ترأس رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اجتماعا تقييميا خصص لقطاع المالية. وبهذه المناسبة قدم وزير المالية عرضا حول الوضع الاقتصادي والمالي للبلد وآفاقه، و كذا الإجراءات التي اتخذت أو ستتخذ في إطار إصلاح القطاع البنكي ومختلف إدارات القطاع. على صعيد الاقتصاد الكلي، سجل سنة 2008 نموا بنسبة 1,6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات، على الرغم من تسجيل نمو سلبي في القطاع الفلاحي الذي تضرر بفعل الجفاف. وتندرج هذه النتائج في إطار تواصل الأداء الحسن للقطاعات خارج المحروقات خلال السنوات الأخيرة، و الذي تعزز بفضل البرنامج الهام للاستثمارات الذي بادر به رئيس الجمهورية. تسمح المؤشرات الأولية لسنة 2009 بتوقع مستوى أكبر في نمو الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات بالنسبة للتضخم الذي بلغ نسبة 4ر4 بالمائة سنة 2008 في سياق ضخمي مرتفع. على الصعيد العالمي من المتوقع أن يبقى مستقرا عند هذا الحد سنة .2009 وفيما يتعلق بالمالية الخارجية للبلد، فلم تسلم هي الأخرى من تأثيرات الأزمة العالمية من خلال تراجع أسعار المحروقات. وبعد أن وصل إلى حوالي 100 دولار طوال سنة ,2008 تراجع معدل سعر البرميل بشدة لينحصر في حدود 53 دولارا خلال السداسي الأول من سنة ,2009 وبالتالي انتقلت مداخيل المحروقات من 79 مليار دولار سنة 2008 إلى حوالي 20 مليار دولار فقط خلال السداسي الأول من السنة الجارية. وبالمقابل، عرفت الواردات استقرارا نسبيا خلال السداسي الأول من هذه السنة، بعد أن سجل نموا معتبرا بين سنتي 2005 و ,2008 حيث بلغت 38 مليار دولار السنة الماضية. أما احتياطات الصرف، فقد انتقل من 143 مليار دولار في نهاية 2008 إلى 144 مليار دولار في نهاية جوان ,2009 وظلت مستقرة في شهر جويلية ,2009 في حين أن جاري الديون الخارجية في المديين المتوسط والبعيد متموقع في حدود 9ر3 مليار دولار، و ذلك ما يندرج في إطار تواصل تعزيز وضع المالية الخارجية الصافية للبلد، بالرغم من سياق ميزه أزمة مالية و اقتصادية عالمية. تأثرت المالية العمومية بتراجع الجباية النفطية الذي لم يؤثر مع ذلك على كثافة النفقات العمومية للتنمية، و بالتالي فقد تسجل الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2009 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2008 تراجعا في الجباية النفطية بنسبة 40 بالمائة، عوضه جزئيا تحسن في المداخيل العادية للخزينة التي ارتفعت ب 30 بالمائة. وعلى الرغم من التقلبات المرتبطة بالظرف الدولي، فإن الإجراءات التي قرّرها رئيس الجمهورية خلال هذه العشرية مكن حاليا البلد من مواجهة الوضع بهدوء، ومواصلة وتيرته المكثفة للتنمية بفضل الإدخار العمومي الذي تمّ تحصيله. وهذا ما كان من التسديد المسبق للديون الخارجية ب 16 مليار دولار، و وقف اللجوء إلى القروض الخارجية ومختلف الإجراءات الرامية للحدّ من زيادة الواردات و التعجيل بوتيرة نقل الرساميل. وبفضل جميع هذه الإجراءات والمداخيل المحصلة خلال السنوات الأخيرة، فقد حقق البلد أمنا ماليا خارجيا يمكن من تأخير عواقب الكساد الإقتصادي العالمي. و بنفس الشكل جاء