سجل الاقتصاد الكلي الوطني نموا بنسبة 1ر6 بالمائة سنة 2008 في الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات، وأكد العرض الذي قدمه وزير المالية خلال الاجتماع التقييمي الذي ترأسه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة للقطاع أول أمس أن الإجراءات المقررة تمكن البلد من مواجهة الوضع بهدوء ومواصلة وتيرته المكثفة للتنمية بفضل الادخار العمومي المحصل. وأبرز العرض أن نسبة النمو هذه جاءت بفضل الأداء الحسن للقطاعات خارج المحروقات خلال السنوات الأخيرة، واعتماد البرنامج الواعد للاستثمارات الذي بادر به الرئيس بوتفليقة، وأمام هذه النتائج يتوقع أن تسجل نسبة نمو أكبر خلال السنة الجارية، بالنظر إلى جملة الإجراءات المخصصة للإصلاح الجبائي والبنكي قصد تشجيع الاستثمارات وتمويلها، وفي هذا الصدد وجه الرئيس بوتفليقة تعليمات للحكومة لتثمين أشكال التشجيع والتحفيز لفائدة الاستثمار المحلي للاستثمار مع تشجيع شراكات ذات نوعية. كما تمت الإشارة إلى أنه بفضل الاختيارات الحذرة التي اتخذتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة تمكنت من الحفاظ على حركيتها التنموية. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الجمهورية مواصلة سياسة الحيطة من خلال الصرامة وقمع كل تجاوز في النفقات العمومية مع السهر على ترقية التنوع الإقتصادي وإيرادات جديدة للبلاد. فقد ترأس رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اجتماعا تقييميا خصص لقطاع المالية وبهذه المناسبة قدم وزير المالية عرضا حول الوضع الاقتصادي والمالي للبلد وآفاقه وكذا الإجراءات التي اتخذت أو ستتخذ في إطار إصلاح القطاع البنكي ومختلف إدارات القطاع. على صعيد الاقتصاد الكلي، فقد سجلت سنة 2008 نموا بنسبة 1ر6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات على الرغم من تسجيل نمو سلبي في القطاع الفلاحي الذي تضرر بفعل الجفاف. وتندرج هذه النتائج في إطار تواصل الأداء الحسن للقطاعات خارج المحروقات خلال السنوات الأخيرة والذي تعزز بفضل البرنامج الهام للاستثمارات الذي بادر به رئيس الجمهورية. تسمح المؤشرات الأولية لسنة 2009 بتوقع مستوى أكبر في نمو الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات. بالنسبة للتضخم الذي بلغ نسبة 4ر4 بالمائة سنة 2008 في سياق تضخمي مرتفع على الصعيد العالمي فمن المتوقع أن يبقى مستقرا عند هذا الحد سنة 2009. وفيما يتعلق بالمالية الخارجية للبلد فلم تسلم هي الأخرى من تأثيرات الأزمة العالمية من خلال تراجع أسعار المحروقات. وبعد أن وصل إلى حوالي 100 دولار طوال سنة 2008 تراجع معدل سعر البرميل بشدة لينحصر في حدود 53 دولارا خلال السداسي الأول من سنة 2009. وبالتالي انتقلت مداخيل المحروقات من 79 مليار دولار سنة 2008 إلى حوالي 20 مليار دولار فقط خلال السداسي الأول من السنة الجارية. وبالمقابل عرفت الواردات استقرارا نسبيا خلال السداسي الأول من هذه السنة بعد أن سجلت نموا معتبرا بين سنتي 2005 و2008 حيث بلغت 38 مليار دولار السنة الماضية. أما احتياطات الصرف فقد انتقلت من 143 مليار دولار في نهاية 2008 إلى 144 مليار دولار في نهاية جوان 2009 وظلت مستقرة في شهر جويلية 2009 في حين أن جاري الديون الخارجية في المديين المتوسط والبعيد فهو متموقع في حدود 9ر3 مليار دولار وذلك ما يندرج في إطار تواصل تعزيز وضع المالية الخارجية الصافية للبلد بالرغم من سياق تميزه بأزمة مالية واقتصادية عالمية. تأثرت المالية العمومية بتراجع الجباية النفطية الذي لم يؤثر مع ذلك على كثافة