمينة-رحمه الله-،فقد أفرد مقاله للحديث عن» مسار الجهاد السياسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين« من خلال تجربة رئيسها الإمام ابن باديس في المؤتمر الإسلامي 1936«،وقد وصف بحثه هذا بأنه ينظر في بعض الصفحات من سجل مسار الجهاد السياسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رائدة الحركة الوطنية الحضارية، وذلك من خلال تجربة الإمام عبد الحميد ابن باديس 1889/1940 مؤسس هذه الحركة ، في المؤتمر الإسلامي المنعقد 1936 في الجزائر العاصمة ، و لاحظ أن إسهامات الإمام في العمل السياسي قد شملت هذا الميدان بجانبيه النظري والعملي ، وقد تمركزت مناقشته لإجلاء هذا الموضوع في المحاور الآتية:في الحقل النظري أولا : المدخل ثانيا : البعد السياسي في المشروع الباديسي ،ثالثا: مفهوم ومنهج ،رابعا : اختيار وتعليل،في الحقل العملي :خامسا: معالم من مسار الجهاد السياسي للإمام ابن باديس،سادسا: تجربة الإمام ابن باديس في المؤتمر الإسلامي،سابعا: نضج وتطور،ثامنا : الخاتمة . في الشق النظري من المقال قدم الدكتور محمد بن سمينة لمحة تاريخية عن الأوضاع العامة التي عرفتها الجزائر،وذلك في مدخل المقال،إذ أشار إلى أن: الجزائر كانت في العصر الحديث من أسبق شقيقاتها في العالم العربي الإسلامي ابتلاء بالاحتلال الأوروبي ، 1830 وذلك على أيدي الغزاة الفرنسيين دعاة (الحرية والمساواة والأخوة) هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم متطوعين من أجل نصرة الحقوق الإنسانية ونشر الحضارة والمدنية بين المستضعفين - كما يزعمون - وذلك عن طريق احتلال بلاد هؤلاء المستضعفين ونهب خيرات أراضيهم والقضاء على مقومات شخصيتهم! وقد كانت الجزائر من بين هذه البلدان التي أخذت بحظ وافر من هذه (الجهود الإنسانية المشهودة والمحمودة) على أيدي الغزاة الفرنسيين الذين استهدفوا من خلال هذه الهجمة الصليبية التغريبية القضاء على كيان الشعب الجزائري : أرضا وعمرانا، مقومات وقيما ، ثقافة وحضارة . إلا أن الشعب الجزائري لم يرضخ لهذه الهجمة وهذا العدوان ، وإنما قام يتحداهما بإيمان وشجاعة ، وكان ذلك على امتداد جبهات عديدة : 1 المقاومة المسلحة من ثورة الأمير عبد القادر 1830 إلى كبرى الثورات الجزائرية ، ثورة نوفمبر.1954 2 الصراع الفكري من مبادرات الإصلاح الديني على يدي الشيخ صالح بن مهنا 1854/1910 في أواخر القرن التاسع عشر . ومن عاصره وجاء من بعده من شيوخ مطلع القرن العشرين ، إلى الحركة الإصلاحية الحضارية للإمام ابن باديس في العشرينات من القرن الماضي . 3 الجهاد السياسي من جهود الأمير خالد 1875 / 1936 في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، إلى جهاد جبهة التحرير الوطني إبتداءا من نوفمبر 1954 . ويمكن أن يميز الباحث في هذه المقاومة السياسية تيارات ثلاثة : 1 التيار الوطني الحضاري (الانطلاق من الاستقلال الشخصي كمقدمة للنضال من أجل الاستقلال السياسي الحركة الإصلاحية الحضارية في العشرينات من القرن الماضي واستمرارية نشاطها في مشروع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ابتداء من عام .1931 2 التيار الوطني السياسي الاعتماد على النضال السياسي من أجل الاستقلال الوطني) حزب النجم 1926 ثم حزب الشعب الجزائري 1937 ثم حركة انتصار الحريات الديموقراطية في الأربعينات 3 التيار الوطني الاندماجي المطالبة بالمساواة جماعة النخبة ما بين الحربين. ¯ يتبع