إنشاء صندوق ضبط المداخيل، والتقليص المعتبر للديون العمومية الداخلية، ليمكنا الخزينة في هذه الفترة الإنتقالية الصّعبة من مواجهة الوضع ومتابعة تمويل جهود التنمية العمومية. فضلا عن أثره على تحديث المنشآت القاعدية والتنمية الإقتصادية، والحفاظ على وتيرة نموّ مدعمة سيمكن البرنامج الخماسي المقبل أيضا من مواصلة التنمية البشرية لصالح السكان، والمساهمة في التراجع المنتظر لنسبة البطالة، بفضل استحداث 3 ملايين منصب شغل نصفها في شكل مناصب شغل مؤقتة. عصرنة الإدارة المالية وبخصوص عصرنة الإدارة المالية أبرز العرض المقدم مايلي: أولا: تواصل الإدارة الجبائية إصلاح الإطار التشريعي، من أجل تحسين الإجراءات المشجعة على الإستثمار، واستحداث مناصب شغل، و تطوير بعض مناطق البلد التي تعاني من العزلة أو من التأخر، و من أجل تخفيف الاجراءات لفائدة المؤسسات الكبرى. و بالمقابل، واصلت الإدارة الجبائية تنمية وسائلها و قدراتها على العمل، وتعزيز إجراءات تحديد الفئة المعنية بالجباية. ثانيا: تجري عصرنة تسيير الميزانية العمومية اعتمادات على تكوين العمال، و إعادة تنظيم المناهج في كل الادارات العمومية المعنية، و تطوير مهمة الصندوق الوطني للتجهيز، من أجل التنمية في تصميم المشاريع، و إعادة تنظيم اللجنة الوطنية للصفقات، من أجل مرافقة الحجم الكبير للعقود التي تفاوض فيها الإدارات والوكالات العمومية، و تعزيز دور المراقبين الماليين في التأكد من قانونية النفقات، و كذا تفعيل المهمة الوقائية للمفتشية العامة للمالية. ثالثا: باشرت الإدارة الجمركية برنامجا هاما لتطوير وسائلها البشرية والمادية، وستشهد قريبا إيداع مشروع لمراجعة قانون الجمارك. رابعا: بروز تناغم جديد بين جميع الإدارات و السلطات المعنية بمكافحة الغش الجبائي والجمركي، و كذا التحويلات غير القانونية لرؤوس الأموال. و جاءت أحكام قانون المالية و قانون المالية التكميلي لسنتي 2008 و 2009 تعزز العمل المشترك للسلطة النقدية و البنوك و الجمارك، و كذا مصالح التجارة و الضرائب في تطبيق القانون و قمع الغش و محاولات تبييض الأموال. خامسا: قامت إدارة أملاك الدولة باستكمال الترتيب المسير للتنازل عن العقار، من أجل الإستثمار مع احراز تقدم في عمليات انجاز المسح العام عبر كامل التراب الوطني، الذي من المقرر أن ينتهي في أواخر سنة .2014 إصلاح البنوك والسوق المالية وبشأن مواصلة إصلاح البنوك و سوق المالية أبرز العرض ما يلي : أولا: مواصلة إصلاح البنوك العمومية، مع إبرام عقود نجاعة جديدة بالنسبة لمسييرها، وتعميم تدريجيا برنامج تكوين الموظفين، وتحسين مناهج الشراكة مع كبريات البنوك الأجنبية، و كذا مضاعفة الأموال الخاصة بالبنوك العمومية خلال السنتين الأخيرتين، وبالتالي تحسين كفاءات التدخل في تمويل الإستثمار. ثانيا: تكثيف الإصدارات السندية في السوق المالية التي تسجل أيضا بروز مؤسسات خاصة في هذا المجال، بينما بقيت سوق الأسهم جد محدودة و لا يجلب المؤسسات، سيما من القطاع الخاص. و لذلك ارتأى إعداد مخطط عصرنة وتطوير سوق المالية، قصد إضفاء حركية عليه في إطار شفاف و محكم. وموازاة مع إصلاح القطاع البنكي وسوق المالية، حقق