النفقات العمومية للتنمية. وبالتالي فقد سجلت الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2009 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2008 تراجعا في الجباية النفطية بنسبة 40 بالمائة عوضه جزئيا تحسن في المداخيل العادية للخزينة التي ارتفعت ب30 بالمائة. وعلى الرغم من التقلبات المرتبطة بالظرف الدولي فإن الاجرءارات التي قررها رئيس الجمهورية خلال هذه العشرية تمكن حاليا البلد من مواجهة الوضع بهدوء ومواصلة وتيرته المكثفة للتنمية بفضل الادخار العمومي الذي تم تحصيله. وهذا ما كان من التسديد المسبق للديون الخارجية ب16 مليار دولار ووقف اللجوء إلى القروض الخارجية ومختلف الإجراءات الرامية للحد من زيادة الواردات والتعجيل بوتيرة نقل الرساميل. وبفضل جميع هذه الإجراءات والمداخيل المحصلة خلال السنوات الأخيرة، فقد حقق البلد أمنا ماليا خارجيا يمكن من تأخير عواقب الكساد الاقتصادي العالمي. بنفس الشكل جاء إنشاء صندوق ضبط المداخيل والتقليص المعتبر للديون العمومية الداخلية ليمكنا الخزينة في هذه الفترة الانتقالية الصعبة من مواجهة الوضع ومتابعة تمويل جهود التنمية العمومية. فضلا عن أثره على تحديث المنشآت القاعدية والتنمية الاقتصادية والحفاظ على وتيرة نمو مدعمة سيمكن البرنامج الخماسي المقبل أيضا من مواصلة التنمية البشرية لصالح السكان والمساهمة في التراجع المنتظر لنسبة البطالة بفضل استحداث 3 ملايين منصب شغل نصفها في شكل مناصب شغل مؤقتة. وبخصوص عصرنة إدارة المالية أبرز العرض المقدم ما يلي: أولا: تواصل الإدارة الجبائية إصلاح الإطار التشريعي من أجل تحسين الإجراءات المشجعة على الاستثمار واستحداث مناصب شغل وتطوير بعض مناطق البلد التي تعاني من العزلة أو من التأخر ومن أجل تخفيف الإجراءات لفائدة المؤسسات الكبرى. وبالمقابل تواصل الإدارة الجبائية تنمية وسائلها وقدراتها على العمل وتعزيز إجراءات تحديد الفئة المعنية بالجباية. ثانيا: تجري عصرنة تسيير الميزانية العمومية اعتمادا على تكوين العمال وإعادة تنظيم المناهج في كل الإدارات العمومية المعنية وتطوير مهمة الصندوق الوطني للتجهيز من أجل التنمية في تصميم المشاريع وإعادة تنظيم اللجنة الوطنية للصفقات من اجل مرافقة الحجم الكبير للعقود التي تفاوضت فيها الإدارات والوكالات العمومية وتعزيز دور المراقبين الماليين في التأكد من قانونية النفقات وكذا تفعيل المهمة الوقائية للمفتشية العامة للمالية. ثالثا: باشرت الإدارة الجمركية برنامجا هاما لتطوير وسائلها البشرية والمادية وستشهد قريبا إيداع مشروع لمراجعة قانون الجمارك. رابعا: بروز تناغم جديد بين جميع الإدارات والسلطات المعنية بمكافحة الغش الجبائي والجمركي وكذا التحويلات غير القانونية لرؤوس الأموال. وجاءت أحكام قانون المالية وقانون المالية التكميلي لسنتي 2008 و2009 تعزز العمل المشترك للسلطة النقدية والبنوك والجمارك وكذا مصالح التجارة والضرائب في تطبيق القانون وقمع الغش ومحاولات تبييض الأموال. خامسا: قامت إدارة أملاك الدولة باستكمال الترتيب المسير للتنازل عن العقار من اجل الاستثمار مع إحراز تقدم في عمليات انجاز المسح العام عبر كامل التراب الوطني الذي من المقرر أن ينتهي في أواخر سنة 2014. وبشأن مواصلة إصلاح البنوك وسوق المالية ابرز العرض ما يلي: أولا: مواصلة إصلاح البنوك العمومية مع إبرام عقود نجاعة جديدة بالنسبة لمسيرها وتعميم تدريجيا برنامج تكوين الموظفين وتحسين مناهج الشراكة مع كبريات البنوك الأجنبية وكذا مضاعفة الأموال الخاصة بالبنوك العمومية خلال السنتين