تعكس القراءة المتأنية لأحكام مشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري الموزعة على 105 مادة عزم الحكومة على إرساء قواعد انفتاح ولكن محدود للقطاع السمعي البصري أمام المستثمرين الخواص الذين مكنتهم من إنشاء قنوات موضوعاتية ولكن بقائمة طويلة من القيود والخطوط الحمراء التي يعرض تجاوزها للردع والعقوبات المالية، فيما كرس النص بالمقابل مبدأ الخدمة العمومية وحق المؤسسات العمومية في دخول رأس مال المحطات الخاصة، مع وضع القنوات تحت ضغط الحكومة عبر التحكم في البث وضبط دفتر شروط دقيق لا مكان فيها للمتلاعبين بالأمن والقيم والمصلحة الوطنية. كرس مشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري حق الدولة في مراقبة هذا القطاع وبسط سلطتها الضبطية على مختلف أشكال ممارسة هذا النشاط، وبررت هذا الحق في التدخل من منطلق »التأثير الكبير الذي يحدثه السمعي البصري على توجيه الرأي العام والتأثير على صناعة القرار السياسي «. وتضمن الفصل المخصص لعرض أسباب مشروع هذا القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء الأسبوع الماضي وتحصلت »صوت الأحرار« على نسخة منه، تأكيد الحكومة على » الرهانات المتعلقة بتأثير وساءل الإعلام على توجيه الرأي العام ورسم الأنماط السلوكية لناس ومن ثم التأثير في صناعة القرار «، واعتبرت أن هذه الرهانات لم تترك السلطات العمومية في العالم على الحياد في مهمتها المتمثلة في حراسة المصالح المعنية للأمة »مما يضفي الشرعية على تدخلها بكيفية أكثر وضوحا وعمقا«، في إشارة واضحة إلى مبررات الحكومة لإقرار حقها في ضبط ومراقبة قطاع السمعي البصري، حيث ذهبت ضمن هذا السياق إلى التذكير بأن »حق التدخل قائم في جميع إنحاء المعمورة بما في ذلك في الديمقراطية الليبرالية الغربية، حيث لم يفلت الاتصال السمعي البصري كلية من احتكار القطاع العمومي إلا مؤخرا«. وأشار عرض الأسباب إلى تحديد المغزى من مشروع هذا القانون، مشيرا إلى أن النص يرمي تحديدا إلى تأكيد الحق في توسيع حرية الصحافة إلى حقل الاتصال السمعي البصري من خلال وضع آليات تسمح بضمان فعاليته وفي نفس الوقت تسمح بمراقبة ممارسته بصرامة من خلال الإجراءات الردعية والقيود الواردة في105 مواد تضمنها المشروع والتي عللتها الحكومة بالقول »إن الإطار التشريعي الذي يمارس من خلال الاتصال السمعي البصري يجب- بالنظر إلى حجم الإمكانيات المالية التي يتطلبها تطور وسير النشاط السمعي البصري- أن يحتاط لتفادي الضغوط التي يمكن أن تمارسها التكتلات المصلحية في توجيه البرامج الموجهة للجميع و المفتوحة لهم«. الحكومة تبسط سلطتها الرقابية على القنوات الخاصة وأقرت الحكومة في عرضها للأسباب بصعوبة بسط سلطتها في الرقابة والضبط على النشاط السمعي البصري، مشيرة إلى» تأثير التطورات التكنولوجيات المسارعة خاصة مع ظهور الساتل للبث المباشر والانترنت، اللذين يتجاوزات الحدود وكسر الاحتكارات«. واعتبرت الحكومة ضمن هذا السياق أن الحجة تبقى قائمة بالنظر إلى ما ينجم من نتائج كارثية عن السلوكيات والتصرفات بسبب حرية لا تعرف الحدود، وعليه رأت بأنه »يتحتم تأطير المبادرة الخاصة في القطاع السمعي البصري بوضع وقاعد احترازية تتعلق في آن واحد بشروط إنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري ونمط تمويلها وكذا محتويات برامجها«. ولم يغفل الحكومة إثارة مسالة مستقبل الخدمة العمومية في ظل فتح مجال السمعي البصري إمام المستثمرين الخواص، حيث جاء ضمن عرض الأسباب أن هذا النص »لا يقتصر على التكفل بالمشاكل المرتبطة بفتح مجال السمعي البصري للاستثمار الوطني الخاص فحسب، بل يندرج في منظور أوسع يتمثل في إعادة إصلاح الحقل السمعي البصري الوطني المتمحور حول مهام الخدمة العمومية ، مؤكدة ضمن هذا المسعى أحقية القطاع العمومي في »الاستفادة من الدعم الكامل للدولة لتوفير خدمة عمومية تنسجم مع مقتضيات الانفتاح والعصرنة«. وخلصت الحكومة في عرضها للأسباب إلى التأكيد على أهمية استحداث سلطة ضبط السمعي البصري لتخلف المجلس الأعلى السمعي البصري الذي تأسس في قبل حوالي 23 سنة، تتولى مهمة حماية الخدمة العمومية من الانحرافات المحتملة. ويحدد المشروع في جل مواده قواعد وآليات وكذا ضوابط فتح النشاط السمعي البصري، حيث حددت المادة الرابعة من القانون شكل تنظيم خدمات الاتصال السمعي البصري في شكل قنوات عامة وموضوعاتية بالنسبة لتلك التابعة للقطاع العام وفي شكل قنوات موضوعاتية فقط بالنسبة لتلك الرخص لها. فيما حدد القانون في مادة الحادية عشرة قواعد العمل وتضم احترام المبادئ الديمقراطية المكرسة دستوريا تشجيع الحوار الديمقراطي، وتنمية المبادلات الثقافية بين أنحاء الوطن، وترقية قيم السلوك الحضاري والتسامح والموطن والمساهمة في تنمية الإبداع الفكري وتسهيل استفادة الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية أو العاهات السمعية من البرامج المسموعة أو البصرية.