تمويل التنمية خطوات معتبرة خلال الأشهر ال 12 الفارطة سيما من خلال : - تحسن في تمويل المشاريع المصغرة المولدة لمناصب شغل، تطبيق التعليمات التي أعطاها رئيس الدولة السنة الماضية حول هذه المسألة، أدت إلى تحسن بحوالي 150 بالمائة من حجم المشاريع المصغرة التي تمولها البنوك. - تحفيز افضل لتمويل استثمارات المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، بفضل منح نوعية ضمان الدولة لتغطية هذه القروض، ومضاعفة بخمس مرات القيم المضمونة. - تطوير آليات و مؤسسات الإيجار المالي لصالح المنتوجات الصناعية المحلية، و كذا فتح فروع للبنوك العمومية ومؤسسات الإيجار المالي، والرأسمال الموجه للإستثمار على مستوى كل ولاية. - إنشاء الصندوق الوطني للإستثمار، الذي يرافق المؤسسات العمومية التي تشرف على برامج عصرنة وتأهيل، زيادة على مشاركته في المساهمات الوطنية ذات الاغلبية في عمليات الشراكة. إن هذا المسعى الذي تُضاعِف من خلاله السلطات العمومية المبادرات، قصد تشجيع الإستثمار المحلي، سيتعزز قريبا بتحفيزات جديدة تخص القرض الترقوي العقاري لفائدة المواطنين الراغبين في شراء أو بناء أو توسيع سكناهم. وفي قطاع التأمينات، فقد باشر هذا الأخير بفضل تنسيق الجهود والوسائل إنشاء مدرسة وطنية للتأمينات و بطاقية وطنية للسائقين والمتهربين من التأمينات. ومن جهتها، سهرت السلطات العمومية على أن تباشر لجنة مراقبة التأمينات أشغالها، والتي تعد سلطة المراقبة في هذا المجال و كذا إنشاء مركز الأخطار. وسيواصل قطاع التأمينات الذي نوع عروضه من خلال إطلاق التأمين على ''نقل الجثامين'' لصالح جاليتنا في الخارج بتوسيع خدماته. وفي خضم ملاحظاته والأوامر التي أعطاها بخصوص هذا الملف، تطرق رئيس الجمهورية إلى الأزمة العالمية و انعكاساتها، مشيرا الى أنه بفضل الإختيارات الحذرة التي اتخذتها الجزائر خلال العشرية الأخيرة، مكن من الحفاظ على حركيتها التنموية. وأضاف رئيس الدولة أن الأمر يتعلق بمواصلة سياسة الحيطة، من خلال الصرامة وقمع كل تجاوز في النفقات العمومية، مع السهر على ترقية التنوع الإقتصادي وإيرادات جديدة للبلاد. وذكر رئيس الجمهورية أن هذه الأزمة العالمية جاءت لتذكرنا بمدى تبعية البلاد لسوق النفط العالمية، و ضرورة تعجيل جهود التنمية لعكس الوضع. كما ''ستعمل الدولة جاهدة، من خلال برنامج استثمار عمومي جديد سيتجاوز المبالغ المعلن عنها، إلا أنه يتعين على أعواننا الاقتصاديين انتهاج نفس المسلك، لإستعادة السوق المحلية أولا، وتقليص كلفة الواردات والعمل على استقطاب أسواق أجنبية جديدة''. وفي هذا السياق، أعطى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة تعليمات للحكومة، من أجل تثمين و تطبيق مختلف أشكال التشجيع و التحفيز، التي تم تحديدها لفائدة الإستثمار المحلي، ومواصلة إعادة تأهيل الأداة الصناعية العمومية القابلة للإستثمار، مع تشجيع شراكات ذات نوعية. وخلص رئيس الجمهورية أنه ''من الضروري مواصلة إصلاح النظام المصرفي والمالي، لعصرنته وضمان نجاعته. كما سيتدعم اقتصاد السوق هو الآخر، لكن هذا لن يؤدي الى ليبيرالية غير متحكم فيها يهدد مصالح المجموعة الوطنية''.