الأخيرتين وبالتالي تحسين كفاءات التدخل في تمويل الاستثمار. ثانيا: تكثيف الإصدارات السندية في السوق المالية التي تسجل أيضا بروز مؤسسات خاصة في هذا المجال، بينما تبقى سوق الأسهم جد محدودة ولا تجلب المؤسسات سيما من القطاع الخاص. ولذلك ارتأى إعداد مخطط عصرنة وتطوير سوق المالية قصد إضفاء حركية عليه في إطار شفاف ومحكم. وموازاة مع إصلاح القطاع البنكي وسوق المالية حقق تمويل التنمية خطوات معتبرة خلال الأشهر ال12 الفارطة سيما من خلال: - تحسن في تمويل المشاريع المصغرة المولدة لمناصب شغل. تطبيق التعليمات التي أعطاها رئيس الدولة السنة الماضية حول هذه المسألة أدت إلى تحسن بحوالي 150 بالمائة من حجم المشاريع المصغرة التي تمولها البنوك. - تحفيز أفضل لتمويل استثمارات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بفضل منح نوعية ضمان الدولة لتغطية هذه القروض ومضاعفة بخمس مرات القيم المضمونة. - تطوير آليات ومؤسسات الإيجار المالي لصالح المنتوجات الصناعية المحلية وكذا فتح فروع للبنوك العمومية ومؤسسات الإيجار المالي والرأسمال الموجه للاستثمار على مستوى كل ولاية. - إنشاء الصندوق الوطني للاستثمار الذي يرافق المؤسسات العمومية التي تشرف على برامج عصرنة وتأهيل زيادة على مشاركته في المساهمات الوطنية ذات الأغلبية في عمليات الشراكة. أن هذا المسعى الذي تضاعف من خلاله السلطات العمومية المبادرات قصد تشجيع الاستثمار المحلي سيتعزز قريبا بتحفيزات جديدة تخص القرض الترقوي العقاري لفائدة المواطنين الراغبين في شراء أو بناء أو توسيع سكناهم. وفي قطاع التأمينات فقد باشر هذا الأخير بفضل تنسيق الجهود والوسائل إنشاء مدرسة وطنية للتأمينات وبطاقية وطنية للسائقين والمتهربين من التأمينات. ومن جهتها سهرت السلطات العمومية على أن تباشر لجنة مراقبة التأمينات أشغالها والتي تعد سلطة المراقبة في هذا المجال وكذا إنشاء مركز الأخطار. وسيواصل قطاع التأمينات الذي نوع عروضه من خلال إطلاق التأمين على "نقل الجثامين" لصالح جاليتنا في الخارج بتوسيع خدماته. وفي خضم ملاحظاته والأوامر التي أعطاها بخصوص هذا الملف تطرق رئيس الجمهورية إلى الأزمة العالمية وانعكاساتها، مشيرا إلى أنه بفضل الاختيارات الحذرة التي اتخذتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة تمكنت من الحفاظ على حركيتها التنموية. وأضاف رئيس الدولة أن الأمر يتعلق بمواصلة سياسة الحيطة هذه من خلال الصرامة وقمع كل تجاوز في النفقات العمومية مع السهر على ترقية التنوع الاقتصادي وإيرادات جديدة للبلاد. وذكر رئيس الجمهورية أن هذه الأزمة العالمية جاءت لتذكرنا بمدى تبعية البلاد لسوق النفط العالمية وضرورة تعجيل جهود التنمية لعكس الوضع. كما "ستعمل الدولة جاهدة من خلال برنامج استثمار عمومي جديد سيتجاوز المبالغ المعلن عنها إلا انه يتعين على أعواننا الاقتصاديين انتهاج نفس المسلك لاستعادة السوق المحلية أولا وتقليص تكلفة الواردات والعمل على استقطاب أسواق أجنبية جديدة". وفي هذا السياق؛ أعطى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة تعليمات للحكومة من اجل تثمين وتطبيق مختلف أشكال التشجيع والتحفيز التي تم تحديدها لفائدة الاستثمار المحلي ومواصلة إعادة تأهيل الأداة الصناعية العمومية القابلة للاستثمار مع تشجيع شراكات ذات نوعية. وخلص رئيس الجمهورية أنه "من الضروري مواصلة إصلاح النظام المصرفي والمالي لعصرنته وضمان نجاعته. كما سيتدعم اقتصاد السوق هو الآخر لكن هذا لن يؤدي إلا إلى ليبرالية غير متحكم فيها تهدد مصالح المجموعة الوطنية" .