كما فتح المشروع في المادة 17 المجال أمام »إدراج حصص وبرامج وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال«. الحركى والأجانب مقصيون وحدد مشروع القانون صفات ومؤهلات المترشحين اللذين يحق لهم فتح قنوات موضوعاتية، بحيث يقتصر الحق في إنشاء القنوات الخاصة إلا على حاملي الجنسبة الجزائري بالنسبة لجميع المساهمين، وأن يكون رأس المالها الاجتماعي حصريا وطنيا، وأن تثبت مصادر الأموال المستثمرة، و أن يكون من بين المساهمين صحفيون محترفون، وأن يثبت المساهمين المولودين قبل جويلية 1942 أنه لم يكن لهم سلوك معاد لثورة أول نوفمبر. ومنع المشروع المنتظر عرضه للمناقشة أمام نواب البرلمان خلال هذه الدورة احتكار خدمة الاتصال السمعي البصري، حيث نصت المادة 22 على أنه »لا يمكن للشخص الطبيعي أو المعنوي أن يكون مساهما في أكثر من خدمة واحدة للاتصال السمعي البصري«.كما تتضمن دراسة ملف الترشح من طرف سلطة ضبط السمعي البصري الاستماع العلني للمترشحين الذين استوفوا الشروط، حيث يأخذ بالحسبان وفقا للمادة 24 تنويع المتعاملين والتمويل وتجربة المرشحين في والمساهمة في الإنتاج الوطني للبرامج. دفتر شروط دقيق لتفادي أخطاء الصحافة المكتوبة وعكس المشروع في مواده 26 ,25 و27 استفادة السلطات العمومية من تجربة التعددية وما تمخض عنها من فوضى تعاني منها الصحافة المكتوبة لحد الآن، حيث يترتب عن منح الرخصة دفع مقابل مادي من طرف المتعامل المرخص له.وحدت مدة الرخصة ب 10سنوات قابلة للتجديد بالنسبة لقنوات التلفزيونية و 5 سنوات للقناة الإذاعية، كما يشترط النص على أن استغلال الرخصة لا يكون إلا من قبل الشخص المستفيد دون سواه. ويتوجب على الحائز على الرخصة مباشرة نشاطه في ظرف سنة بالنسبة للمحطة التلفزيونة و 6 أشهر للإذاعة، وفي حالة عدم احترام المهلة تسحب الرخصة بصفة تلقائية. ومنحت المادة 33 للدولة الحق في ممارسة حقها في الشفعة في حال طرح القناة الإذاعية أو التلفزيونية الخاصة للبيع. وألزمت المادة 37 صاحب رخصة إنشاء قناة بإبرم عقود لإرسال وبث البرامج المسموعة أو التلفزيونية، وهو ما يضع القنوات الخاصة تحت سلطة الحكومة التي مكنها أن تتحكم في بث قنواتهم من خلال التشويش أومن بث كل ما تقدر بأنه مخل أو يتعارض والمصلحة الوطنية. وحدد دفتر الشروط المتضمن القواعد العامة المفروض على كل خدمة للاتصال التلفزيوني أو الإذاعي قائمة طويلة من الشروط الدقيقة على غرار احترام متطلبات الوحدة الوطنية والأمن والدفاع الوطنيين والمصالح الاقتصادية للبلاد، وسرية التحقيق واحترام القيم الوطنية، ورموز الدولة كما هي في الدستور، واحترام متطلبات الآداب العامة النظام العام، ترقية إشعاع اللغتين الوطنيتين والامتثال للقواعد المهنية وآداب وأخلاقيات المهنة، كما اشترط على المتعاميلن بث الإشهار باللغة الوطنية، وأن تكون نسبة 60 بالمائة من البرامج والحصص التي تبث برامج وطنية، وتحديد نسبة 20 بالمئة من البرامج الأجنبية المستوردة المدبلجة باللغتين الوطنيتين وعدم الإشادة بالعنف، أو توظيف الدين لإغراض حزبية أو التحريض على التمييز العنصري والإرهاب. عقوبات مالية لكل من يتجاوز الخطوط الحمراء وخصص المشروع فصلا كاملا من المادة 53 إلى 87 لتحديد مهام وصلاحيات سلطة ضبط السمعي البصري التي تتشكل من 9 أعضاء معينين بدل 12 منهم منتخبون في الفترة الأولى من الانفتاح في مستهل التسيعنات، حيث تتولى السهر على حرية ممارسة السمعي البصري وعدم تحيز القطاع العمومي والتعبير التعددي لتيارات الفكر، وترقية وإشعاع اللغتين الوطنيتين بالإضافة إلى توليها مهمة، دراسة طلبات إنشاء خدمات الاتصال ، وتخصيص الترددات الموضوعة تحت تصرفها، والسهر على تطبيق أحكام القانون ودفتر الشروط التحكيم في المنازعات، والنظر في الشكاوى. ووضع المشروع لائحة طويلة بالعقوبات مالية والردعية لكل من يتجاوز الخطوط الحمراء المنصوص عليها ضمن أحكام هذا النص بحيث يحق لسلطة الضبط التعليق الفوري للرخصة دون إشعار مسبق وقبل قرار سحبها في حالة إخلال القناة ومساسه بمقتضيات الدفاع والأمن الوطنيين أو عند الإخلال بالنظام العام بحسب ما جاء في نص المادة 97 .كما نصت المادة 101 على غرامة مالية تصل على عشرة ملايين دينار لكل من يستغل خدمة الاتصال السمعي البصري بدون رخصة.