توعّد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بقمع كل تجاوز في النفقات العمومية، وطالب بموجب ذلك مختلف القطاعات بالاستمرار في سياسة الحيطة من خلال اعتماد الصرامة في الإنفاق، معتبرا أن الأولوية في المرحلة المقبلة هي استقطاب أسواق أجنبية جديدة، حيث دافع عن خيارات الحكومة الأخيرة الهادفة إلى تحفيز الاستثمار المحلي والبحث عن إيرادات جديدة تجنّب الاقتصاد الوطني التبعية لعائدات المحروقات. لم يفوّت رئيس الجمهورية جلسة الاستماع التي خصّصها لقطاع المالية، من أجل تقديم بعض الملاحظات التي جاء من ضمنها حديثه عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث اعتبر أن الأخيرة تفرض على الجزائر ضرورة تعجيل جهود التنمية بأقصى ما يمكن بما يسمح، حسبه، بقلب الوضع ل «إخراج البلاد من التبعية لسوق النفط العالمية». وبحسب تأكيد بوتفليقة فإن الدولة ستعمل جاهدة من أجل تقليص تكلفة الواردات والعمل من جانب آخر على استقطاب أسواق أجنبية جديدة بالإضافة إلى استعادة السوق المحلية، وهو الدور الذي أكد بشأنه أنه لا يقتصر على الدولة فحسب بقدر ما تقع المسؤولية كذلك على الأعوان الاقتصاديين الذين يتوجب عليهم، بناء على ملاحظات رئيس الدولة، انتهاج نفس المسلك. وفي تقدير رئيس الجمهورية فإن الفضل في نجاح الجزائر في الحفاظ على حركيتها التنموية ومواجهة تداعيات الأزمة العالمية يعود بالأساس إلى ما أسماه «الاختيارات الحذرة التي اتخذتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة»، ولذلك أورد أن استمرار هذا النجاح يرتبط هو الآخر بمواصلة سياسة الحيطة هذه من خلال الصرامة وقمع كل تجاوز في النفقات العمومية مع السهر على ترقية التنوع الاقتصادي وإيرادات جديدة للبلاد. إلى ذلك لم يغفل القاضي الأول في البلاد تقديم تعليمات للحكومة بهدف تثمين وتطبيق مختلف أشكال التشجيع والتحفيز التي تم تحديدها لفائدة الاستثمار المحلي ومواصلة إعادة تأهيل الأداة الصناعية العمومية القابلة للاستثمار مع تشجيع شراكات ذات نوعية، كما شدّد أيضا أنه «من الضروري مواصلة إصلاح النظام المصرفي والمالي لعصرنته وضمان نجاعته»، ملتزما في المقابل بدعم اقتصاد السوق لكن هذا لن يؤدي، حسبه، إلى ليبرالية غير متحكم فيها يهدد مصالح المجموعة الوطنية. وقد جاءت تعليمات رئيس الدولة عقب عرض مفصّل قدّمه وزير المالية الذي تشير أرقامه إلى أن الجزائر سجلت نموا بنسبة 6.1 بالمائة في الاقتصاد الكلي خلال العام الماضي خارج المحروقات وذلك رغم النمو السلبي الذي عرفه القطاع الفلاحي المتضرّر بفعل الجفاف، موضحا أن المؤشرات الأولية لسنة 2009 تسمح بتوقع مستوى أكبر في نمو الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات. أما بالنسبة للتضخم الذي بلغ نسبة 4.4 بالمائة في 2008 في سياق تضخمي مرتفع على الصعيد العالمي، فمن المتوقع وفق تقديرات جودي أن يبقى مستقرا عند هذا الحد مع نهاية 2009، وأعلن الوزير أنه فيما يتعلق بالمالية الخارجية فلم تسلم هي الأخرى من تأثيرات الأزمة العالمية من خلال تراجع أسعار المحروقات التي انتقلت مداخيلها من 79 مليار دولار سنة 2008 إلى حوالي 20 مليار دولار فقط خلال السداسي الأول من السنة الجارية، في حين عرفت الواردات استقرارا نسبيا خلال السداسي الأول من 2009 بعد أن سجلت نموا معتبرا بين سنتي 2005 و2008 حيث بلغت 38 مليار دولار السنة الماضية. وبخصوص احتياطات الصرف فقد انتقلت من 143 مليار دولار في نهاية 2008 إلى 144 مليار دولار في نهاية جوان 2009 وبقيت مستقرة في شهر جويلية 2009، في حين أن جاري الديون الخارجية في المديين المتوسط والبعيد فهو متموقع في حدود 3.9 مليار دولار، ورغم تأثر المالية العمومية بتراجع الجباية النفطية فإن ذلك لم يؤثر مع ذلك على كثافة النفقات العمومية للتنمية باعتبار أن الأشهر الخمسة الأولى من 2009 سجلت تراجعا في الجباية النفطية بنسبة 40 بالمائة عوضه جزئيا تحسن في المداخيل العادية للخزينة التي ارتفعت ب30 بالمائة. والتزم وزير المالية أمام رئيس الجمهورية بمواصلة إصلاح البنوك العمومية مع إبرام عقود نجاعة جديدة بالنسبة لمسييرها مع تكثيف الإصدارات السندية في السوق المالية التي تسجل أيضا بروز مؤسسات خاصة في هذا المجال، كما أكد وجود تحسن في تمويل المشاريع المصغرة المولدة لمناصب شغل بعد تطبيق التعليمات التي أعطاها رئيس الدولة السنة الماضية حول هذه المسألة أدت إلى تحسن بحوالي 150 بالمائة من حجم المشاريع المصغرة التي تمولها البنوك. ودافع كريم جودي عن خيار إنشاء الصندوق الوطني للاستثمار الذي يرافق المؤسسات العمومية التي تشرف على برامج عصرنة وتأهيل زيادة على مشاركته في المساهمات الوطنية ذات الأغلبية في عمليات الشراكة، وقال إن كل هذه المساعي الذي تضاعف من خلاله السلطات العمومية المبادرات قصد تشجيع الاستثمار المحلي سيتعزز قريبا بتحفيزات جديدة تخص القرض الترقوي العقاري لفائدة المواطنين الراغبين في شراء أو بناء أو توسيع سكناهم.